1562676
1562676
عمان اليوم

ما نوعية التعليم والتخصصات التي يتطلبها المستقبل؟

02 يناير 2021
02 يناير 2021

رؤية «عمان 2040» نافذة استشرافية لتطوير القطاع التعليمي -

استطلاع - نوال الصمصامية -

يعد التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية من الأولويات الوطنية التي تركز عليها رؤية «عمان 2040»، وركيزة أساسية في تطور الشعوب والأفراد، ويحظى هذا القطاع باهتمام كبير من قبل الحكومة، كما يعوّل عليه كثيرا في الوصول إلى مخرجات قادرة على مواجهة المستقبل والمساهمة في مختلف القطاعات.

وقد شهد قطاع التعليم تطورا ملحوظا منذ بواكير السبعينيات وحتى الآن، كما أن الثورة الصناعية الرابعة والتقنيات الحديثة أحدثت تغييرا ملموسا، فما نوعية التعليم والتخصصات التي يتطلبها المستقبل؟ «عمان» طرحت هذا السؤال على عدد من المختصين في قطاع التعليم، حصيلة إجابتهم نرصدها لكم في السطور الآتية:

في البداية كانت لنا وقفة مع سعادة الدكتور سعيد بن حمد الربيعي رئيس جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، والذي أشار في بداية حديثه إلى المتغيرات المتسارعة غير المعهودة التي يمر بها العالم حاليًا نتيجة للاكتشافات والتطورات الهائلة في عالم التقنيات الحديثة، وسوف ينعكس ذلك على كل القطاعات بدرجات متفاوته وعلى حياة الناس بشكل عام.

وفي مجال التعليم فإن الآثار الناتجة عن الثورة الصناعية الرابعة والتقنيات الحديثة من المتوقع أن تحدث تغيرًا كبيرًا، ولذا فإن على الحكومات والمؤسسات التعليمية والقائمين على التعليم الاستفادة من الطفرة التكنولوجية والاستعداد للقادم وتطويعه لتحسين وتطوير العملية التعليمية ومخرجاتها وخصوصًا أن منظومة التعليم تمر بتحديثات عديدة على المستويين العالمي والمحلي يتمثل في تراجع التمويل والحاجة لمصادر متنوعة، وظهور أنماط جديدة لمزودي الخدمة التعليمية والتدريبية يستدعي وجود آليات حديثة لحوكمة مؤسسات التعليم بالإضافة إلى ظهور جهات حديثة لتقديم التعليم مما يستدعي متابعتها والتعرف على ماهيتها ونوعية التعليم والتدريب الذي تقدمه.

التغيرات التكنولوجية

وأردف الربيعي قائلا: ونتيجة لخصائص الثورة الصناعية الرابعة والتغيرات التكنولوجية وما تحمله من خصائص تتميز بالسرعة غير المسبوقة واتساع النطاق ليشمل كل المجالات والقطاعات والتأثير الواضح على الاقتصاد وبيئة الأعمال فإن ذلك يتطلب من مؤسسات التعليم التركيز على تزويد الطلبة بالمهارات اللازمة لسوق العمل، وقد ظهرت العديد من الدراسات والتحليلات التي تتحدث عن هذه المهارات ويمكن لنا أن نصنفها ونوجزها كالأتي: «المهارات الشخصية» وتشمل: الاتصال، العمل ضمن فريق، المهنية، الدافعية، الالتزام والمصداقية والقدرة على التكيف مع متغيرات بيئة الأعمال وطبيعتها.

«المهارات المرتبطة بالعمل» وتشمل: أساسيات الأعمال، المعرفة الصناعية والمهارات الفنية ذات العلاقة بطبيعة العمل والأخلاقيات المهنية.

«مهارات التفكير» وتشمل: التفكير الناقد، وحل المشكلات، وصناعة القرار، واستعمال البيانات، والاهتمام بالعمل ومعرفة طبيعته، والتعليم المستمر والتطوير الذاتي.

«المهارات الرقمية» وتشمل: المعرفة الرقمية، وتقنيات العمل، والتعليم الإلكتروني، والقدرة على تحديد البيانات الرقمية الموثوقة، والإلمام بالتقنيات الحديثة.

وأوضح أنه يجب على الدول والأفراد أنفسهم السعي إلى تعزيز هذه المهارات لكونها جزءًا أساسيًا ومتطلبًا ضروريًا للحصول على فرص عمل أو ريادة الأعمال في المستقبل.

لتسارع المتغيرات في الاقتصاد وسوق العمل نتيجة للتحولات التكنولوجية فإن ذلك سوف يتطلب من مؤسسات التعليم سرعة استحداث تخصصات وبرامج جديدة وتطوير القائم منها، حيث من المتوقع أن تختفي بعض الأعمال تمامًا وتظهر مهن ووظائف جديدة مما يتطلب تهيئة الجيل القادم بالعلوم الحديثة وإحداث هيكلة جديدة في الاقتصاد وبيئة الأعمال ونوعية المهن والوظائف.

وبشكل عام فإن التخصصات الجديدة سوف تقترن بالمحركات الرئيسة للثورة الصناعية الرابعة والتقنيات المرتبطة بها والتي من بينها: الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وسلاسل التوريد العالمية، والحوسبة الكمومية، والبيوتكنولوجي، والنانوتكنولوجي وتقنيات توليد وتخزين الطاقة، والروبوتات ووسائل النقل ذاتية القيادة والطباعة ثلاثية الأبعاد والنمذجة وذكاء الأعمال.

نوعية التعليم

من جانبه أوضح الدكتور محمد بن مبارك العريمي مدير مشروع الدمج بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية قائلا: مع بداية الألفية الجديدة، طرأت على العالم تغيرات وتحولات كبرى أثرت وبشكل خاص على العملية التعليمية من حيث الأهداف وطرق التدريس ومخرجات المواد التعليمية، الأمر الذي يعني أن الاستمرار في تكرار الإجراءات والمقاربات والاستراتيجيات والأساليب والتقليدية القديمة سينعكس سلبًا على الأجيال القادمة من حيث المعارف والمهارات والاتجاهات المطلوبة لمواكبة متطلبات المرحلة المستقبلية القادمة، كما أن هذه التغيرات تفرض علينا أن نعيد النظر برؤيتنا وتوجهنا المستقبلي في منظومة التعليم في السلطنة، وذلك بإشراك كافة أطياف المجتمع لبناء استراتيجية تعليمية رصينة تواكب التغيرات وقادرة على تهيئة الجيل القادم بالمعرفة والمهارات اللازمة لتوفير الوظائف والمهن اللازمة لتغذية الهيكل الاقتصادي للسلطنة.

ويرى العريمي أن هذه التغيرات أوجدت بيئة حديثة للتعلم من حيث المحتوى والطريقة والتوجه والمكان، فقد أدت إلى الانتقال من التعلم الفردي إلى التعلم الجماعي، والانتقال من اعتماد الطالب على المعلم إلى الاستقلالية، وامتدت إلى ما وراء حرم المؤسسة التعليمية، منتقلة بذلك من المنظومة التقليدية إلى منظومة التعليم المدمج لتواكب التوجه العالمي لتبني منظومة التعلم الإلكتروني الافتراضي المتزامن وغير المتزامن، مشيرًا إلى أن الرقي بنوعية التعليم هو أحد المحاور المهمة لبناء الإنسان وتنمية المجتمع، وبناء اقتصاد متين ورصين قادر على استيعاب التغيرات التكنولوجية والاقتران بمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة ومواجهة تحديات المستقبل، لذلك يتوجب علينا الاهتمام أولا وقبل كل شيء بنوعية التعليم وذلك من خلال المراجعة الشاملة للمناهج والكتب الدراسية وعملية التقييم والتقويم لتتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة، وتقييم فاعلية طرق التدريس والاهتمام بالكادر التعليمي وتطويره بشكل مستمر، وتفعيل دور الأهل ومؤسسات المجتمع في المؤسسات التعليمية.

وقد أشار تقرير «The future of jobs Report 2020» الصادر من «world economic forum» بتاريخ 20 أكتوبر 2020م، إلى أن المرحلة القادمة ستشهد طلبًا متزايدًا لمحللي البيانات والوظائف المرتبطة بالذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، والمتخصصين في تعلم الآلة (Machine Learning)، ومهندسي الروبوتات، ومطوري البرامج والتطبيقات الحاسوبية، كذلك متخصصي التحول الرقمي، ومع ذلك، فإن الأدوار الوظيفية مثل أخصائي التشغيل الآلي للعمليات (Process Automation)، محللي أمن المعلومات وإنترنت الأشياء (Internet of Things) تظهر حديثًا بين مجموعة من الوظائف التي تشهد طلبًا متزايدًا من أصحاب العمل.

كما يشير الجزء الثاني من التقرير إلى أن مجموعة من الأدوار الوظيفية تظهر بشكل مميز وواعد في قطاعات معينة مثل مهندسي المواد في قطاع السيارات، والفنيين في مجال التعدين والمعادن، والتجارة الإلكترونية وأخصائي وسائل التواصل الاجتماعي في القطاع الاستهلاكي، ومهندسي الطاقة المتجددة في قطاع الطاقة، ومهندسي التكنولوجيا المالية في الخدمات المالية، والمتخصصين في علوم الأحياء وعلم الوراثة في قطاع الصحة والرعاية الصحية، وكذلك المتخصصين في تقنيات الاستشعار عن بعد.

ركيزة أساسية

وتشاركنا الرأي سعاد بنت سرور البلوشية أخصائية إعلام بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار قائلة: التعليم إحدى الركائز الأساسية لنهضة المجتمعات ورقيها وتطورها بشكل عام، ولكننا قد نصل لمرحلة قد نحتاج فيها إلى إعادة برمجة سياساتنا نحو التعليم والتعلم، بحيث يكون داعمًا لسوق العمل، وبما يتوافق مع ما يتم رصده من احتياجات وتطلعات مستقبلية منسجمة مع خططنا الوطنية والاستراتيجية.

وتتابع حديثها قائلة: لو أمعنا النظر في الوضع من حولنا لوجدنا أننا نعيش في زمن متسارع تكثر فيه الاحتياجات والمتطلبات، ولأدركنا أهمية إعادة برمجة نوعية التعليم بحيث يكون نوعيًا وليس كميًا، واقصد بالنوعي أي يكون معرفيا تقنيا، يتم تضمينه في مراحل التعليم بالمدارس بشكل متخصص ومرسوم وفق أجندة مرحلية تتناسب مع احتياجات العصر وتسهم في رفعة وتطور قطاعات الدولة، بحيث تكون ركيزة يبنى عليها أساسيات التطور الوطني.

وتضيف البلوشية: من هذا المنطلق لزم الأمر إجراء تحليل دقيق لاحتياجات مجتمعنا، بحيث يتيح لنا إيجاد انسجام تام بين نوعية المناهج والمقررات الدراسية التي يتم توفيرها في مختلف المؤسسات التعليمية والأكاديمية، ومواءمتها مع واقع الاحتياج المدني للمجتمع بجميع متطلباته، وذلك من أجل إيجاد جيل مساهم ذي عقل تطويري فاعل في الصناعة، وليس تقديم خدمة بروتين معين.

كما أن الاهتمام بالتعليم المواكب للتقنيات الحديثة والمرتبط بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التقني والتجارة الإلكترونية، التي بدأت تطغى على التجارة التقليدية وأيضًا عالم الروبوتات وإسهاماته في تنشيط الصناعة وتطويرها وزيادة إنتاجياتها، وغيرها من التخصصات المتعلقة بالابتكار وريادة الأعمال والملكية الفكرية وكيفية إنشاء شركات ناشئة صغيرة ومتوسطة، والتخصصات ذات الصلة بالحوكمة والتنويع الاقتصادي والتحول نحو الاقتصاد المبني على المعرفة، فضلًا عن ضرورة التركيز على تخصصات الثورة الصناعية الرابعة وإنترنت الأشياء وتقنيات الجيل الخامس، خاصة أن دول كالصين بدأت في اختبار اتصالات الجيل السادس، مثل الأمن السيبراني ومختلف علوم الحاسب الآلي كتصميم المواقع الإلكترونية والواقع الافتراضي وصناعة وتحليل الأكواد والبيانات، والبرمجة وتطوير التطبيقات، التي تبنى عليها ضرورة الاهتمام بمساقات الرياضيات والعلوم تحديدًا وبجميع فروعها، فالحاجة ماسة للتركيز على تطوير مهارات ثروتنا البشرية من الأجيال الحالية والمستقبلية، وتمكينها في الرياضيات والعلوم والهندسة والتقنية بشكل متعمق ومتخصص، يسهم في تطوير خلايا العقل وتدفعه نحو الإبداع والإتيان بأفكار وحلول للتحديات التي يواجها الفرد والمجتمع.

وأيضًا لا ننسى التخصصات المهنية الحرفية والفنون وما تلعبه من دور في صناعة النسيج الدرامي لتسليط الضوء على التاريخ العماني، وكذلك التربية الإعلامية والرقمية وعلم النفس الاجتماعي وأهميتها بالنسبة للممارسات المتاحة على قنوات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التخصصات المعنية بالطاقة الخضراء والبديلة والكهرومغناطيسية، والتقنية الحيوية وإعادة تدوير الأشياء، مع أهمية التركيز على اللغة الإنجليزية في حلقات التعليم الأولى بالمدارس الحكومية، وتضمينها في مختلف المواد الدراسية، كلغة ثانوية لا تقل أهمية عن اللغة العربية، إلى جانب التخصصات المرتبطة بالتعليمي الرقمي والتكنولوجي التخصصي والبرمجيات وتخصصات في العلم النفسي والوراثي والاجتماعي.

مواكبة المستقبل

أما أحمد بن سليمان الربيعي مشرف توجيه مهني بوزارة التربية والتعليم فقال: المجتمع العماني يشهد مرحلة التركيز على نوعية التعليم لإعداد أجيال تعي أهمية صقل المهارات وبناء القدرات لمواكبة المستقبل، وتعمل حاليًا كافة مؤسسات التعليم لتقييم منظومة البرامج الدراسية والتخصصات الجامعية المتاحة للطلبة وتلك التي بحاجة إلى تطوير، كما أن التركيز على مهارات التعليم الريادي أهم متطلبات المرحلة الحالية، كما تعمل مؤسسات الدولة على توفير فرص التعليم الجامعي، فعلى الفرد أن يدرك مسؤولية صقل خبراته ومهاراته، لتكوين شخصيته مهنيًا ويستطيع إدارة المشروع الذاتي.

وأضاف الربيعي: رسالتي لكل طالب للالتحاق مستقبلًا بالوظيفة المناسبة ضرورة أن يوفق بين ميوله وقدراته نحو التخصص الجامعي ومتطلبات سوق العمل، وبلا شك أن قطاع التقنية والاتصالات وقطاع ريادة الأعمال والابتكار والقطاع اللوجستي الذي يهدف إلى أن تصبح السلطنة ضمن الدول العشر الأوائل المزودة للخدمات اللوجستية بحلول 2040، تعتبر حاليًا من أهم القطاعات التي ترفد الاقتصاد المحلي والعالمي، وقد أتاحت في الآونة الأخيرة هذه القطاعات العديد من فرص العمل التي ساعدت على إقامة المشروعات الذاتية للأفراد، دون انتظار فرص العمل في القطاعين العام أو الخاص، كما أن التغيرات التي تطرأ على سوق العمل نتيجة التوجه العالمي في التعليم الجامعي تدعو المجتمع إلى مراجعة شاملة لمواقف اتخاذ القرار في تعليم الأبناء منذ بداية اختيار المواد الدراسية إلى مرحلة اختيار التخصص الجامعي لضمان التحاق الفرد بالوظيفة المناسبة والتقدم فيها بما يضمن استقراره وبناء وطنه بثقة وثبات.