أفكار وآراء

إذا كانت أوروبا مقتنعة بحل الدولتين عليها الاعتراف بفلسطين

17 فبراير 2021
17 فبراير 2021

داود كتاب -

مع وضوح معالم سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخارجية يبدو أن التشكيك بالالتزام بحل الصراع العربي ــ الإسرائيلي سيزداد. وتطرح تلك الشكوك السؤال الضروري التالي: من سيملأ الفراغ الدبلوماسي الذي ستتركه الولايات المتحدة؟

للتأكيد، فإن بايدن تحرك بسرعة لتصحيح السياسات الفظيعة لسلفه، فخلال أسبوع من تنصيبه أعلنت إدارته نيتها إعادة العلاقات الأمريكية مع القيادة الفلسطينية والدعم للاجئين الفلسطينيين، كما تعهدت بالتزامها بحل الدولتين للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. هذه الالتزامات ظلت فاترة وحتى تردد بايدن من الاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لا تعكس مستوى الاهتمام أو الإخلاص الضروريين للدفع نحو تحقيق سلام دائم على أساس حل الدولتين.

الوضع الأوروبي يختلف حيث القرب الجغرافي للشرق الأوسط وهو إقليم في حالة تقلب وعدم استقرار. لذلك جرى تقارب خلال مؤتمر ميونيخ الأمني بين وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا مع نظرائهم المصري والأردني بهدف البدء بحوار مع الفلسطينيين.

مجموعة ميونيخ هذه تعمل الآن مع الفلسطينيين على إعادة بدء محادثات السلام. ومشاركة مصر في مجموعة ميونيخ تعكس قيادتها لتحرك سلمي فلسطيني إسرائيلي فقد شهدت العاصمة المصرية هذا الشهر اجتماعًا طارئًا لوزراء الخارجية العرب لمناقشة التطورات الإقليمية وما هو المتوقع من إدارة بايدن. المشاركون أكدوا أن القضية الفلسطينية ستبقى مركز اهتمام جميع المشاركين في القاهرة ومجموعة ميونيخ فيما يتعلق بالتحرك السلمي الإسرائيلي الفلسطيني. كما استضافت القاهرة وفي الأسبوع نفسه جلسات الحوار الفلسطيني التي تهدف إلى وضع الأسس لعملية انتخابات تشريعية ورئاسية طال انتظارها وتهدف إلى إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة.

ورغم أهمية الجهد الإقليمي إلا أن دور قيادات عالمية مثل: فرنسا وألمانيا أساسي في تقوية الموقف التفاوضي الفلسطيني والضغط على إسرائيل باتجاه التوصل إلى اتفاق سلام عادل. وإذا أرادت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام إظهار موقف قيادي فعليهم الاعتراف بدون تردد بدولة فلسطين.

لقد صوت البرلمان الأوروبي عام 2015 بأغلبية ساحقة للاعتراف بفلسطين وقد أقر برلمان الدول الأوروبية بشكل مستقل الأمر نفسه. ولكن تلك القرارات غير ملزمة ورغم أن عددا من أعضاء الاتحاد الأوروبي من بين الدول الـ140 التي اعترفت بفلسطين إلا أن غالبية الدول الأوروبية بما فيها ألمانيا وفرنسا لا تزال ترفض التقدم خطوة والاعتراف بدولة فلسطين.

تقول المستشارة الألمانية انجيلا ميركل: إن مثل هذه الخطوة أحادية الجانب ستنسف التقدم نحو حل تفاوضي مبني على أساس مشروع الدولتين. وكذلك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قال: إن «قرارًا أحادي الجانب للاعتراف بفلسطين» لن يكون ذات فائدة مضيفًا إنه سيعترف بدولة فلسطين فقط عندما يعتقد أن تلك الخطوة «مفيدة لبناء سلام على الأرض».

بعد أربع سنوات من الهجوم على حل الدولتين من قبل إدارة ترامب و«رؤيتهم للسلام» التي تشمل ضم ثلث مناطق الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل فإنه من الصعب أن نقبل تلك الحجة بصورة جادة. في الحقيقة فإن التطورات الأخيرة أضعفت التأييد في حل الدولتين، حيث يعارض 58% من الفلسطينيين هذا الاقتراح وبدلًا من ذلك فهناك زيادة في المطالبة بحقوق متساوية في دولة واحدة. ومع انخفاض عدد اليهود الإسرائيليين القاطنين في المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط مقارنة مع الفلسطينيين العرب فإن حل «الدولة الواحدة» سيصبح هدفًا أكثر عمليًا للفلسطينيين. لكن معظم الإسرائيليين لن يقبلوا هذا التوجه كما أن استمرار رفض إسرائيل قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ليس ممكنًا. سيتوجه الإسرائيليون لصناديق الانتخابات الشهر القادم ولكن لا يوجد أي دليل أن أي حكومة إسرائيلية ستتشكل بعد الانتخابات ستبدي أي اهتمام بالعودة لمفاوضات سلام. فكل الساعين لمنصب رئيس الوزراء يرفضون إقامة دولة فلسطينية. وإذا استمر ماكرون وميركل في انتظار التزام الطرفين بدولة فلسطينية فإن انتظارهم سيتجاوز وجودهم في مواقعهم السياسية. كما ولن تستطيع أوروبا تبرير مواقفها فقط من خلال الدعم المالي للفلسطينيين. إسرائيل لا تتردد في تدمير ما تحاول المساعدات بناءه. ففي شهر نوفمبر الماضي قامت القوات الإسرائيلية بتدمير أكثر من 70 منشأة فلسطينية في الضفة الغربية. هذا الأمر يشكل أكبر عملية إجبار للفلسطينيين على تغيير مساكنهم في الأراضي المحتلة منذ أربع سنوات. الأعمال الإسرائيلية لم ينتج عنها أكثر من رد لفظي من أوروبا. إذا أرادت أوروبا فعلا أن تسير في اتجاه السلام عليها أن تبدي جرأة وقناعة. هذا يعني أن عليها الاعتراف بدولة فلسطين على حدود ما قبل حزيران 1967 وبذلك تساعد في تغيير ميزان القوى في المفاوضات وتضع إطارًا للسلام. إسرائيل قد تحتج ولكن كما شاهدنا فيما يخص السود فإن العلاقات البينية لن تتأثر على المدى البعيد عندما تعترف الدول بفلسطين. وحتى لو تأثرت فإن ذلك سبب ضعيف لتدمير آمال سلام حقيقي ودائم لجيران أوروبا الأكثر قربًا.

** أستاذ سابق للصحافة في جامعة برينستون.

** خدمة بروجيكت سنديكيت