am14
am14
أعمدة

نوافذ :ألقاب .. لها استحقاقاتها

19 يناير 2021
19 يناير 2021

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يقال؛ كما يروى: « الجار أَحقُّ بصَقَبه، والمرءُ أَحقُّ بلقَبه «ومن هنا يكتسب اللقب أهمية كبيرة في حياة الناس، ويعد إضافة نوعية لاسم الشخص، ولمكانته بين أفراد المجتمع، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات يخلو من مجموعة الألقاب، والكنى، وينظر إليه بعين الاعتبار: إما تبجيلا وتكريما للفرد، وإما تجريحا، وتقليلا لآخر، ولقد اهتم القرآن الكريم بهذا الأمر، ونهى عنه في مواقف الإساءة إلى الآخر: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) - الآية (11) من سورة الحجرات -.

يذهب المعنى هنا إلى مفهومين: الأول: اللقب (اللَّقَبُ: اسمٌ يُسمَّى به الإنسانُ غير اسمه الأوّل، للتَّعريف، أو التَّشريف، أو التَّحقير، وقد يكون بدون منفعة ماديّة) كما جاء في معجم المعاني، والثاني: الكنية، وتظل الكنية هي الأقرب إلى التحرر من الإساءة، لأن صاحبها يكنى بـ «ولده، أو بوالده، أو بمهنته، وينظر البعض إلى أن الكنية تتموضع غالبا في الجانب الإيجابي، بخلاف اللقب الذي يكون على طرفي نقيض، إما سلبا، وهو الذي جاء في حقه النهي في القرآن الكريم، وإما إيجابا وهو المرغوب فيه اجتماعيا، ويستخدم على نطاق واسع، وهذا اللقب، أو ذاك، إما أن يكون استحقاقا اجتماعيا فارضا نفسه بفعل التوارث: الشيخ؛ الرشيد، أو مكتسبا دائما كالدرجات العلمية: دكتور، استشاري، بروفسور، أو مكتسبا مؤقتا كالألقاب الرسمية: معالي، سعادة، صاحب الدرجة الرفيعة.

فهذه الصورة أعلاه هي ما يمكن أن يقال عن اللقب، أو الكنية في معانيها العمومية المفهومة، والتي لا تخرج عن سياقاتها الطبيعية، ولكن الأمر يأخذ بعدا نفسيا آخر، عندما تنشأ علاقة عضوية بين اللقب وصاحبه، وهذه من الإشكاليات المهمة في حياة كثير من الناس، وخاصة في الألقاب الرسمية كـ «معالي، سعادة، شيخ» فبزوال الوظيفة الرسمية، بأي صورة من الصور، وترجل صاحبها عن مهمته الرسمية، تكون لذلك انعكاسات سلبية على صاحب اللقب الرسمي بعد انتهاء المهمة، فمن غير شعوره بخسارة اللقب، هناك شعور آخر بعدم تقدير الناس له، وأن جل العلاقات القائمة بينه وبين الناس عندما كان وزيرا، أو وكيلا، أو شيخا، أو صاحب فضيلة، تتراجع، وتنقطع صلاتهم به، فيصبح كأنه منبوذ في مجتمعه الذي كان يتلقاه بالترحيب، والتشريف، والتكريم، والإجلال، والتقدير، وهو شعور يكاد يكون مبالغا فيه إلى حد كبير، وهو ناتج عن الخسارة الكبيرة من ترك المنصب -لا أكثر-، مع أن الأمر لا يستدعي أن يغرق صاحب اللقب الرسمي في هذا الشعور، لأن الألقاب الرسمية زائلة بزوال المناصب، والمناصب كما توصف دائما بأنها أشبه بـ «كرسي الحلاق» لا تحتفظ بمن يكون عليها احتفاظا دائما، فبمجرد الانتهاء من حلاقة هذا، يأتي آخر، وهكذا ديدن المناصب، فهي متصادمة مع الخلود، أو هما على طرفي نقيض.

أصغي باهتمام مع دندنة الفنان التونسي لطفي بوشناق، وهو يتغنى بالأبيات الرائعة للشاعر التونسي؛ مازن الشريف في قوله - بتصرف -:

«أنتم أصحاب الفخامة والزعامة

أنا حلمي كلمة وحده أن يظل عندي وطن

خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن

يا وطن وانت حبيبي انت عزي وتاج راسي

انت يا فخر المواطن والمناضل والسياسي

انت اجمل انت أغلى انت أعظم من الكراسي»

وبالتالي فالذين يراهنون على علاقة دائمة من خلال المناصب، سيظل رهانهم خاسرا، لأن المناصب زائلة، والألقاب زائلة، ويظل الوطن السامي دائما عن هذه المناخات هو الباقي، وهذا يفترض أن يكرس عند كل فرد أهمية الوطن، والعمل لأجله، ولصالح أبنائه، والقفز بعيدا عن هذه التجاذبات المتواضعة في حق الوطن.