أعمدة

أفعل التفضيل وبيوت المال

20 أكتوبر 2020
20 أكتوبر 2020

[email protected]

مصباح قطب

أعلنت مؤسسة "جلوبال فايننانس" الاثنين جوائزها السنوية لافضل البنوك في العالم.، في تقليد استمر على مدار سبعة وعشرين عاما. ويتم اختيار الفائزين كأفضل البنوك على مستوى العالم والإقليم وفي أكثر من 150 دولة وفي عدة فروع مثل إدارة النقد وائتمان الشركات والتجارة الخارجية والتجزئة والابتكار، والخزينة، والصيرفة الإسلامية الخ.. وحسب موقع المؤسسة فقد اختار محرروها، بمساهمة من محللي الصناعة والمديرين التنفيذيين للشركات وخبراء التكنولوجيا الفائزين باستخدام المعلومات المقدمة من البنوك، ومقدمي الخدمات الآخرين، بالإضافة إلى الأبحاث المستقلة، واستنادًا إلى سلسلة من العوامل الموضوعية والذاتية. استندت الأحكام إلى الأداء خلال عام 2019 بأكمله، باستثناء الفائزين العالميين، الذين تم أخذ التطورات في النصف الأول من عام 2020 في الاعتبار عند تقييمهم.

تطبق المؤسسة كما تقول خوارزمية خاصة لإعداد قائمة مختصرة للمتنافسين. تزن الخوارزمية مجموعة من المعايير لقياس الأهمية النسبية، بما في ذلك معرفة الظروف المحلية واحتياجات الزبائن، والقوة المالية والسلامة، والعلاقات الاستراتيجية والحوكمة، والتسعير التنافسي، والاستثمار الرأسمالي، والابتكار في المنتجات والخدمات. وبمجرد تضييق المجال- أو عمل "شورت ليست"كما يقال -، تشمل المعايير النهائية نطاق التغطية العالمية، وحجم وخبرة الموظفين، وخدمة الزبائن، وإدارة المخاطر، ومجموعة من المنتجات والخدمات، ومهارات التنفيذ واستخدام التكنولوجيا.

في حالة التعادل، يميل انحيازها نحو مزود محلي بدلا من مؤسسة عالمية. كما تميل المؤسسة إلى تفضيل بنوك القطاع الخاص على المؤسسات المملوكة للحكومة. إلى هنا والكلام لا غبار عليه ففرق الاختيار قوية والآليات متينة، والمنهجية قد لا نختلف عليها كثيرا، ومن حق البنوك الفائزة أن تهنئ نفسها بأفعل التفضيل الأشهر عالميا تلك، وان يهنئها الجمهور، ومن حق شركات الدعاية والإعلان التي تجهز نفسها لاقتناص حملات للإعلانات عن الفائزين وإنجازتهم، أن تسعد أيضا بتلك الاختيارات، أو بأي اختيارات بالأدق، فالمهم عندها أن نشاط الاختيار لم يتوقف كأنشطة كثيرة ضربتها كورونا. هناك جهات عديدة أخرى وطنية أو إقليمية، ومجلات شهيرة مثل" ذا بانكر" و" يورومونى "، تختار أيضا افضل البنوك في المجالات المختلفة، ويحدث من الاحتفاء أيضا الشيء غير القليل بالنتائج والفائزين.

لعبت المصارف والبنوك المركزية دورا كبيرا وربما بطوليا حقا، في التصدي للمأزق الاقتصادي الذي نجم عن كورونا، ونفذوا مبادرات تقدمية وصعبة في هذا المجال، أفادت الزبائن والأسواق، وان كان لها تأثيرها السلبي بالتأكيد على أرباح البنوك وهذه تضحية، لكن يبقى القول إن أخذ تداعيات كورونا في الاعتبار عند تقييم البنوك العالمية، دون غيرها، يخل بمبدأ المساواة، ويزيد من تعقيد حسابات الفروق بين الأطراف في اختيارات هذا العام.، وبصفة عامة فإن معايير جلوبال فايننانس ومعايير غيرها ممن يختارون افضل البنوك بحاجة إلى أن تأخذ في اعتبارها عناصر جديدة في تقديري. من بينها مثلا عدد فرص العمل التي خلقها التمويل المقدم من البنوك للأنشطة المختلفة، وأساليب تعامل كل بنك مع الأيدي العاملة في حالات الاستغناء، ومدى تعرض أو عدم تعرض البنك المختار لعقوبات من الأجهزة الرقابية، أو القضاء، أو وزارات العدل.

أيضا يمكن أن يكون للاقتصاديين دور في تحديد الفائدة التي قدمها البنك للاقتصاد الوطني في المجمل كمعيار للفوز، ومدى توازن الأجور والمكافآت في البنك بين القمة والقاعدة. الملاحظة الأخيرة أن كثرة الفروع التي تتوزع عليها الجوائز تجعل عدد الفائزين كبيرا بما يكاد يرضي أغلبية البنوك المعروفة أو ما "يزعلش حد" كما نقول بالعامية، وفي هكذا صخب يضيع الشعور بالتميز حقا. الحاصل على أعلى مرتبة شرف في الجوائز هذا العام، هو بنك سنغافوري، واعتبرته المؤسسة نموذجًا يحتذى؛ حيث كان مستعدا لمقابلة الارتفاع الحاد في الطلب على الخدمات المصرفية الرقمية أثناء الوباء. استثمر البنك بكثافة في جميع الأشياء الرقمية لسنوات، وأنشأ ثقافة مصرفية شاملة وفعّالة. أثمر كل ذلك في وقت يسوده عدم اليقين الاقتصادي ومخاطر الائتمان المتزايدة، مما عزز مرونة البنك وساعده على التقدم في وقت تتزايد فيه حاجة الزبائن، صعد البنك وهو (DBS) من خلال طرح تطبيق سريع يتيح للزبائن من رجال الأعمال تقديم المستندات التجارية دون زيارة الفرع. وظلت السيولة وفيرة، حيث استفاد من التدفقات الوافدة إلى الجودة، وشارك البنك بنشاط في برامج الحكومة السنغافورية للإغاثة الائتمانية. ومع ذلك تقول المؤسسة نفسها، إن البنك يواجه مستقبلا غير مضمون، ورياحا معاكسة خلال الأشهر المقبلة مثله مثل غيره، لأسباب جوهرية منها أسعار الفائدة المنخفضة، وانتهاء برامج التحفيز الحكومية، وتراجع التصنيفات.

ألم يكن من المنطقي أن يكون البنك الأول عالميا هو الأقوى في مواجهة ما هو مقبل؟ كيف يتساوى مع غيره في حجم القلق؟ مجرد سؤال للخاتمة ليس إلا.!!