1570328
1570328
عمان اليوم

مفاهيم القيم والمواطنة والاعتزاز بالتراث والثقافة.. رؤى تتلمس واقعا عمليا

10 يناير 2021
10 يناير 2021

في ظل الانفتاح العالمي وتداخل الثقافات واندماجها -

تكريس الجهود لتفعيل أدوار المؤسسات الثقافية في ترسيخ الثيمة الثقافية عبر الأجيال -

استطلاع: خلود الفزارية -

كلنا نفخر بحضاراتنا، فمهما تعددت الشعوب، فهي تعود إلى أصلها ومهما ظهرت المتغيرات في كل العصور، نجد الانتماء ينبع من مختلف الثقافات، ولا يخفى على الجميع أهمية تعزيز المواطنة لدى النشء أولا ثم مع تعاقب الأجيال، فنحن نعيش عصرا تميز عن باقي العصور بسهولة انصهار الثقافات فيما بينها، حيث تتدفق المعلومات والأفكار والتطبيقات ونحن في بيوتنا آمنين..

فلم يعد مستهجنا أن نرى أطفالا يقلبون الشاشات الإلكترونية في الأجهزة اللوحية المختلفة، ولكن ربما أدهشنا نقاشهم حين يتناولون مسائل تفوق أعمارهم، أو أفكارا تغزو قيم المجتمع، وهنا قد ينتابنا الهلع في كيفية برمجة عقلية الطفل الصغير بهذه الصورة المعقدة والسريعة. ولا تخفى علينا الآليات التي تقوم عليها القنوات الإلكترونية المختلفة من تسهيل توصيل الأفكار المدعمة بالصور والمقاطع المرئية.

وهنا أصبحنا نتساءل أين هو موقعنا من كل هذا؟ هل تركنا بصمة في هذا المجال؟ هل هناك ما يعكس ثقافتنا وهويتنا؟ ما النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا الكم الكبير من الانفتاح؟ وهل حاولنا أن نقف على فكرة ترسيخ مفاهيم التراث والثقافة لكي لا يتأثر أبناؤنا بهذه الدوامات الفكرية المتسارعة؟

أسئلة كبيرة وكثيرة ينبغي أن نعالجها قبل أن يتأخر الوقت، لأن الأجيال الجديدة تكبر بسرعة، والثقافة تترسخ في الصغر ويصعب تغييرها إذا تأخر الوقت، ومع كل هذه التساؤلات، أين نجد أدوار المؤسسات الثقافية والفنية المتنوعة التي تعتبر الوسيلة الإعلامية التثقيفية؟ هل واكبت المستجدات الحديثة؟ وهل ربطت القيم الثقافية للبيئة العمانية؟ وما هي أدوارها التوعوية...؟

في هذا الاستطلاع نستوقف عددا من المهتمين بمجال الثقافة والتربية، لنأخذ آراءهم في أهمية المواطنة وتعزيزها في المجتمع، وأدوار المؤسسات الثقافية لتنمية الانتماء وتأصيل التراث لدى الأجيال...

الأمم تستمد القيم

يوضح دعيج المجيني أن الأمم العريقة والشعوب الأصيلة تستمد قوة بنائها من جذورها التاريخية وحصيلتها الثقافية التراكمية المنتقلة من الأجداد الأفذاذ إلى الأبناء النجباء فكل تراث مادي وغير مادي هو قاعدة صلبة لبناء حاضر يعتمد على أسس ثابتة ومستقبل ورؤية ثاقبة، ولا يكون ذلك إلا بتعزيز قيم الوطنية وحب الوطن والاعتزاز بالانتساب إليه وتقبله في كل حالاته، ويبقى على عاتق المختصين من باحثين وأكاديميين تقديم التراث بصورة تتناسب مع روح العصر وبوسائل مبتكرة لغرس حب الوطن في قلوب وعقول الأبناء والأحفاد بقناعة تامة بأهميته ومحوريته في تشكيل الهوية والمحافظة على ما تحقق وما ينبغي أن يتحقق.

ثقافة الانتماء

وأشارت عفاف الدوحانية معلمة مجال أول بمدرسة الجنينة للتعليم الأساسي أن المواطنة تعد من أهم المفاهيم التي تحظى باهتمام كبير لما لها من أهمية بالغة، فالمواطنة هي المفهوم الذي تقوم عليه المجتمعات المعاصرة وتتأسس عليه العلاقات الاجتماعية، وهناك العديد من الأشياء التي يجب أن يقوم بها التربوي أو المُربّي لتعزيز هذه المواطنة في نفوس الأجيال الناشئة من أجل تنمية الإحساس لديهم بالانتماء والولاء للوطن، فالمعلم هو المسؤول عن إكساب قيم المواطنة الإيجابية في نفس الطلاب كونهم جزءًا أساسياً في المجتمع، وللمواطنة علاقة بالهوية التي تتكون من مجموعة مفردات ثقافية وتراثية بالإضافة إلى المفردات المعاصرة فالتراث يمثل هوية لكل مجتمع فكل شعب يحافظ على هويته من خلال تراثه فبِه نتعرف على العديد من البلدان من خلال معلم معين أو موقع أثري مميز. مضيفة أن للتراث أهمية من الناحية الاقتصادية لأنه يساهم في رفع اقتصاد البلاد حيث يعد من أبرز عوامل جذب السياحة الحديثة فالمعلم يجب أن يغرس أهمية التراث وأهمية المحافظة عليه في نفوس الطلاب، منوهة أن التقصير التربوي في غرس ثقافة المواطنة في نفوس النشء سيؤدي إلى إضعاف حبهم وولائهم للوطن كما سيثبط عزيمتهم للنهوض بمجتمعهم وخدمته.

التسويق الثقافي

وعن دور المؤسسات الخاصة في تنمية القيم لدى الأجيال يشير يونس النعماني نائب رئيس شبكة المصنعة الثقافية إلى أهمية العناية بالتراث والثقافة وقيم المواطنة، مبينا أن شبكة المصنعة الثقافية دأبت منذ التأسيس على الاهتمام بالتراث والثقافة العمانيين، وترسيخ هذه القيم وقيم المواطنة السلام واحترام الرأي والرأي الآخر وتسويقها لخارج الوطن العربي والعالم. مضيفا بدأنا على المستوى المحلي بالاهتمام بالثقافة العمانية تحت شعار «نحو جيل يعي قيمة الثقافة»، فالثقافة متعمقة في الإنسان العماني من خلال التراث المادي وغير المادي.

ويضيف: سعينا في الشبكة إلى الاهتمام بالتراث الثقافي من خلال إبراز معاني التراث وإقامة فعاليات تراثية والتعريف بالثقافة الموسيقية في الولاية وفي كافة ربوع السلطنة، ثم انتقلنا على المستوى الوطن العربي للتعريف بالشعراء والفنانين متسلحين بهذه القيم والتسامح والتعاون وإرساء المحبة والسلام، ومنطلقين من القيم العمانية والإسلامية التي تصب في هذا الجانب، والتعريف بالسياحة في السلطنة من خلال التنوع الثقافي وإبرازه في العالم بشكل أجمع وللمستثمرين في شبكات التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية والطفرة في المجالات التقنية.

وكمبادرة تقوم شبكة المصنعة على التركيز في التراث والثقافة العمانية ونرجو أن نكون خير سفراء للسلطنة ونمثل قيمها وتقاليدها في العالم، ونواكب التطور مع الحفاظ على الأصالة، من خلال التنوع في الفعاليات، وبعيدا عن المركز والعاصمة انطلقنا إلى مناطق أخرى، كما أن مركزنا في المصنعة قدمنا فيه العديد من الفعاليات، وأقمنا فعاليات في محافظات الظاهرة والداخلية والباطنة، فالتسويق الثقافي العماني ضروري في ظل العولمة الثقافية.

دور المؤسسات الثقافية

وتوضح إشراق النهدية رئيسة مجلس إشراقات ثقافية أن مصطلح المواطنة يشير في حقيقته إلى وطنية الإنسان وهويته في الانتماء لأسس من القيم والأخلاق والمبادئ مع التمتع بالحقوق وأداء الواجبات، تجاه بقعة الأرض التي يعيش على سطحها، وهذه البقعة تربطنا معا بسلوكيات وأخلاقيات معينة وتكسبنا ميزات مختلفة ومتفردة عن الآخرين، وهي العلاقة المتبادلة بين الأفراد والدولة التي ينتمون إليها، حيث يقوم الطرفان بتبادل العطاء والخدمات. مبينة أن المؤسسات الثقافية والفنية لها دور كبير في ترسيخ ثقافة المواطنة والترويج لها وتقويتها من خلال المناشط التي تقيمها وغالبا يكون لهذه المناشط صدى مسموع وكبير لتتجاوز حدود البلدان، ومع توفر وسائل التواصل الاجتماعي والميديا فقد سهل الأمر أكثر وبشكل أوسع. وعن تجربة مجلس إشراقات ثقافيّة توضح أننا قمنا بعمل أمسيات ثقافية كثيرة وتم تسليط الضوء على نماذج من الشخصيات الثقافية والتعرف على منتوجها الأدبي وأفكارها الثقافية وتم عرض التراث في قوالب من أمسيات فنية نالت دهشة وإعجاب المتابعين خاصة ممن هم خارج السلطنة، فالمؤسسات الثقافية هي منصات تتوج بقنوات قادرة على توصيل المكاسب الوطنية والثروات الثقافية والتراثية كنوع من حقول عمل ثرية ومن خلالها نستطيع الاعتزاز بالهوية الوطنية الخاصة بالبلد وبذلك نجعلها متاحة لإطلاع الجميع عليها والتعريف بها وإبرازها وتسليط الضوء للترويج لها.

تعزيز المواطنة بدورات وفعاليات

فيما قال الدكتور محمود السليمي رئيس مجلس إدارة النادي الثقافي في حديث خاص لـ «عمان»: إن موضوع المواطنة مفهوم عام، ويمتد هذا المفهوم ليدخل في جوانب كثيرة منها الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغيرها من المجالات، مشيرا إلى الجانب الاجتماعي وأهمية تعزيز قيمة المواطنة لدى النشء خصوصا والإنسان العماني بشكل عام من خلال وسائل كثيرة متعددة المجالات.

ومما أشار إليه الدكتور السليمي في حديثه عن المسؤولية الملقاة على كافة الجهات لتفعيل أدواتها في تعزيز قيمة المواطنة من خلال إحياء التاريخ العماني وإبراز ما يحويه من كنوز عظيمة وثراء كبير على مختلف الأصعدة، وتسليط الضوء على الثقافة العمانية ذات الجذور العميقة الممتدة من العصور الجاهلية مرورًا بعصر صدر الإسلام وما جاء في الأثر الديني من خصوصية أهل عمان إلى العصر الحديث لنصنع جيلا معتزا بإرثه الغني ووطنه الكبير.

كما عرج الدكتور السليمي في حديثه إلى المساحة الكبيرة من برامج النادي الثقافي المعنية بتعزيز قيمة المواطنة، ويظهر هذا جليًا من خلال عنوان الدورة البرامجية للنادي الثقافي، وهو «الهوية والانتماء فـي عالم متغير»، حيث أوضح أن النادي الثقافي سيخصص برامج كثيرة لإبراز الشخصيات العمانية منها محاضرة عن سيرة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي الذي ساهم في توحيد العمانيين وطرد البرتغاليين حتى أصبح مثالا يحتذى به في كافة دول المنطقة وأصبحت سيرته منهجا لتوحيد الصف، إضافة إلى محاضرة حول سيرة العالم اللغوي العماني ابن دريد الأزدي صاحب معجم الجمهرة، وهنا استحضر السليمي أعلاما عمانيين كان لهم الفضل في تعزيز اللغة العربية وحفظها وحفظ قواعدها للأجيال القادمة مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي مبتكر علم العروض وصاحب معجم العين، إضافة إلى أسماء كثيرة من الأهمية بمكان أن يعرفها الجيل الجديد.

وحول دور المثقف العماني في تعزيز قيمة المواطنة أشار الدكتور محمود السليمي إلى أن المثقف صاحب رسالة بمختلف مجالاته وأشكاله التعبيرية، فالروائي من خلال استحضار المكان والأعلام في أعماله الروائية، وكذلك القصة القصيرة، وللشاعر دور كذلك في استحضار الوطن والانتماء وتقديم عذب الكلام الذي يلامس القلوب، وكذلك الفنان التشكيلي من خلال التعبير بريشته عن تمسكه بالأرض والإرث العماني المادي وغير المادي، مشيرا إلى المسابقة التي أقامها النادي الثقافي بعنوان «ريشة نوفمبرية» التي أبرزت أعمالا فنية ولوحات رسومية تناولت البيئة العمانية وما تحويه بشكل فني راقٍ، مؤكدا أن الرسم نوع من أنواع التعبير وما تلك الأعمال إلا نتيجة تأثر الفنان ببيئته المحيطة وهي تكشف عن عميق الانتماء.

واختتم الدكتور السليمي حديثه بتركيزه على أهمية تعزيز المواطنة، موصيا بتكاتف جهود الجميع لتحقيق هذه الغاية النبيلة؛ كلٌ في مجاله لكي يعرف الجيل الجديد تاريخه العريق وإرثه العظيم وذلك في سبيل تحصينه من سلبيات عصر الانفتاح والعولمة.