56415
56415
الثقافة

«الكتاب والأدباء» تناقش المثاقفة الأحادية وأثرها على الحضارة العربية

31 ديسمبر 2020
31 ديسمبر 2020

كتبت: خلود الفزارية -

أقامت لجنة الدراسات والفكر بالجمعية العمانية للكتاب والأدباء لقاء افتراضيا عبر منصة زووم استضافت فيه الدكتور سعد البازعي باحث وناقد ومترجم سعودي، وبثته في مختلف قنواتها الاجتماعية.

حمل اللقاء عنوان «أحادية وجهة المثاقفة العربية»، وأداره الدكتور يوسف المعمري، حيث أوضح الضيف أن مفهوم المثاقفة في أصله اللغوي مبني على وزن مفاعلة، وهي تقتضي وجود عنصرين يتفاعلان معا، فالمثاقفة تفاعل ثقافي يحدث بين الثقافات، وهي ظاهرة إنسانية تاريخية، دائمة الحصول.

فالأصل أن الثقافات تتفاعل، منذ بدء الوجود البشري، لكن هذا التفاعل الثقافي يكتسب أهمية خاصة عندما تتضح آثاره في هوية الإنسان وهوية الثقافة. وبعض الثقافات اليوم معنية بالتفاعل مع ثقافة الآخر أكثر من الثقافات الأخرى، وهذه القضية تُطرح بشكل خاص لدى الثقافات التي تتعرض لتأثير ثقافي قادم من الآخر، أكثر مما تمارس تأثيرا في الثقافات الأخرى وبالتالي تصبح المثاقفة أمرا يخرج من التحليل الأكاديمي والعلمي والفلسفي لتصبح قضية محورية مهمة على كافة الصعد، مضيفا أن المثاقفة عملية تجري باستمرار، لكنها في موضوعنا في هذا اللقاء نناقش فيها العلاقة الثقافية التي تشوبها الكثير من علامات الاستفهام وتحيط بها الإشكاليات، وتحتاج إلى وقفة تفحص ومساءلة.

وعن دور المثاقفة في التاريخ الإنساني والحضاري يشير البازعي إلى أنها فعل إنساني حتمي، وليس هناك خيار لأي ثقافة في ألا تتفاعل مع ثقافة أخرى، فالآخر سيأتي إلينا إذا لم نذهب إليه، وهذا هو ديدن الحياة، لتكون الثقافة حية ومتفاعلة وتسعى لأن تكون ثقافة معطاء، والمثاقفة عملية حيوية لنمو الثقافة، ولذلك من الضروري أن تنتقل الثقافة من حالة تثاقف عفوية إلى تفاعل مع الآخر مقصود ومخطط له، وبهذا تكون الثقافة مدركة لما يحدث لها، سيكون هناك إبداع، وهذا ما حدث في التاريخ، ويحدث باستمرار، فالمثاقفة مكون من مكونات الحضارة، حيث تتفاعل مجموعة من الثقافات وتتشكل نتيجة لذلك حضارة ما نتيجة هذا التفاعل. ففي الحضارة الغربية في الوقت الحالي نجد أن الثقافات المختلفة تتفاعل مع الثقافة الغربية، التي تتكون من مجموعة حضارات، ونجد أن هذه المثاقفة تحدث على مستويات مختلفة وبآثار مختلفة، أما الآثار فنلمسها في اللغة والعادات والآداب والعلوم وكل مناحي الحياة، ولا شك أن هناك جوانب من الحياة أكثر تعرضا للتغيير من جوانب أخرى.

وهناك مكونات أساسية لثقافة ما، وجوانب أخرى أقل تأثيرا في هوية الثقافة، والثقافات عادة تنفتح على الآخر في جوانب وتتحفظ في جوانب، وعلى سبيل المثال، قلقنا على اللغة العربية نتيجة تفاعلها مع اللغات الأخرى، بالإضافة إلى مواضيع العادات والمكونات العقدية والتاريخية وغيرها مما نخشى أن يتأثر بالانفتاح على الآخر، ولكننا لسنا قلقين بالمسائل المتعلقة بالتقنية، وما يتصل بالعلوم التطبيقية، لأنه من الطبيعي والضروري أن ننفتح على الآخر، إلا أن المثاقفة تنفتح على جميع المستويات مهما حاولنا تجنب ذلك.

ويوضح البازعي بالنسبة للتاريخ العربي أن العرب في فترة ما قبل الإسلام كانوا متصلين بشعوب مختلفة نظرا للتجارة والسفر والترحال، وتداخل الشعوب مع بعضها، ومع مجيء الإسلام دُفِع العربُ إلى تخوم لم يعرفوها من قبل فنشأت مثاقفة غنية ابتداء من القرن الأول الهجري، كما شهد القرن الثاني الهجري دفعة هائلة أكثر تنظيما وقصدية على المستوى العلمي واللغوي والمستويات الإدارية والسياسية، وتحول ذلك إلى حضارة إسلامية أسهم في تشكيلها أننا خلال قرنين كانت لدينا حضارة مزدهرة وهي التي نسعى أن نكون تتمة لها، إلى أن وصلت المثاقفة إلى ما يشبه التوقف بعد القرن السابع الهجري حتى مجيء عصر النهضة الحديثة، وقد ابتعدنا فيه عن مصدر مهم كان في النهضة الأولى وهو الشرق الذي اتجه إليه المسلمون والعرب، وترجموا منه وتعرفوا إليه وتفاعلوا معه تفاعلا نجده في الأدب المأثور، فانصرفنا إلى الغرب ونشأت هذه الأحادية، وأصبحنا في خضم مثاقفة أحادية لأنها تتجه باتجاه واحد وتنسى البدائل الحضارية الأخرى. من جهة أخرى يؤكد البازعي أن الثقافة العربية أثرت في الآخر، وفي يوم من الأيام كانت هي الثقافة السائدة في العالم، إلا أنها اليوم ليست كذلك، لأن المحتوى الثقافي العربي لا ينافس المحتوى الثقافي لدى الآخر، وعندما يكون لديك ما يحتاجه الآخر، ونحن لم نصل إلى الآخر بالشكل الكافي، والثقافة العربية اليوم لا تقدم منتجا علميا منافسا، وهناك نشاط علمي وعلماء، ولكنهم أقل بكثير من أن يقفوا على قدم المساواة مع ما تنتجه دولة واحدة من الدول الغربية. ولكن الثقافة العربية تزخر بأشياء ممكن أن نقدمها، ويمكن أن يستفيد منها الآخر، ومنها المعطى الأدبي، وهو لا يقل عن أي معطى أدبي في العالم. وهناك مستشرقون يترجمون أعمالا مختلفة، ولكنهم يترجمون ما يعجبهم وما يتناسب مع تصوراتهم للثقافة العربية، ونحن بحاجة لننقل ما لدينا للآخر لنسهم في إثراء الحضارة الإنسانية.

ويبين الدكتور سعد البازعي أن موقف نقاد الأدب العربي من النظريات الأدبية الغربية أنهم استفادوا منها، ولكن الكثير منهم رأوا أن هذه النظريات يمكن أن تؤخذ كما هي بقالبها وتطبق في الأدب العربي، وهذا نوع من المثاقفة التي أدت إلى تشويه في قراءة الأعمال الأدبية العربية، لأنها بحثت فيها عن مفاهيم وعناصر ليست بالضرورة موجودة في الأدب العربي.