001
001
الثقافة

«سُراة الوادي المقدس» ..ومضة بمدونات التصوف في عُمان

26 يناير 2021
26 يناير 2021

«سُراة الوادي المُقدّس» هو عنوان كتاب جديد يتناول التجربة الصوفية في عُمان. الكتاب من إعداد وتحرير الكاتبين سعيد بن سلطان الهاشمي وأمامة مصطفى اللواتي، وبين صفحاته التي تقارب الخمسمائة؛ عشر مشاركات لباحثين وباحثات أجالوا النظر في تجارب ومدونات أهل التصوف والسلوك في عُمان من زوايا نظر متعددة، وعبر عصور وحِقب مختلفة. «ليس احتفاءً بعطاءاتهم والإضاءة على إشاراتهم التي تركوها فحسب، بل ونقداً متسائلاً في عباراتهم التي وثقوها أو نُقلت عنهم». بحسب المقدمة. حيث تؤكد العتبة الأولى للكتاب على أنه «لايكفُّ سؤال التصوف عن معاودة إلحاحه على الروح بلا تردد أو مواربة، وكأن الحياة كلما ضاقت على ساكنيها اتسع لأجلهم سؤال التصوف، وكأن الروح تنبعث من جديد كلما اختبرها سأم السائد وتغوّل في دخيلتها المكرور البائد.

يكتسب سؤال التصوف راهنيته من كونه معراجًا خاصًا لروح الإنسان، ملاذه الآمن وعزاءه المؤجل. كما أن تاريخ التصوف ما انفك يُثير في دواخل النفس البشرية كل غامض ومدهش من اللذة والخيال. والإنسان في عُمان ليس استثناءً من كل ذلك، على العكس، فإن الجغرافيا والتاريخ والثقافة والأفكار؛ فجّرت في داخله تساؤلات وتوجّسات، شكوكًا ويقينيات، قلقًا واطمئنانًا، بثّها بأشكال عِدة، منها ما انعكس على سلوكه ومنها ما أودعه في مدوناته. لذا، من يفهم التصوف في عُمان يقترب من فهم الإنسان، أولم يكن التصوف يوماً الضوء الذي يستأنس به هذا الإنسان، في طريق بحثه عن المعنى، بلوغاً إلى الله؟“.

الكتاب بحسب محرريه، هو مجموعة من التساؤلات المهمومة بالتصوف والسلوك في عُمان، والتي تتوخى استخلاص القراءات ، وتتبّع السيِر، مع تأمل مسالك الأفكار، وأثر كل ذلك على الوعي، سواءً على مستوى الفرد أو المجتمع.

يتوزع الكتاب على عشر دراسات وقراءات، راجعها علمياً الأستاذ الدكتور وليد محمود خالص، كما يتضمن فهارس نوعية للأعلام والأماكن والموضوعات المتخصصة تحفيزًا لمواصلة البحث والتقصي والحفر.

في المحور الأول، وهو المتعلق بالتصوف الشعبي تقرأ الباحثة انتصار السليمي في دراستها «الكرامات في التصوف العُماني»، أنواعه وسماته، أساطيره وحوادثه. في حين تركز دراسة الأكاديمية عائشة الدرمكي على «الأولياء في الفكر الشعبي»، وعلى الطريق المعرفي الذي تأسس عليه هذا التصور، وحول ما إذا كان يمثل فلسفة مجتمعية أم تصوفا.

أما في المحور الثاني، التصوف والدين، فيأتي بحث خميس بن راشد العدوي وقراءته الرائدة لبنية التصوف عبر مخطوط «مراهم القلوب في مناجاة المحبوب» لصاحبه محمد بن أحمد الشجبي، كعمل متقدم في موضوعه وميدانه، لكونه يُعيد طرح سؤال تأريخ التصوف في عُمان من جديد، سواءً على مستوى الزمن، القرن الخامس الهجري، أو على مستوى الظروف التي أحاطت بتاريخ التصوف العُماني وصَقلت جُلّ ظواهره وبواطنه. على نحوٍ متصل؛ يقدم الدكتور سلطان بن عبيد الحجري قراءةً مستفيضة في تجربة «ناصر بن أبي نبهان الخروصي»، الأسباب والمآلات التي رسمت طرق هذه الشخصية، عبر تقلبات الأحوال وتناقضات الآمال.

تمثل علاقة أهل التصوف (أو السلوك) بالسلطة، في المجمل؛ محورا شائكا في التاريخ الإسلامي، وفي هذا المقام، يقدم الكتاب دراستين إضافيتين للتجربة الصوفية وعلاقتها «بأيديولوجيا السياسة الدينية في التاريخ العماني» وذلك من خلال نصوص أعلام السلوك والتصوف كالشيخ أبي نبهان جاعد بن خميس الخروصي وابنه ناصر، إضافة إلى الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي والشاعر أبو مسلم البهلاني. إلا أن كلًّا من الباحثين الدكتور سعود الزدجالي والشاعر إبراهيم سعيد ينطلقان من رؤية مختلفة ومنهج تحليلي مغاير للآخر في دراستيهما.

يتناول المحور الرابع ارتباط الفن بالتصوف من خلال دراستين تركز الأولى على «البناء الفني في النص الشعري الصوفي العماني» برؤية الباحث والشاعر محمود حمد، الذي يقتفي أنواع وأساليب الخطاب الشعري والنظم الإيقاعية في نصوص أدباء السلوك العمانيين. أما الدراسة الثانية فتتناول «الملامح الصوفية في الفنون الشعبية والموسيقى العمانية» للباحثة أمامة اللواتي، من خلال التنقيب في العلاقة التي تربط التصوف بالموسيقى في عُمان ومدى تقاطع الفنون الشعبية مع الموسيقى الصوفية.

أما المحور الخامس، فيحوي إضاءتين ترميان إلى ربط الماضي بالحاضر، لتؤكدا على توهج نبع التصوف في عُمان واستمرار تدفقه. ففي ورقته الموسومة بـ«أمهات الأرض» يسبر الشاعر سماء عيسى سيرة المرأة المتصوفة في عُمان، عبر نساء عابدات زاهدات حاكمات، خلال عصور وأزمنة مختلفة، نحتنَ فيها الوجدان الجمعي وشكلن انعطافات محورية في الذاكرة الشعبية. أما الدكتور محمد عبدالكريم الشحي فقد اختار أن يُضيء على تجربة عرفانية معاصرة في محاورة أشبه بالمُدارسة الفكرية مع المجتهد في القضايا الصوفية محمد موسى.

الكتاب ثمرة تضافر جهود العديد من محبي الجمال والعرفان طوال ثلاث سنوات لمقاربة «التصوف كفكرة وكخيار وكسلوك وكتجربة وكرحلة وكحياة في عُمان» لأنها تستحق جُلّ التأمل والدرس. «إذ، لم يعد كافياً الركون على المقاربة الدينية لموضوعة التصوف، ولا زاوية النظر التاريخية بوسعها التصدي لمهمة معقدة كهذه؛ التصوف أكثر وأعمق من هذا كله». الجدير بالذكر بأن الكتاب من إصدارات وتوزيع دار سؤال اللبنانية.