5415
5415
الثقافة

"نشيد الرجل الطيب" لقاسم توفيق.. رواية عن اختلال العلاقات الإنسانية

09 فبراير 2021
09 فبراير 2021

عمّان، "العمانية": تحكي رواية "نشيد الرجل الطيب" للكاتب الأردني قاسم توفيق، سيرة شخصيتين؛ أحدهما شيوعي سابق يعمل مصوِّرا فوتوغرافيا، والثاني رأسمالي جشع، وهما لا تلتقيان طوال أحداث الرواية، لكنّهما تسيران في خطَّين متوازيين، وتتقاطعان في نقطة واحدة تمثل المحور الذي تتشكَّلان منه. إذ يفتِّش "مسعود الصانع" منذ بداية وعيه عن مبرِّر لوجوده، ويصبح هذا الأمر هاجسَه الأكبر الذي يدفعه للانخراط في مقتبل شبابِه بالعمل الحزبيّ المعارض للسلطة، ليعود من هذه التجربة خائبًا وفاقدًا الأمل في فهم كُنه وحقيقة وجوده. وهو يمتلك –بالصدفة - كاميرا، فيتحوَّل لمهنة التصوير بعد أن يعجز عن العمل بشهادته الجامعيّة بسبب مواقفه السياسية. ويحقِّق البطل نجاحًا في مهنته، ويتحوَّل إلى خبير في فنون الرَّسم ويصبح ذا رؤية فنيّة خاصة، نتيجةً لقراءاته الفكريّة والفلسفيّة ولتجربته الحزبيّة التي يكتشف أنها من دون جدوى. وعندما يتعرَّض لحادثةِ دهسٍ، تنفتح في وجهه أثناء فترة علاجه ومواجهته خطر الموت، أفكارٌ ورؤًى مُغايرةٌ للمفاهيم السائدة فلسفيًا وفكريًّا وفنيًّا، فيحاول تكسير هذه المفاهيم من أجل الوصول إلى الحقيقة، ليقرِّر في النهاية أنَّ الشَّرخ الذي يُنهك نفس الإنسان - الذي يسعى للتحرر من الموروثات التي شوّهت وعيه - يكمن في ذاته وفي ما تَشكّل عليه من دون أن يكون هو صاحب الاختيار. وفي محاولة منه للخروج من هذه المتاهة، يجرب "مسعود" أن يبحث في دلالة معنى الخلود، ويقرر أنه أمر لا يتحقق ولا يكتمل إلّا من خلال العمر الذي يعيشه الإنسان، لذلك يبدأ في قراءة مغايرة لبعض ما اتُّفق على أنها حقائق ويكاد يتفق العالم على تفسيرها وفهمها؛ ليثبتَ بطلانها؛ فيعود لدراسة ابتسامة الموناليزا ويُعلن أنّها لا تزيد عن كونها أوَّل خدعة مورست في الفنون البشريّة، لأن من غير المعقول أن تظل هذه المرأة محافظة على الابتسامة نفسها طوال وقت رسم "ديفنشي" لها. كما يحاول تهشيم نظرية فرويد في ما يخص عقدةَ أوديب، مؤكدًا أنَّ الأب هو المُدان في اختلال العلاقات الأبوية وليس الابن، لأن الأب هو من خضع لنبوءة العرّاف وقرر أن يقتل ابنه في البداية. وفي مقابل شخصية "مسعود"، تقف شخصية ابن مهرِّب البترول والأسلحة "غازي العبد"؛ الذي لا تتعدّى ثقافته ووعيه ما يشاهده في السينما من أفلام بوليسيّة يظل مولعاً بها حتى بعد أن يتجاوز الخمسين من عمره. وهو يكرِّس هذه الثقافة السينمائية في جميع مناحي حياته، بدءاً من علاقته بعشيقته، حتى علاقته بأهله وبالذين يعملون معه، ويظل يبحث عن أسباب تجعله يطبِّق ما يشاهدُه في السينما على حياة هؤلاء. وإلى جانب "غازي"، يحضُر شقيقه الأصغر"بهاء" والذي يختلف عنه في كل شيء، والذي تعلَّم وعاش في أمريكا، ليعود بعد سنوات مديراً لمؤسسة ثقافيّة تحمل اسم الأب؛ ويحاول أن يفرض من خلال موقعه هذا، ثقافةً مشوّهةً لا تنسجم مع المفاهيم الإنسانية، مكرّساً النهج نفسه الذي نشأ عليه الأب والابن الأكبر في استغلال الناس، لكن تحت عنوان مختلف عن التهريب والاحتيال، هو الثقافة. ويكون التقاطع الوحيد بين شخصيَّتي "مسعود" و"غازي"، في عمل والد "مسعود" سائقًا لدى المؤسسة التي يملكها "غازي"، إذ يقوم بتهريب البترول والأسلحة والمخدرات لصالح مديره، إلى أن يفكِّر بالتَّهريب لمصلحته الخاصة، فيقرِّر المدير التخلُّص منه. وأثناء محاولة قتل والد مسعود، يتعرَّض لإصابةٍ تُسبِّب له شللاً، فيقضي ما تبقى من عمره طريحَ الفراش عاجزًا عن النُّطق أو الحركة، وغيرَ قادر على كشف مَن يقف وراء الوضع التي حلّ به، لذلك يبقى "غازي العبد" غائباً عن وعي "مسعود" إلى النهاية. تكشف الرواية الصادرة عن منشورات ضفاف (بيروت)، وبيت الحكمة (القاهرة)، ومنشورات الاختلاف (الجزائر)، عن الاختلال الكبير الذي يكمن في طبيعة العلاقات الإنسانية، وتحكي عن تغليب "الهو" على "الأنا" التي خفتَ حضورها أو غُيّبت تماماً عند البشر. كما أنها تحكي بجرأة عن أزمة اليسار العربي والصراع الدونكشيوتي الذي يعاني منه هذا اليسار، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.