أحمد الفلاحي
أحمد الفلاحي
أعمدة

نوافذ: شمالا.. جهة القلب

13 مارس 2021
13 مارس 2021

أحمد بن سالم الفلاحي

[email protected]

القلب؛ هذا الجهاز البيولوجي الصغير في حجمه، والكبير في مسماه، وفي أدواره، يذهب به المسمى المادي الملموس على أنه أحد الأجهزة المهمة التي يحتويها جسم كل كائن حي، ويذهب به الاستدلال المعنوي إلى كثير من المناخات الإنسانية البحتة، في صورتيها الإيجابية والسلبية، فهذا قلبه أبيض، وهذا قلبه أسود، وذلك انعكاسا لنتائج الأفعال والممارسات التي نقوم بها في حياتنا اليومية، لذلك يأخذ منا القلب هذا الاهتمام، وهذه العناية، وهذه الرأفة، وهذه الوقفة أيضا، كلما ذكر القلب ارتعدت فرائصنا، حتى تظلنا محطة آمنة أن الذكر هو خير، وإلا تلبسنا الخوف، وأربكنا القلق، فهذا القلب، هو محور تسيير كل أجهزتنا التي تحتويها أجسامنا، فإن تعطل هذا القلب، فأنى لنا بمسعف آخر نلوذ إليه بين دهاليز هذا الجسم، وإن نشط وانتعش، فكل مصائب القوم باتت سهلة، إنه القلب.

جاء في النص النبوي الكريم: «إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون». فالقلب موطن الحزن، كما هو موطن السرور، ولأننا مفطورون على المشاكسة والمناكفة، فعلى القلب؛ في هذه الحالة أن ينصب بيننا ميزان العدالة ليقي شرور الآخرين عن الآخرين، فهناك من يحمل قلبا كالصخر قساوة، وهناك من يحمل قلبا آمنا مطمئنا، يتوق إلى السلام، ويرخي سدول المودة والرضا، وكأن الحياة ربيع أخضر، دائم النضارة والسرور، ولذلك يقولون عن فلان من الناس: «صاحب القلب الكبير» ويقولون عن فلانة: «صاحبة القلب الرؤوم».

وقد وجد الشعراء، والحالمون في القلب متسع الحديث، حيث ترفرف الكلمات حبلى بالوجد، والمحبة، ومن ذلك قول الشاعر إلياس أبو شبكة، وهو شاعر من لبنان الشقيق: «

ما لي أَرى القَلبَ في عَينَيكِ يَلتَهِبُ

أَلَيسَ لِلنّارِ يا أُختَ الشَقا سَبَبُ

بَعضُ القُلوبِ ثِمارٌ ما يَزالُ بِها

عَرفُ الجنانِ وَلكِن بَعضُها حَطَبُ»

فما بين جنان القلوب، وتقحلها، تتمايز المخاطبات الإنسانية بين بني البشر، وتتفاوت ردود الأفعال، وكم من صاحب قلب عامر بالمودة والإخاء، وبين صاحب قلب يلتهب غيضا، وحنقا، وحسدا، ويرسم صورة قاتمة لحياة لا تزال خضرة نضرة، وعلى جميع البشر أن تتلقى هذا المأزق الناشئ بين قلبين؛ يعيش أحدهما مفارقة الآخر، وكأن الحياة قائمة على هذه المفارقة الموضوعية لنتائج القلوب في توادها، أو تصادماتها، فجل ما يتعب القلب، ويذهب به إلى حيث المعاناة، هي مجموعة الكدر التي نقترفها بسلوكياتنا، وممارساتنا الخاطئة، ونعلم أنها خاطئة، ولكننا نكابر؛ بتشجيع من أنفسنا الأمارة بالسوء، حتى نقع في محاكمات القلب، وعلى هذا القلب أن يقبلها سلوكا، وأن يرفضها نتاجا، وما هو المتوقع من سلوك غير سوي، سوى الآلام والمآسي، والآثام؟ ولذلك قيل: «إن صحة الجسم في قلة الطعام، وصحة القلب في قلة الآثام والذنوب».

يعمد مجموعة المراهقين على رسم قلب يخترقه سهم، وذلك تعبيرا عن معاناة وجدانية تحدث بين طرفي العلاقة (الذكر/ الأنثى) وخطورة هذا السهم أنه يدمي القلب، وقد يؤول ذلك على مماته، ومعناه انتهاء العلاقة بين الطرفين، وقد يحدث ذلك حتى عند الكبار، الذين تشربوا الحياة وعاصروا مناخات القلب المختلفة، فالقلب المخترق بسهم يبدو أنه ثيمة عن معاناة لا يحسن تجسيدها إلا القلب، ومن ذلك أيضا: «إن القلوب إذا تنافر ودها؛ مثل الزجاج كسرها لا يجبر» فهل سيظل القلب هو المعبر الحقيقي عن معاناة الأفراد؟.

(شمالا.. جهة القلب) مساحة تستوعب أحاديث القلوب، في مناخاتها المختلفة، فحافظوا على قلوبكم فإنها «إن كلت عميت» كما نسب للإمام علي؛ رضي الله عنه؛: «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إن كلت عميت».