أفكار وآراء

المصالحة الخليجية ضرورة استراتيجية

15 ديسمبر 2020
15 ديسمبر 2020

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

إن دور الإعلام الخليجي هو دور حيوي خاصة خلال احتدام الخلافات ومن هنا فإن المنطقة في حاجة ماسة إلى إعلام منضبط من خلال المساعدة على بث ونشر ما يجمع بين الأشقاء وأن تكون هناك رسالة موحدة إعلامية تأخذ في الاعتبار مصالح الدول وإن لغة الحوار والنقاش الموضوعي هو الآلية الصحيحة كما يحدث في عدد من التكتلات الإقليمية كما يحدث الآن بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على مسألة الخروج البريطاني من الاتحاد، فرغم الخلافات الكبيرة بين الجانبين إلا أن الحوار متواصل بين الجانبين الأوروبي والبريطاني في إطار من الاحترام المتبادل والاستماع إلى وجهات النظر حتى لو كانت متباينة.

تشهد منطقة الخليج منذ أسابيع تحركات سياسية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بهدف إصلاح ذات البين بين الأشقاء وإيجاد مصالحة تعيد اللحمة والتعاون وعودة منظومة مجلس التعاون إلى أن تلعب دورها في مجال التعاون بين الدول الست، وعلى اعتبار أن التحديات التي تواجه المنطقة هي تحديات حقيقية تحتاج إلى تلك اللحمة والتطلع إلى مرحلة الانطلاق نحو آفاق إيجابية أن شعوب المنطقة تتطلع إلى تحقيق التوافق والسلام والاستقرار والتفرغ إلى آفاق التنمية والتطلع إلى التكتل الاقتصادي المنشود واستغلال مقدرات دول المجلس لتحقيق تطلعات أبناء المنطقة وشعوبها.

ومن هنا فإن الجميع يتطلع إلى القمة الخليجية القادمة لتحقيق تلك المصالحة بين الأشقاء الذي يجمعهم الكثير من المشتركات التاريخية والجغرافية والصلات الاجتماعية، كما أن المنطقة التي شهدت صراعات وحروبا على مدى أربعة عقود لا تحتمل المزيد من المشكلات والتوتر والخلاف بل تحتاج إلى مناخ متجدد من التوافق المنشود في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم شرقا وغربا.

قمة المصالحة

إن الجميع ينظر إلى قمة مجلس التعاون القادمة خلال أسابيع بالكثير من التفاؤل لتحقيق المصالحة الخليجية بين الدول الشقيقة في ظل المؤشرات الإيجابية والبيانات الصادرة من عواصم دول مجلس التعاون مؤخرا، خاصة وأن دولة الكويت الشقيقة بذلت ولا تزال جهودا طيبة للوصول إلى التوافق بين الأشقاء.

ومن هنا فإن هناك أجواء سياسية إيجابية تسود الساحة الخليجية خاصة من قبل الشعوب الخليجية التي تتطلع إلى انتهاء تلك القطيعة بين الأشقاء والتي سببت أضرارا على الشعوب والتي لها روابط اجتماعية وتجارية وإنسانية، وعلى ضوء ذلك فإن القمة الخليجية القادمة سوف تشكل منعطفا هاما نحو المصالحة وتأكيد الثقة وعودة روح الإخاء بين دول لها مصير واحد، وحيث إن نجاح تلك المصالحة المنشودة تدخل في إطار الضرورة الاستراتيجية للمنطقة والتي تشكل منطقة هامة للعالم على صعيد الطاقة والأسواق والتجارة.

إن منطقة الخليج العربي تشكل وحدة جغرافية حيوية وهناك مصالح مشتركة بين دول العالم وهذه المنطقة الهامة، ومن هنا فإن القوى الدولية يهمها استقرار المنطقة بعيدا عن أي توتر أو خلاف كما أن المصالحة المرتقبة أو حتى اختراق الأزمة يعد تطور إيجابيا لإنهاء أي خلاف يحدث بين الدول، ولكن ذلك الخلاف إن حدث يتم حله من خلال الحوار والتشاور الأخوي وتغليب مصلحة المنطقة وشعوبها.

إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي أحوج في هذه المرحلة الحساسة إلى نبذ الفرقة والتشتت مما يعني أن المشروع الخليجي المشترك من خلال منظومة مجلس التعاون يعد هو الإطار الصحيح الذي يبني المنطقة ويحقق أحلام شعوبها نحو التقدم والازدهار ونحو إيجاد تكتل اقتصادي يكون له دوره في مقابل التكتلات الإقليمية، كما أن المنطقة تحتاج إلى روح المصالحة ليس فقط بين دول مجلس التعاون ولكن على صعيد الإقليم وفي مقدمتها العراق وإيران واليمن بحيث نشهد حوارا شاملا يعيد للمنطقة استقرارها وتعاونها الذي شهده التاريخ البعيد والقريب، حيث إن الحوار على ضفتي الخليج هو الآلية الموضوعية التي تحقق الأمن والاستقرار وتحل كل الإشكاليات من خلال الحوار الذي ينبغي أن يتسم بالشفافية والمصداقية والرغبة الأكيدة نحو إبعاد منطقة الخليج والجزيرة العربية عن التوتر وعدم الاستقرار.

إن حدوث ذلك الاستقرار في المنطقة يبدأ من المصالحة بين الأشقاء خاصة بين دولة قطر الشقيقة من جانب والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ومصر من جانب آخر، ومن هنا فإن القمة الخليجية المرتقبة تعد على جانب كبير من الأهمية من خلال الجهود المقدرة للدبلوماسية الكويتية صاحبة الوساطة ترفدها جهود مقدرة من الدبلوماسية العمانية وهناك تحركات أمريكية لا يمكن إغفالها في ظل الإدارة الأمريكية التي تستعد لمغادرة البيت الأبيض يوم العشرين من يناير القادم، كما أن المجتمع الدولي حريص على أن تنتهي الأزمة الخليجية التي دخلت عامها الثالث وكان لها تداعيات سلبية على كل الأصعدة خاصة تلك المرتبطة بالمجتمعات الخليجية.

إن القمة الخليجية القادمة هي قمة مفصلية في مسيرة مجلس التعاون ومن هنا تترقب شعوب المنطقة حدوث المصالحة بين الأشقاء وفتح صفحة جديدة من التقارب والتعاون والمضي في تحقيق مشروعات دول المجلس خاصة على الصعيد الاقتصادي واللوجستي وفي تنفيذ السوق الخليجية المشتركة والاستثمارات المشتركة والتنسيق في المجالات المختلفة، التي تخدم الدول الأعضاء وشعوب المنطقة.

الإعلام ودور إيجابي

من أهم الخطوات الجادة خلال هذه المرحلة أن تكون هناك كلمة بناءة للإعلام الخليجي من خلال خطاب هادف يدعو للتوافق والتعاون وان يغلب على لغة ذلك الخطاب الهدوء والموضوعية والبعد عن التشنج والمزايدات التي لا تفيد المصالح المشتركة وتخلق حالة من الفتن بين الشعوب، بحيث تكون هناك رسالة السلام والمحبة والبعد عن خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، ومن هنا يلعب الإعلام بشكل عام دورا استراتيجيا في أي أشكال بين الدول.

وعلى ضوء ملامح المصالحة الخليجية المرتقبة خلال قمة التعاون القادمة فإن مزيدا من الرسائل الإيجابية يعد من الخطوات الأساسية التي يتطلع لها الجميع.

إن دور الإعلام الخليجي هو دور حيوي خاصة خلال احتدام الخلافات ومن هنا فإن المنطقة في حاجة ماسة إلى إعلام منضبط من خلال المساعدة على بث ونشر ما يجمع بين الأشقاء وأن تكون هناك رسالة موحدة إعلامية تأخذ في الاعتبار مصالح الدول وإن لغة الحوار والنقاش الموضوعي هو الآلية الصحيحة كما يحدث في عدد من التكتلات الإقليمية كما يحدث الآن بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على مسألة الخروج البريطاني من الاتحاد، فرغم الخلافات الكبيرة بين الجانبين إلا أن الحوار متواصل بين الجانبين الأوروبي والبريطاني في إطار من الاحترام المتبادل والاستماع إلى وجهات النظر حتى لو كانت متباينة.

إن الخلاف بين الدول وفي مجال العلاقات الدولية هو أمر ممكن ومع ذلك فإن الآلية التي من خلالها يتم حل تلك الخلافات يأتي من خلال طاولة الحوار بين الأشقاء والذي ينتهي بالتوافق والمصالحة.

تطلعات الشعوب

ثلاث سنوات صعبة ومريرة مرت على شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بسبب نشوب الأزمة الخليجية والتي كان أساسها اختلاف السياسات، ومن هنا فإن شعوب المنطقة تتطلع إلى إنهاء تلك الأزمة وطي صفحتها على أساس قاعدة لا ضرر ولا ضرار وأن يتحد الأشقاء من جديد، وأن تكون تلك الأزمة مجرد أزمة عابرة لا ينبغي أن تتكرر كما أن هذه الأزمة نتجت عنها دروس كبيرة لعل في مقدمتها ضرورة وجود آلية لفض الخلافات والنزاعات داخل مجلس التعاون كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي وهذا أمر حيوي لأي تكتل سياسي في المستقبل بحيث يتم احتواء أي خلاف داخل المنظومة الخليجية.

إن الشعوب الخليجية في حاجة ماسة للتفرغ إلى التنمية والاستعداد لمرحلة تحديات الثورة الصناعية الرابعة والابتكار والتحول الرقمي وغيرها من التطورات العلمية التي تتطلع لها الأجيال الجديدة في المنطقة، ومن هنا فإن المرحلة السياسية القادمة تحتاج إلى مناخ يتسم بالاستقرار والعلاقات الطيبة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تمهيدا لإجراء حوار أشمل على ضفتي الخليج ولا شك أن دور الحيوي للمملكة العربية السعودية كدولة محورية في المنطقة سوف يكون له دور في نجاح تلك المصالحة الخليجية المرتقبة في القادم من الأيام خاصة في القمه الخليجية القادمة خلال هذا الشهر أو بداية يناير من العام الجديد الذي نتمنى أن يكون عام خير وسلام على المنطقة وشعوبها.