أفكار وآراء

خمسُ قوى ستحدد مستقبلنا بعد «كوفيد - 19»

26 ديسمبر 2020
26 ديسمبر 2020

مارتن وولف- الفاينانشال تايمز ـ ترجمة قاسم مكي -

سَرَّع كوفيد- 19 انتقال العالم (من الحاضر) إلى المستقبل.

أدناه خمس قوى عاتية كانت تفعل فعلها قبل تفشي كوفيد-19 ثم قَوِىَ أثرُها في أثناء الجائحة وستؤثر على العالم في عام 2025 و فترة طويلة بعده.

أولا، التكنولوجيا. فمسيرة الحوسبة وتقنية المعلومات تمضي قُدُما في إعادة تشكيل حياة البشر والاقتصاد. والآن بفضل اتصالات النطاق العريض وتقنية «زوم» وبرمجيات مؤتمرات الفيديو الشبيهة بها، صار من الممكن لأعداد غفيرة من الناس العمل من بيوتهم.

وبحلول عام 2025 من المرجح أن نشهد عودة عكسية لبعض وربما معظم الذين انتقلوا من المكاتب إلى بيوتهم. لكن هذه العودة لن تكون كاملة. فالناس سيكون بمقدورهم العمل عن بُعد (وسيُسمح لهم بذلك). وحتما لن يشمل هذا من يعملون في بلدانهم الأصلية فقط ولكن أيضا العاملون الموظَّفون من الخارج، برواتب منخفضة في العادة. ومن المرجح أن تكون النتيجة تزايدا مقوضا للاستقرار في ما يمكن أن يُسمى «الهجرة الافتراضية».

ثانيا، اللامساواة. لقد أمكن للعديد من موظفي المكاتب الذين يحصلون على رواتب كبيرة العمل من البيت في حين لم يكن بمقدور معظم الآخرين أن يفعلوا ذلك. وفي بلدان الغرب، العديدُون من أولئك الأكثر تأثرا «بالجائحة وإغلاقاتها» هم أيضا أفراد متحدرون من أقليات إثنية. هذا فيما في هذه الأثناء ازدهرت بشدة أحوال بعض الناجحين والأقوياء أصلا.

والراجح أن اللامساواة التي فاقمتها الجائحة لن تخِفَّ بحلول عام 2025. فالقوى التي عززتها أشد عُتُوَّا. وأكثر شيء يمكن توقعه أن يكون هنالك تلطيف متواضع لحِدَّتها. هذا بدوره يوحي بأن الشعبوية التي شهدناها في الماضي القريب ستستمر في تشكيل السياسة عام 2025.

ثالثا، المديونية. زاد إجمالي المديونية في كل مكان تقريبا خلال العقود الأربعة الماضية. وكلما قيدت الأزمات قدرة القطاع الخاص على الاقتراض تدخلت الحكومات للقيام بالواجب. حدث ذلك بعد الأزمة المالية العالمية ومرة أخرى أثناء جائحة كوفيد-19.

إلى ذلك زادت الجائحة بقدر مثير من حجم الاقتراض بواسطة القطاعين العام والخاص. فحسب معهد التمويل الدولي، قفزت نسبة إجمالي الدَين العالمي إلى إنتاج العالم من321% بنهاية عام 2019 (وهي نسبة مرتفعة) إلى 362% بنهاية يونيو 2020. مثل هذه القفزة الضخمة والفجائية في الاقتراض لم تحدث من قبل في أوقات السلم.

لكن لحسن الحظ، الدين الحكومي الآن زهيد التكلفة جدا. ومعدلات فائدته الاسمية والحقيقية على الدين السيادي للبلدان المرتفعة الدخل عند مستويات متدنية. لكن تضخم ديون هذه البلدان قد يشل أجزاء من قطاعها الخاص لعدة أعوام.

رابعا، تفكيك العولمة. التصور المعقول أن التبادل بين بلدان العالم لن ينتهي في المستقبل. لكن من المرجح أن يكون إقليميا أكثر و»افتراضيا» أكثر.

بعد الأزمة المالية العالمية كفَّت التجارة عن النمو بوتيرة أسرع من إنتاج العالم، على نحو ما سبق أن حدث في العقود السابقة. لقد كان نموها في الواقع متوافقا مع نموه تقريبا. هذا التباطؤ سببه استنفاد الفرص وغياب تحرير التجارة العالمية وازدياد الحمائية.

عززت جائحة كوفيد-19 هذه الاتجاهات. وكانت الرغبة في إعادة سلاسل التوريد إلى البلد الأم أو على الأقل إخراجها من الصين نتيجة واضحة لذلك.

تدعم الأزمة أيضا النزعة الإقليمية وخصوصا في آسيا. المثالُ الجدير بالتنويه في هذا الصدد هو اتفاقيةُ الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي أبرِمت مؤخرا وجمعت بين الدول العشر الأعضاء في الآسيان وأستراليا والصين واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.

خامسا وأخيرا، التوترات السياسية. أحدُ أبعادِها التدهورُ في صدقية الديمقراطية الليبرالية وبروز نزعة الاستبداد الديماغوجي في عدة بلدان وصعود نفوذ طغيان الصين البيروقراطي.

ثمة بُعد آخر وهو ظهور الشعبوية في بلدان أساسية في الغرب وخصوصا الولايات المتحدة. وفي حين أن فوز جوزيف بايدن يمثل هزيمة للشعبوية إلا أن الحصة الكبيرة من الأصوات التي نالها الرئيس دونالد ترامب تُظهِر أنها لم تختفِ.

لكن ربما أن أهمَّ التطوراتِ الجيوسياسية اشتداد التوتر بين الولايات المتحدة والصين. فهو يجبر البلدانَ على الانحياز لأحد الطرفين. مرة أخرى، عجَّل كوفيد- 19 بهذا التباعد. لقد أنحى ترامب باللائمة على الصين لتسببها في الجائحة. وحتى إذا ذهب، فإن العديدين في الولايات المتحدة يشاركونه وجهة نظره هذه.

إذن وبالنظر إلى كل هذا، أين سيكون العالم في عام 2025؟

مع بعض الحظ، ستكون الاقتصادات قد تعافت إلى حد كبير من الجائحة. لكن ستكون معظم البلدان أكثر فقرا بسببها.

مع ذلك، ربما أن أكبر تحدٍّ سيتطلب تعاونا دوليا لن يتوافر. فالحفاظ على اقتصادٍ عالمي دينامي وعلى السلم وإدارة الموارد العالمية المشتركة كانت دائما أهدافا صعبة. وسيزيد عصر الشعبوية وصراع القوى العظمى من صعوبتها بقدرٍ كبير.

نحن في عهد اضطراب. أكدت الجائحة ذلك. لكنها لم توجده. نحن بحاجة إلى بذل الجهد المطلوب للتعامل الناجح مع هذا الوضع. هزيمة دونالد ترامب تمنح العالم فسحة لالتقاط الأنفاس. غير أن التحديات ضخمة. وسيظل العديد منها قائما في عام 2025.