Screen Shot 2020-04-21 at 5.24.37 PM
Screen Shot 2020-04-21 at 5.24.37 PM
أعمدة

قصة قصيرة

08 ديسمبر 2020
08 ديسمبر 2020

عادل محمود

منذ زمن بعيد لم أكتب قصة قصيرة، رغم أنني أعتقد أن حياتنا ليست رواية، ولا ملحمة، وإنما قصة قصيرة. أو ق. ق. ج... أي قصة قصيرة جداً. أمس رأيت في إحدى أوراقي المبعثرة هذه الحادثة التي تكاد تكون مكتوبة ومكتملة ومنتهية كقصة قصيرة: "سيدة سورية مهجّرة من إحدى المدن، من أحد الأحياء، لأن الحرب زارت منزلها فتهدم ونُهب. وأصبحت في عراء الرحمة. استأجرت بيتاً صغيراً في نفس المدينة ولكن في حي يقع في المنطقة الآمنة والبسيطة. اسم السيدة "آمنة" اشترت اسفنجات للنوم. وأغراضاً للطبخ. ولكن البيت المؤلف من غرفة واحدة بدا عارياً وضئيلاً لا يشبه إلا فكرة "آمنة" عن الفقر الشديد... فكرتها سابقاً، حين كانت تفيض الغرف في منزلها عن حاجة السكان. ذات يوم مرّت إحدى جارات "آمنة" من أمام هذه الغرفة، وكان الباب مفتوحاً. سلمت على الجارة آمنة. ودعتها إلى فنجان قهوة. وآمنة ليس لديها أي شيء من مفردات الضيافة... قبلت الدعوة، ولدى دخولها إلى البيت صُعقت، وتجمدت مما رأت. رحبت السيدة المضيفة بضيفتها بكلمات ودودة، ودعت "آمنة" للجلوس على الأريكة. وذهبت لإعداد القهوة. مسحت آمنة المكان بنظرها. تلمست قماش الأريكة. حدّقت بالأماكن التي كان فيها علامات مميزة. البرادي. اللون. القماش. المزهريات. وحتى نفاضات السجائر. ذهلت، وسكتت فيما المضيفة تسكب القهوة بركوة تعرفها آمنة، وبفناجين شربت فيها آمنة. ولم يبق من اتصال هذه المرأة بأغراضها سوى أن تستفسر عن المحلات الجميلة التي اشترت منها محتويات الصالون. المضيفة قالت باسمة وهازئة: تعفيش...! كلمة تعفيش في زمن الحرب السورية (زمن الحرب على سورية وفيها) انتشرت كفعل وكثقافة: كفعل... اقتحام بيوت مهجورة والاستيلاء على محتوياتها، ثم فتح أسواق لعرض وبيع كل أنواع وسائط الاستخدام البشري. أما كثقافة: فقد سادت أشكال عديدة من فتاوى جواز شراء واستخدام بضائع منهوبة. كما ساد أيضاً فقه الحاجة وتعريفاتها. وباختصار: انقسم السوريون إلى ثلاثة: معفِش ـ بكسر الفاء، ومعفَش ـ بفتح الفاء. أما الثالث: فرجل طبيعي أخلاقياً وإنسانياً... يرفض شراء هذه البضائع التي تفوح منها ذكريات أصحابها. يرفض أن يشتري فراشاً ما تزال آثار النوم في ثناياه. أو غسالة ما تزال ملأى بقمصان أصحابها... المضيفة أوضحت أنها اشترت هذه الأرائك من سوق التعفيش بثمن زهيد. بعد القهوة قالت آمنة في هدوء حزين: هذه الأرائك هي مفروشات صالون بيتي. بعد ذهول ودهشة وتعاطف تفهم وإيضاحات... قالت آمنة: في قلب هذه الأريكة التي أجلس عليها يوجد مخبأ لحصيلة العمر من الذهب المشغول. بسرعة أحضرت المضيفة سكيناً، وتعاونتا على فتح المخبأ. فظهرت الأساور والخواتم والأطواق وسلاسل الهدايا الناعمة. هذه القصة بحاجة لنهاية. وأنا منذ زمن بعيد لم أكتب قصة قصيرة. فأرجو من القارئ ألا يدخل إلى صالونات التعفيش الكبرى، ليس للبيوت، وإنما للأوطان. أما في الواقع، فقد انتهت القصة بطريقة مدهشة!