554
554
الاقتصادية

شركات النفط الكبري.. رهانات متباينة على مستقبل الطاقة

22 يناير 2021
22 يناير 2021

بعضها فقد نصف قيمته السوقية -

الإيكونومست- ترجمة : قاسم مكي -

الطاقة أسوأ القطاعات أداء في مؤشر ستاندارد آند بورز 500 للشركات الأمريكية الكبرى تجربة إكسون موبيل تعكس خطر الإنفاق المفرط على الوقود الأحفوري وعدم الانتباه إلى العائدات. ليس من السهل التأثير على قناعات إكسون موبيل التي كانت يوما ما أغلى شركة نفطٍ مدرجة في البورصة. ففيما كان يحثُّها مستثمرو الطاقة الخضراء على تطوير موارد طاقة أنظف خططت بدلا عن ذلك، لزيادة إنتاجها من النفط والغاز بحوالي 25% بحلول عام 2025. وفيما كانت الشركات المنافسة لها تشطب بلايين الدولارات من قيمة أصولها، ذكرت إكسون موبيل أن احتياطياتها لم تتأثر. ضغوط متزايدة لكن أمام قلاقل عام 2020 صار لزاما، حتى على إكسون موبيل الشديدة البأس، تغيير رأيها. ففي 30 نوفمبر أعلنت عن شطب ما بين 17 إلى 20 بليون دولار. كما أعلنت أيضا عن تخفيضاتٍ في إنفاقها الرأسمالي بما يصل إلى الثلث في الفترة 2022-2025 مما يعني، ضمنيا، التخلي عن هدفها الإنتاجي. وفي 14 ديسمبر، التزمت الشركة بخفض انبعاثات الكربون من عملياتها. ولو أن ذلك مقابل كل وحدة طاقة منتجة، بما يساوي 20% خلال خمسة أعوام. هذه التصريحات مؤشر على أن الضغط على إكسون موبيل يتزايد. لقد فقدت نصف قيمتها السوقية بين يناير ونوفمبر. كما تتعدى شكاوى مستثمريها جائحة كوفيد-19. في مايو أيدت "بلاك روك"، أكبر شركة إدارة أصول في العالم، اقتراحا بإعفاء دارين وودز الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل من مهامه كرئيس لمجلس الإدارة. وفي ديسمبر أرسل صندوق التحوط "دي إي شو" خطابا يطالب بالانضباط الرأسمالي لحماية حصته من الأرباح. ويدرس صندوق تقاعد ولاية نيويورك وهو ثالث أكبر صندوق ولائي بالولايات المتحدة سحب استثماراته من شركات الوقود الأحفوري الأعلى مخاطرة. ويدعم "نظام تقاعد المعلمين بولاية كاليفورنيا" وهو ثاني أكبر صندوق تقاعد عام، حملةً لاستبدال ما يقرب من نصف أعضاء مجلس إدارة إكسون موبيل. يقول كريستوفر إيلمان المسؤول الأول عن الاستثمار بالصندوق أن هذا التغيير ضروري. رغما عن ذلك يتشبث وودز بكلا الوظيفتين. وبصرف النظر عن كل تصريحاتها الأخيرة، تراهن شركته على نشاطها القديم (في قطاع الوقود الأحفوري) فيما يسعى في الأثناء منافسوها الأوروبيون لإعادة اختراع أنفسهم استعدادا لحقبةٍ أوثق صلة بالبيئة. يشير هذا إلى صَدْعٍ يزداد اتساعا بين طرفي المحيط الأطلنطي مع محاولة شركات النفط العملاقة استعادة المستثمرين بعد عام من انهيار الطلب على النفط وازدياد ضبابية مستقبله. وكلا المقاربتين (الاتجاه إلى الموارد المتجددة أو الاقتصار على الموارد الملوثة) محفوفتان بالمخاطر. تدهور العائدات كانت عائدات الشركات الكبرى متوسطة في معظمها على مدى سنوات. ففي العقد السابق لعام 2014 كانت تفرط في الإنفاق وتسعى بشدة إلى زيادة الإنتاج. ومع تحويلُ النفط الصخري سوق النفط من ندرة مفترضة إلى وفرة واضحة صارعت شركات عديدة من أجل التكيف مع الوضع الجديد. وتدهور العائد على رأس المال المستثمر في الشركات الغربية الخمس الكبرى (إكسون موبيل ورويال دتش شل وشيفرون وبي بي وتوتال) بحوالي ثلاثة أرباع في المتوسط بين 2008 و2019. وفي عام 2019 كانت الطاقة أسوأ القطاعات أداءا في مؤشر ستاندارد آند بورز 500 للشركات الأمريكية الكبرى كما كانت أيضا كذلك في الأعوام 214 و2015 و2018. وجلبت الشهور الاثنتي عشرة الماضية إهاناتٍ جديدة. إجمالا، فقدت الشركات النفطية الخمس الكبرى 350 بليون دولار من قيمتها في سوق الأسهم. وتتحدث عن تقليص الوظائف بما يصل إلى 15% وخفض الإنفاق الرأسمالي. خفضت شل توزيعات الأرباح على المساهمين لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. وقالت بي بي (بريتيش بتروليوم) أنها ستبيع مبني رئاستها الفاخر بحي ماي فير في لندن. وفي أغسطس تم إخراج سهم إكسون موبيل من مؤشر داو جونز الصناعي بعد ما يقرب من قرن من وجوده ضمن أسهم المؤشر. وهبطت حصة شركات الطاقة من مؤشر ستاندارد آند بورز 500 إلى ما دون 3% من 13%، وهي أعلى نسبة بلغتها في عام 2011. في عام 2021، سيعزز لقاح كوفيد- 19 أخيرا الطلبَ على البنزين ووقود الطائرات. لكن لا أحد يعلم مدى السرعة التي يتحقق بها ذلك. لقد أوضح قادة أكبر سوقي نفط في العالم وهما الصين والولايات المتحدة أنهم يريدون الحد من انبعاثات الكربون. ولكنهم لم يذكروا متى وبأي مقدار سيكون ذلك. والدول البترولية مثل روسيا والإمارات العربية المتحدة حريصة على الدفاع عن حصصها السوقية ومتحفظة من استمرار تخفيضات الإنتاج التي قد تعزز النفط الصخري برفعها الأسعار. وكانت بلدان منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك في ديسمبر وافقت على زيادة الإنتاج بنسبة متواضعة في يناير. لكنها امتنعت عن الوعد بالمزيد من دعم الأسعار. توقعات متفاوتة فيما وراء ذلك، تتفاوت التوقعات تفاوتا كبيرا. فشركة إدارة الأصول "ليجال آند جنرال انفيستمنت منجمنت" ترى أن الحيلولة دون ارتفاع حرارة الكوكب يما يزيد عن درجتين مئويتين قياسا بمستواها قبل عصر الصناعة قد يقلص الطلب على النفط إلى النصف خلال عشرة أعوام. من المستبعد أن يحدث هذا. لكنه يؤكد على المخاطر التي تواجه شركات النفط. وفي حين تعتقد شركة بي بي أن الطلب ربما بلغ سلفا ذروته، توقعت إكسون موبيل أن يواصل ارتفاعه حتى عام 2040، على الأقل بدعم من ارتفاع الدخول والزيادة السكانية. بالنظر إلى كل هذه البلبلة وضعف الأداء فإن السؤال ليس هو لماذا يهرب المستثمرون من شركات النفط الكبرى. إنه لماذا لا يفعلون ذلك. الجواب حتى الآن يتمثل في توزيع الأرباح. يرى بنك مورجان ستانلي أن القدرة على تغطية الأرباح الموزعة تفسر 80% من التباين في تقييم أسهم الشركات. ذلك هو السبب في أن الشركات في أمريكا والتي قاومت خفض الأنصبة الموزعة من الأرباح تحصل على تقييم أعلى، قياسا إلى التدفق النقدي، من الشركات الأوروبية التي استسلمت. ستتحدد عائدات حملة الأسهم في السنوات الخمس إلى العشر القادمة، حسب تقدير ميشيل ديلا فينيا المحلل ببنك جولدن ساكس، بعاملين اثنين هما خفض التكلفة وإدارة النشاط القديم للشركة المعنية. لنأخذ شركة شيفرون المنافسة الأمريكية لإكسون موبيل. لدى شيفرون بعض الاستثمارات المنخفضة الكربون لكنها لا تتظاهر بتحولها إلى عملاق أخضر. أكد ذلك بيار بريبر مسؤولها المالي في أكتوبر بقوله "لقد كنا واضحين جدا بأننا لن نتجه إلى تنويع استثماراتنا أو سحب هذه الاستثمارات من نشاطنا الأساسي". فحقول نفطها القليلة التكلفة تضخ نقودا. وسيساعد استحواذها على شركة النفط الصخري "نوبل إنيرجي" مقابل 5 بليون دولار في توحيد حيازاتها في الحوض البيرمي والتي تتمدد من غرب تكساس إلى نيومكسيكو. ويتوقع بنك مورجان ستانلي أن تحقق شيفرون تدفقا نقديا حرا بقيمة 4.7 بليون دولار في عام 2020. مخاطر الاقتصار على النفط والغاز هذا المسار ليس خاليا من المخاطر. فإذا تدهور الطلب على النفط بأسرع مما تتوقع الشركات قد تعاني من ارتفاع تكلفة رأس المال والمنافسة القاسية من أمثال شركة أرامكو السعودية العملاقة أو نظيراتها الإماراتية. وتظهر تجربة إكسون موبيل خطر الإنفاق المفرط على الوقود الأحفوري وعدم الانتباه إلى العائدات. فتدفقها النقدي الحر في عام 2020 سلبي سلفا. أما البديل، والذي تبنته شركات النفط الأوروبية، فهو زيادة كفاءة النشاط القديم مع المغامرة بالدخول في مجالات جديدة. يقول مقسط أشرف، من شركة آكسينتشر الاستشارية، أن التحدي لذلك النموذج يثبت قدرة هذه الشركات على توليد عائدات قوية من أنشطتها الخضراء والتفوق على الشركات (الخضراء) القائمة. لقد تحولت شركات الكهرباء في أوروبا سلفا إلى شركات موارد متجددة عملاقة. لكن لدى المستثمرين شكوك. فعندما تعهدت شركة بي بي في سبتمبر بزيادة استثماراتها في الطاقة النظيفة إلى عشرة أضعاف وخفضِ إنتاجها من النفط والغاز بحوالي 40% على الأقل بحلول عام 2030 لم ير السوق في ذلك قفزة جريئة ولكن سقطة مؤلمة. وظلت الرسملة السوقية لشركة بي بي تتراجع وبلغت أدنى مستوى لها خلال 26 عاما في أكتوبر إلى أن أنعشت الاختبارات الناجحة للقاح كوفيد-19 سعرَ النفط وعززت معه أسهم شركات الطاقة. وحتى في أوروبا لا تزال الحوافز فوضوية. فحسب مركز الأبحاث "كاربون تراكر"حتى عام 2019 استمرت شركتا شل وبي بي في مكافأة مسؤوليهما التنفيذيين على زيادة إنتاج النفط والغاز. لقد وضعت شل وشركة توتال أهدافا لانبعاثات الكربون تسمح لهما بزيادة إجمالي إنتاج النفط شريطة ارتفاع إنتاجهما من الموارد المتجددة والغاز الطبيعي النظيف (ولكن الملوث رغم ذلك) بوتيرة أسرع. تعتبر شل الغاز مهما جدا لجهود خفض الكثافة الكربونية في منتجاتها ومكملا لإنتاج الكهرباء المتقطع (غير المنتظم) من الرياح وأشعة الشمس. وفي الربع الثالث من العام الحالي ساهمت أنشطتها المتكاملة في قطاع الغاز بحوالي 22% من التدفقات النقدية لعملياتها. أيضا ترى توتال في الغاز وقودا استراتيجيا ولديها خطط لزيادة مبيعاتها من الغاز الطبيعي المسال إلى ما يقرب من الضعف بحلول عام 2030. ووفقا لحسابات جولدن ساكس شكل الاستثمار في الطاقة المنخفضة الكربون 3% فقط من الإنفاق الرأسمالي لشركة بي بي و4% لشركة شل و8% لشركة توتال في عام 2019. تتزايد هذه الأرقام حتى في أمريكا لكن بوتيرة أبطأ. وبحسب توقعات ميشيل ربما يشكل الاستثمار في الطاقة المتجددة 43% من الإنفاق الرأسمالي لشركة بي بي في عام 2030 و 17% من إيراداتها. وبحلول عام 2025 تخطط توتال لزيادة طاقة توليدها الكهرباء من الشمس والرياح من خمسة جيجاوات إلى 35 جيجاوات. وفي 15 ديسمبر، صادقت حكومة النرويج على تمويل خاص لمشروع كبير يستهدف حبس وتخزين الكربون وستتولى تطويره شل مع توتال وشركة النفط الحكومية النرويجية " إيكوينور". يقول مستثمر متمرِّس أن"الجائزة المنتظرة من زيادة الإنتاج من موارد الطاقة الخضراء أكبر من مجرد الحفاظ على إنتاج الوقود الأحفوري. لكن المخاطر أكبر أيضا".