Screen Shot 2020-12-01 at 3.08.56 PM
Screen Shot 2020-12-01 at 3.08.56 PM
أعمدة

عمان 2040... من هنا نبدأ

01 ديسمبر 2020
01 ديسمبر 2020

يوسف بن حمد البلوشي

[email protected]

تفصلنا أيام معدودات عن انطلاقة رؤية عمان 2040 وهي تبدأ في ظروف استثنائية تستوجب تحقيق نقلات نوعية في مختلف مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية لتتقدم عمان بثقة للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة. ولعلنا لا نتجاوز إذا قلنا إن إعداد وصياغة الرؤية قد تم بإتقان تام ومشاركة مجتمعية واسعة، وهذا لا يمثل إلا خطوة البداية في مسار طويل. ففي علم الاجتماع والإدارة لا يزيد وزن الصياغة والإعداد عن 10-15٪ من معادلة الوصول للرؤية المنشودة، والقول الفصل والمعترك الحقيقي والجهاد الأكبر يكمن في تنفيذها (85-90٪) ومدى التزام الجميع بها. ولا يخفى على الكثيرين أن رؤيتنا السابقة عمان 2020 كانت مضرب المثل كمستند ومحتوى ومن بين أفضل الرؤى والوثائق تعلم منها الكثيرون. وكذلك الأمر بالنسبة لوثيقة الرؤية عمان 2040 فهي وثيقة متكاملة، تمثل خارطة طريقنا وتحمل في طيّاتها ما نحتاج إليه لمواصلة مسيرة التقدم. إيجاد فرص عمل للأعداد المتزايدة من أبناء هذا الوطن العزيز، وتعظيم الاستفادة من الجاهزية والاستثمارات الضخمة في الحقبة المنصرمة وتوافر الموارد الطبيعية والمكانة الرفيعة بين الأمم والاستعداد لحقبة ما بعد النفط والثورات الصناعية المتعاقبة تستوجب تغيرات وتحولات ونقلات نوعية ومسارات غير تقليدية هي عنوان الرؤية 2040. ولتحقيق الطموحات نحتاج لفكر متجدد وآليات جديدة ونوعية، تنقلنا من نموذج تنموي بقيادة الحكومة، يغلب عليه طابع استيراد السلع والخدمات والأيدي العاملة الوافدة المتدنية المهارة والإنتاجية المنخفضة والإيرادات النفطية الغير متجددة، ومن نموذج قائم على المداهنة والمجاملة والتبرير وتقاذف المسؤوليات والتفرد بإدارة الملفات الاستراتيجية إلى نموذج تنموي جديد تتعدد فيه قاطرات النمو وشراكة أصيلة مع القطاع الخاص والإنتاج المحلي وزيادة الصادرات وتكون القوى الوطنية، واستقطاب المواهب والكفاءات هي قاطرة النمو الرئيسية وتعزيز الإنتاجية والتطوير والابتكار والمكون التكنولوجي والقيمة المضافة وتعزيز الإيرادات غير النفطية بحيث تعمل هذه المنظومة وفق سياسات المبادرة وليس استجابة للصدمات وردة فعل لبعض المتغيرات. والى نموذج قائم على نظرة شمولية يتسم فيه الجميع بتحمل المسؤولية وجعل مصلحة الوطن أولا والعمل وفق مبادئ الحوكمة والمساءلة. وكذلك التحول من دور المراقب والمهتم إلى دور الفاعل والمؤثر والمقتنص للفرص. وهنا تبدأ عمان 2040 تركز على تحقيق قفزات تنموية وليس نموا تدريجيا وهذا مفاده أنه إما نقفز لصناعة مستقبلنا في ضوء الجاهزية وحداثة البنية الأساسية قبل أن تتقادم، واستثمار المكانة الرفيعة بين الأمم والنافذة الديموغرافية المواتية وإما نتخلف عن الركب فلا يفلح القفز التدريجي أو البطيء. والاختيار بأيدينا! ولا يخفى أن هناك احتياجات ومتطلبات أساسية لتحقيق الرؤية ومرحلة التحول الاستراتيجي المنشودة يجب أن يستوعبها الجميع وتستلزم اجتراح وإجراء تغيرات جذرية في أسلوب إدارة ومعالجة العديد من القضايا وخاصة تلك المرتبطة بالاستثمار والإنتاج والتصنيع والتصدير والتي ترتبط بشكل مباشر بالتمكين الحقيقي للقطاع الخاص بعيدا عن الشعارات لقيادة وتحقيق ما نصبو إليه في رؤية المستقبل. والكل يتفق أن الإنجازات المحققة خلال الحقبة الماضية توفر أرضية صلبة للانتقال إلى نسق جديد من التنمية يمثل ضرورة ملحة تفرضه المستجدات والاحتياجات ويشكل الفرد والشركات العمانية أبرز أدواته. وهناك ثلاثة مفاتيح لتحقيق أي نقلة نوعية يتمثل المفتاح الأول في قدرتنا على التنبؤ واستشراف المستقبل والتغيرات المرتقبة على مختلف الأصعدة. وثانيا في قدرتنا على تجديد أفكارنا وأدوارنا وتوجهاتنا بما يتوافق مع المستقبل وتغيراته. وثالثا في قدرتنا على التنفيذ في الواقع العملي بالجودة والدقة المطلوبة. أن الإيجابية وتعضيد جدار الثقة بين الأفراد والشركات والحكومة هو سلاحنا. ففي علم الاقتصاد هناك نظرية الفشل المنسق (Coordination failure) تقوم على انه لو توقعت الوحدات الاقتصادية والمتعاملون أن الاقتصاد سوف يسوء فهو بالفعل سوف يسوء لأن هذا التوقع سيؤثر على قراراتها الاستثمارية والإنتاجية والاستهلاكية والتوظيف ويبدأ الاقتصاد بالدخول في حلقة مفرغة نحو الانحسار والعكس صحيح. إن نجاحنا في تحقيق الرؤية مرتبط بإرادتنا ومستقبلنا بين أيدينا ونجاح الرؤية كغيره من قصص النجاح لن يكون سهلا. ويتطلب فهمًا واضحًا لما نواجه، ووضع اليد على الجرح، وتنفيذ خطة عمل واضحة المعالم للعلاج، تعكس وضع السلطنة والديناميكيات العالمية، والرقابة القوية والواعية. وقبل كل شيء، يجب أن نحشد همم أفراد المجتمع ودعمهم وتوضيح ما نواجه، وإلى أين نتجه، وان نثق بأننا قادرون على التغيير. وأختم بالمقولة الشائعة، لكل زمان دولة ورجال، وكما ولى زمان الفحم سيولي زمان النفط وكما استطاع رجال عمان الماضي بناء تاريخ ضارب بالعمق وتجاوز التحديات، سنستطيع مواصلة البناء.