أفكار وآراء

فريق العمل .. الابتعاد أكثر عن الرؤية الأحادية

04 أكتوبر 2020
04 أكتوبر 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

لا يفترض إطلاقًا أن تنفرد المؤسسات في السلطة التنفيذية بإصدار قراراتها، وتنفيذ مشروعاتها الكبرى دون أن يكون فريق عمل السلطة التشريعية حاضرًا، وبقوة القانون وفق ما تنص عليه مواد النظام الأساسي للدولة، لأن المواطن ينظر إلى السلطة التشريعية بعين الأمل المرتقب لما سوف تؤول إليه كل مشروعات الوطن بلا استثناء.

لست خبيرًا في علم الإدارة، ولا منظرًا لها، ولكن أتصور أن مفهوم «فريق عمل» هو مصطلح حديث في علم الإدارة، قياسا بالفترة الزمنية التي قطعتها الإدارة الحديثة، وهذا المفهوم، كغيره، من المفاهيم الحديثة المستجدة، من أمثال «المدير السوبر» و«الموظف السوبر» وما يضاف إلى ذلك من مفاهيم التحفيز، والمكافأة، وإعادة بناء الخرائط الذهنية المتعلقة بالممارسات الإدارية المختلفة، والتقييم السنوي، وبيئات العمل الخضراء، أو «السياسة الخضراء» والانتماء والولاء للمؤسسة، وغيرها الكثير مما استجد كمفاهيم في الإدارة الحديثة، وكل ذلك بغية الوصول إلى إنتاج متوازن، معبّر عن رؤية ناصعة، حكيمة، قادرة على التغيير، وآخذة بقيم المجتمع القريب، ومؤصلة للثوابت الوطنية، ومعززة للهوية الشاملة، والحيادية الناصعة عن السقوط في مضان الخاص، والرؤية الأحادية الجانب، على الأقل، للمؤسسة، والمؤسسة هنا ليست، هي فقط، ذلك المكون الفردي في الوطن الكبير، والتي تكون من ضمن مجموعة من مؤسسات أي قطاع على حدة، ولكن يقتضي الفهم هنا النظرة الشمولية لمعنى المؤسسة، فالوطن بكامله مؤسسة وطنية تتعدد فيها الاشتغالات، وتتمايز فيها الوظائف، وتختلف فيها المهام والمسميات، ولكنها في نهاية الأمر هي مجموع إنتاج لكل هذه الفروع على اختلاف مسمياتها وتخصصاتها، وتشعباتها، حيث يشعر كل مواطن بالفخر بما أنجز، ولا يساوره أدنى شك في أن ما تم إنجازه على مستوى الوطن، يكون فيه شريكًا أساسيًا بالمطلق، وكما هي القاعدة دائما، أن «النجاح لا يحسب للمسؤول فقط، كما أن الفشل لا يتحمله الموظف فقط».

يشير التعريف العلمي لـ«فريق العمل» إلى أنه «مجموعة من الناس مرتبطة بتحقيق هدف معين، تتكامل جهودهم وخبراتهم، ويعملون سويًا، بحيث يكون مجموع أدائهم المشترك أكبر من مجموع جهودهم الفردية في سبيل تحقيق النتيجة المنشودة» -حسب noslih.com- وبالتالي فهذا الفهم يذهب إلى أي تجمع إنساني اتفق مجتمعوه على تحقيق هدف ما، أو مجموعة أهداف وفق رؤية واضحة، وعزم أكيد على القيام بكافة المهام والمسؤوليات على الوصول إلى النتائج، والعزم على البقاء والاستمرار، وتحقيق المنافسة الشريفة والأمينة.

وانطلاقا من مفهوم «فريق العمل» فإن الفهم يذهب أيضًا إلى مصطلح تحمل المسؤولية، الفردية في البيئة التشاركية، ولن تكون المسألة مقتصرة على قائد الفريق، كما كان الفهم التقليدي للمسؤولية، ففي هذه التشاركية، هناك توزيع للطاقات البشرية في المساهمة المباشرة لمشروع العمل المهيأ للإنجاز، لأن هذا الإنجاز في الختام، سيكون معبّرًا عن الجميع، وليس منسوبًا إلى جهد شخص بعينه، ولذلك سيسعى الجميع إلى الخروج بنتائج يكون للكمال أقرب منها إلى النقص، أو القصور، وهو نتاج عمومي، لا تفرقه سوى ميزة التخصص، كل في شأن تخصصه، ووجود مجموعة من التخصصات في فريق العمل، هي بلا شك عامل محوري في تعزيز الإنتاج، وفي إضفاء نوع من الأمان النفسي، بأن ما يقدم من جهد هو مسؤولية مشتركة، كما أن تحمل إخفاقاته مسؤولية مشتركة.

ينظر إلى أداء الفريق على أن يكون «مجموع الأداء المشترك أكبر من مجموع الجهود الفردية» -حسب التعريف العلمي- وهو فهم يتسامى عن المضان الفردية في الأداء، فالمسألة تتجاوز النظرة الخاصة، وتذهب إلى حيث البعد الشامل الذي تنطوي عليه مجموعة الآمال لتحقيق الإنجاز الأكبر المعبّر عن الجهود الصادقة والمخلصة، المرجوة من فريق العمل، وأتصور، من هنا، لماذا يقسم الموظف قبل الشروع في تقلد بعض الوظائف، وذلك للحيلولة دون النكوص عن الالتزام الكامل، والأمين الذي تقتضيه الوظيفة والمسؤولية الموكول إليها، والآمال المعقودة على مجموعة النتائج المتحصلة من هذه الجهود في نهاية اليوم، أو الشهر، أو السنة، أو سنوات الوظيفة ككل في نهاية الأمر، وأيما مؤسسة كبرت أو صغرت إلى تجاوزت مفهوم «فريق العمل» ضمن أجندة تأسيسها، عندها يمكن الجزم أن تراجعها عن تحقيق أهدافها، أصبح قاب قوسين أو أدنى من عودتها إلى مربعها الأول، ولذلك نسمع، وقد نقترب كثيرا بحكم الصداقات من فشل بعض التجارب الإدارية، ذلك لأن فكر المؤسسة بُني على الرأي الأوحد، في اشتغالات المؤسسة المختلفة، وظن هذا الأوحد أنه يملك العصا السحرية في نقل المؤسسة من حالة الفقر إلى حالة الغنى، ولذلك تحقق العكس، فالرؤية والرسالة والأهداف، وإن فكر بها، أو استحضر جزءًا منها المؤسس، يعود منشأها وصانعها إلى فريق العمل، وهو الموكول إليه تنفيذها على أرض الواقع.

لعل المحنة الكبرى للوظيفة كناتج قومي «ختامي» هو الوصول إلى مجموعة من المسارات الصحيحة المؤدية إلى تصويبات الممارسة اليومية الخاطئة للوظيفة، وهذه التصويبات ليس من اليسير الوصول إليه بجهود فردية محضة فالفكر الأوحد يظل أوحد، مهما أوتي من خبرة وحنكة ودراية، حيث تستدعي الضرورة أن تتضافر مجموعة من الجهود، وهذه المجموعة هي ما تستلزم وجود فرق للعمل في كل مشروع، صغر هذا المشروع أو كبر، وبدون ذلك، يظل من المرجح، أن لا تكون النتائج بالصورة المرجوة، والمتوقعة، ولا يستبعد إطلاقا أن يشوبها الخلل، والضعف، والأخطاء الموضوعية، وبالتالي إن حدث ذلك في مشروع ما، فلا يجب أن يتكرر ذلك في مشروع آخر، وإلا عد ذلك تخبطًا وعشوائية معيبة في مسارات الوظيفة المختلفة، ويشار إلى إدارة المؤسسة ككل إلى أنها لم تكن مخلصة بالقدر الذي يؤدي تسجيل نجاحات في حق المؤسسة.

حتى عهد قريب، ظل مفهوم المسؤول أو الموظف الـ«سوبر» متربعا في مختلف مسؤوليات الوظيفة وتخصصاتها، وتشعباتها المتعددة، ولذلك عندما تقاس النتائج المتحصلة، لا تكون بمستوى سقف الطموحات المؤملة، والمرجوة، وعد ذلك إخفاقا كبيرا في مجموع المسؤوليات المنوطة بالوظيفة، حتى بدأ الفهم الواعي للوظيفة اختراق مجموعة هذه الحزم المتكتلة، والمضعفة للأداء، عبر المفاهيم الجديدة للوظيفة، ولعل الإنجاز الأكبر الذي تحقق في هذا الجانب هو إدخال مصطلح «فريق العمل» كمفهوم حديث في مشروع الوظيفة الكبير، وفريق العمل هذه يختلف اختلافا بينيا عن مفهوم الـ«لجان» فهذه الأخيرة لا تخرج عن كونها الأقرب إلى الاستشارة، منها إلى التنفيذ بخلاف «فريق العمل» الذي يذهب مباشرة إلى ممارسة الأداء، وتحقيق النتائج فوق السقف المتوقع.

يقال، حسب المثل: «اليد الواحدة لا تصفق» والتصفيق هنا نتيجة ملموسة، حققها تقارب الأيدي، فهذا التقارب هو الذي خرج بنتيجة الـ«تصفيق» الحاد والمسموع، وبالتالي فالمقاربة نفسها تذهب عند قياسها بالوظيفة، فالفكر الأوحد، لن يصل مداه، ولن يتوغل تأثيره إلى أكثر من حدود الدائرة الضيقة، وبالتالي حتى تتسع هذه الدائرة وتلك، فلا بد أن يحل هنا الجهد الجماعي، وهذا الجهد لن يتحقق إلا عبر «فرق العمل» فهي القادرة على إبداع الحلول، وابتكار الوسائل، والمخاطرة بضمان النتائج، والقدرة على إحداث مجمل التغيرات في بيئات العمل المختلفة، فمجموع التجارب والخبرات المتوحدة في تلك اللحظات، هي المجموع الكلي للجهد الذهني الذاهب إلى مواجهة كل المتغيرات المصاحبة في لحظتها، والتي غالبا، ما تحد من النتائج، أو المعرقلة لتحقيقها بالقدر المؤمل من مجموعة الجهود المبذولة، فتقارب الأفكار، وتوحد الرؤى، وتحقق النظرة الشمولية للهدف المنشود، هي مشروعات نجاح مضمونة الجودة، وملبية للطموحات، ومعززة للأداء، ومحفزة لبذل المزيد، وهذا طموح كل مؤسسة تنشد الاستمرار، والاستقرار، والتنافس، والصمود بثقة.

ينظر إلى المجالس التشريعية والمجالس البلدية في التجارب السياسية على أنها فرق عمل، على مستوى الوطن الكبير، وليست خاصة بمؤسسة دون أخرى، وبالتالي فهي إن تعمل فإنها تستحضر الوطن بأكمله، وتتقصى طموحات كل المواطنين وآمالهم، وبالتالي يجب أن تكون حاضرة في مشروعات الوطن صغيرها وكبيرها، ولا يفترض إطلاقًا أن تنفرد المؤسسات في السلطة التنفيذية بإصدار قراراتها، وتنفيذ مشروعاتها الكبرى دون أن يكون فريق العمل السلطة التشريعية حاضرًا، وبقوة القانون وفق ما تنص عليه مواد النظام الأساسي للدولة، لأن المواطن ينظر إلى السلطة التشريعية بعين الأمل المرتقب لما سوف تؤول إليه كل مشروعات الوطن بلا استثناء.