700
700
ولايات

«خور خرفوت» في أحضان ظفار.. محمية طبيعية محفوفة بالكائنات الحية والأشجار المتنوعة

19 فبراير 2021
19 فبراير 2021

تستغرق الرحلة 40 دقيقة عبر منافذ جبلية ومنفذ بحري -

عبدالعزيز المشيخي:تشير الدراسات إلى أن موقع خور خرفوت يرجع تاريخه إلى ٣٠٠٠ سنة قبل الميلاد -

استطلاع - أحمد بن عامر المعشني -

مع ساعات الضحى الصباحية وبعد أن تم شحن القارب بكل ما يلزم لرحلة بحرية تعتبر استكشافية بالنسبة لي أكثر مما هي رحلة استجمام، كوني لأول مرة أركب البحر، كما أنني لا أجيد السباحة بعكس رفاقي الذين يعتبرونها رحلة استجمام لهم وهم أهل بحر ولا يضيرهم ركوبها.

كانت الانطلاقة من شاطئ ولاية رخيوت قاصدين منطقة خرفوت برفقة محمد بن مبارك عكعاك وعلي بن سالم عكعاك الناشطين البيئيين وبقيادة ربان القارب أحمد بن سالم عكعاك ومساعده سعيد بن محمد السعدوني. كان الحماس يدفعني لزيارة منطقة خرفوت التي تقع بين ولايتي رخيوت وضلكوت في المنطقة الغربية من محافظة ظفار التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر منافذ جبلية ومنفذ آخر بحري.

اخترنا المنفذ البحري للوصول إلى المنطقة لصعوبة المنافذ الجبلية ذات المنحدرات الحادة والخطيرة، وتعرضنا أثناء طلوعنا في الصباح لعدة تيارات بحرية قوية بسبب هبوب رياح عاتية من البحر وبحنكة الربان أحمد عكعاك ومعرفته باتجاهات الرياح التي تسمى محليا (ازيب) فقد مخر بها ومع بلوغنا هذا المستوى من العمق في البحر تجاوزنا هذه التيارات.

استغرقت الرحلة إلى منطقة خرفوت أربعين دقيقة حيث قمنا بإرساء القارب على الشاطئ وحملنا أمتعتنا من المؤن الغذائية على ظهورنا ولمسافة تقدر بكيلو متر إلى بطن وادي خرفوت واستظللنا هناك تحت شجرة التمر الهندي التي تسمى محليا (صيريت) وشرعنا في إعداد وجبة الغداء التي تمثلت في عمل مضبي لمجموعة من الأسماك الطازجة التي أحضرناها معنا من البحر ونحن في طريقنا إلى المكان بالإضافة للحم والأرز الذي تفنن الإخوة في طبخه.

.

مؤن للعابرين

.

من العادات الجميلة هنا في محافظة ظفار أن مثل هذه المواقع التي اعتاد الناس زيارتها وخاصة إذا كان الوصول إليها صعباً يتم وضع بعض الاحتياجات الأساسية التي يحتاج إليها الناس في إعداد بعض الوجبات حيث وجدنا هناك سلة معلقة بحبل على أحد الأغصان في الشجرة نفسها وفيها جميع الاحتياجات من المؤن الغذائية من أرز وسكر وشاي وعلب أخرى ومعدات للطبخ. وهذه الأدوات مجهزة للعابرين والزائرين لهذه المنطقة فهي من أميز المعالم الطبيعية لولايتي رخيوت وضلكوت وهي امتداد جغرافي طبيعي لوادي (صيناج) ولا يمكن للسيارات ارتيادها.

شواهد أثرية

.

وبعد تناول وجبة الغداء بدأت جولتنا الاستطلاعية في جنبات الوادي المليء بالصخور والمستنقعات المائية التي لا تزال شاهدة على مرور سيول وفيضانات الأنواء المناخية موكونو والمنخفض الأخير في شهر مايو من العام الماضي الذي أحدث أضرارا جسيمة بالوادي، وجعلت منه جغرافية موقعه محمية طبيعية حافلة بالكائنات والأشجار.

كانت الفرصة متاحة للتأمل والتقاط الصور حيث يحتضن الوادي الكثير من الحيوانات البرية من الطيور والنمر العربي وحيوان الوبر (ثفن) وتعتبر عين خرفوت غيضة وارفة الأشجار العملاقة المورقة؛ كالتمر الهندي والتين البري وأشجار من نخيل التمر التي يقدر عددها بـ 300 نخلة تقريباً تقع على ضفتي الوادي من الجهة الغربية والشرقية لمجرى الوادي وأنواع أخرى كثيرة من الأشجار.

هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها خرفوت وفي عقلي الكثير من الحكايات والأساطير والادعاءات التاريخية والدينية التي نسجت بشأنها والمكان بحق بمثابة محراب للتأمل والتفكر؛ فالسكون يهيمن على المكان.

استيطان بشري

ومما شاهدته خلال تجوالي العديد من السواقي الزراعية المبنية من الأحجار المحلية ما يؤكد وجود استيطان بشري في هذه المنطقة وكذلك شاهدت كومة كبيرة من الأحجار يقال إنها كانت لمبنى أثري قديم في الجانب الشرقي لخور خرفوت ويعرف باسم كوت أو برج خرفوت الأثري وهذا البرج متهدم كلياً عدا بقايا حطامه الظاهرة للعيان على ارتفاع عشرة أمتار تقريباً مكسوة بأعشاب مختلفة من أشجار الراك والشجيرات الصغيرة.

وحسب روايات الأهالي فإن هذا المبنى كان يستقبل جميع المحاصيل الزراعية من المناطق المطلة عليه من الجبل الشرقي من خلال ربط حبال من الكوت إلى أعلى الجبل في شيراص لتجميع المحاصيل الزراعية وتجميعها من مناطق مختلفة بالإضافة إلى إنزال اللبان عن طريق الحبال ليحمل فيما بعد في البواخر وتصدير هذه المحاصيل إلى الخارج.

.

3000 سنة قبل الميلاد

عن منطقة خرفوت صرح لجريدة عمان عبدالعزيز بن أحمد المشيخي مدير دائرة التراث بالمديرية العامة للتراث والسياحة بمحافظة ظفار قال: «إن بعض الدراسات التي قام بها معهد البحوث الأثرية من مؤسسة وودلاندز، ولاية يوتا الولايات المتحدة الأمريكية للتنقيب السطحي خلال عام ٢٠١٦ إلى ٢٠١٨م يعتقد أن موقع خور خرفوت من خلال المعثورات الأثرية وفحص الكربون المشع يرجع تاريخه إلى ٣٠٠٠ سنة قبل الميلاد من خلال العثور على أجزاء لجرة فخارية صناعة محلية تعود إلى الفترات الإسلامية من القرن الخامس عشر إلى السابع عشر ميلادي بمنطقة خرفوت».

وتابع عبدالعزيز المشيخي حديثه فقال: «ومما أود أن أؤكده أن منطقة خرفوت من المناطق الساحلية، وبها عيون مياه عذبة، وقديما كانت المنطقة بمثابة استراحة للسفر للسفن العابرة، حيث ينزل أفرادها للتزود بالمياه والحطب، وفي بعض الأحيان في حال موت أي شخص في عرض البحر في إحدى السفن الآتية من والى الخليج يلجأ الطاقم إلى النزول إلى هذه الشواطئ والمناطق لدفن الميت بدلاً من رميه في عرض البحر، لذلك تشهد المنطقة وجود قبور مجهولة المصدر، ويطلق عليها محليا بالقبر الغريب (قور ذري)، وبناء على وجود هذه القبور ظهرت حكايات وروايات غريبة وعجيبة كلها من وحي الخيال ولا صحة لها».

وأضاف عبدالعزيز المشيخي مدير دائرة التراث بظفار: «إن حكاية الأسطورة الخرافية التي يروج لها والتي كتبت عن خرفوت في السنوات القليلة الماضية هي حكايات وإشاعات كاذبة تنسج من معتقدات خيالية، فإن أول ظهورها في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، ولم يسمع بها من قبل، فكل ما يدعون به من وصف هذه المناطق والآثار والقبور والمعابد لا صحة لها، وهذه الروايات والحكايات إن وجدت لابد من ذكرها بمصادر تاريخية عربية وإسلامية أو من قبل النسابة وكبار السن».

.

دعوة لصون الموقع

.

وأضاف عبدالعزيز المشيخي قائلا: «أود من خلال هذا اللقاء الصحفي أن أوجه نداء إلى الجهات الرسمية العليا صاحبة العلاقة إلى المحافظة وحماية هذه المواقع التاريخية والأثرية ومراقبتها من العبث سواء بالمكان أو بالمعلومات، فظفار ما زالت منطقة بكرا وهي مقصد ومطمع للباحثين المستشرقين وما زالت تخفي الكثير من الأسرار التي يجب اكتشافها وتوثيقها حماية لها من المعلومات الخاطئة».