am13
am13
أعمدة

هوامش...ومتون: زَبَد (الفاشينستا) !

27 يناير 2021
27 يناير 2021

عبدالرزّاق الربيعي -

بكثير من المرارة، تحدّث المهندس محمد العريمي عن عدم الاهتمام الذي يلقاه نجوم (السوشل ميديا) عندما يغادرون العالم الافتراضي، وينزلون إلى الشوارع، ويمشون في الأسواق! وهو أمر يستحقّ وقفة، فهل أن الجمهور الذي يلتقي به هؤلاء النجوم في الشارع هو غير الجمهور الذي يعلّق على منشوراتهم، وسكناتهم، وحركاتهم، في مواقع التواصل الاجتماعي، ويمطرهم بايقونات الورود، وكلمات الإعجاب، وتعليقات المحبة؟ أم أنّ جمهور العالم الافتراضي، يبقى افتراضيا، وإن خرج إلى أرض الواقع؟

وإذا كان البروفيسور سعيد بن سليمان الظفري، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة السلطان قابوس رأى في الجلسة الحوارية "سيكولوجية الفاشنيستا والجمهور: التأثير الثقافي" التي أقامها النادي الثقافي مؤخرا، أنّ هذه الفجوة لها انعكاساتها السلبية على " الفاشينيستا"( والكلمة مشتقّة من كلمة إنجليزية تعني الموضة وتطلق على المميّز بمظهره)، وتتسبّب بانخفاض الرضى عن الذات، لدى هؤلاء، وزيادة الاكتئاب والقلق، وقد يكون سببها أن الجمهور يحمّل (الفاشينيستا) مسؤولية شراء منتجات قد لا تكون مهمة بالنسبة له، وقد لا تكون بذات الجودة التي تعرض، فضلا عن تهديد، عدد كبير منهم، منظومة القيم الاجتماعي، وتقوية النزعة الاستهلاكية، وكلها مرفوضة على مستوى الواقع، وإن بدت مستساغة افتراضيا !

وإذا كان نجوم "الفاشنيستا" الذين بنوا شهرتهم على عرض تفاصيل حياتهم الشخصيّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدث صيحات الموضة، يتحمّلون جانبا من مسؤولية صنع تلك الفجوة، وهي تختلف عن ظاهرة يعاني منها الكثير من المغنين، والموسيقيين الذين يعيشون في مجتمعات تصفّق لهم في جوف الليل، وتتنكّر لهم في رابعة النهار!

ولعلّ الكاتب الروسي تشيخوف تحدّث عن هذه الظاهرة في مسرحيته" طائر التم" التي ظهرت على المسرح لأوّل مرة عام 1887، وبطلها ممثل العجوز قضى أكثر من أربعين سنة على خشبة المسرح، وذات ليلة نام في المسرح الذي صار يعمل به ماكيرا، وعندما استيقظ وجد المسرح مقفلا، والجمهور قد غادر القاعة، بعد قضاء وقت ممتع، فصعد الخشبة، وأخذ يتحدّث عن نفسه، ويجتر آلامه، راويا ، للملقّن، قصّة حبّه لفتاة من طبقة عليا في المجتمع، بادلته الحب، ولكن عندما عرض عليها الزواج، فاجأته بأن خيّرته بينها، وعمله كممثل في المسرح، وهي مهنة، في رأيها، لا تختلف عن مهنة البهلوان الذي يقوم بتسلية الجمهور، وكسب المال لقاء إضحاكه، فهي مهنة "غير محترمة" من وجهة نظرها، المبنيّة على نظرة المجتمع، فيرفض هذا الشرط، لإيمانه برسالة المسرح، وتتكرّر الحالة مع فتاة أخرى، ويصطدم بالجدار نفسه، وبذلك يبقى حبيس الفقر، والوحدة!! يقول فولتير" إن أكبر شرّ يصيب رجال الفكر، والأدب هو أن يحاكمهم الأغبياء، ويراقبهم الجهلة، فالغبيّ الجاهل يجمع بين الجهل، والحسد، والانتقام، والتعصّب، إن رجل الأدب الحقيقي بلا عون، إنّه كالسمك الطائر إذا ارتفع في الهواء أكله الطائر، وإذا هبط إلى الماء ابتلعته الأسماك"!، وفي النهاية يكون بطل تشيخوف ضحية فنه، كـ(طائر التم) الذي يعيش حياة هادئة، لكنه عندما يغني يموت، فإمّا الغناء، وإما الحياة! وقد يجد في غنائه حياته التي لا تشبه حياة أخرى!

لكنّ الجمهور في العقود الأخيرة بدأ يدرك قيمة الفنان، وقد حدّثني صديق يعيش في أوروبا عن الجنازة المهيبة التي نظّمها محبّو الفنّانة العراقيّة زينب، التي توفيت في السويد عام 1998، ولفّ جثمانها بالعلم الوطني العراقي، تلك الجنازة كانت تليق برئيس دولة، كما قال ذلك الصديق، حتى أن السويديين تساءلوا عن عمل الراحلة، وسرّ المكانة التي تحتلها ، فأجابهم: إنها ممثّلة!

ولم تنل تلك الحظوة، والمحبّة لولا أنّها قدّمت أعمالا تنفع الناس، وتخدم المجتمع، هذا الجمهور الواعي هو نفسه الذي يتحفّظ على (الفانشيستا)، ويتجاهله، وتلك ضريبة التضليل الإعلامي التي عليه دفعها للجمهور"فأما الزبد فيذهب جفاء"!