المنوعات

ورشة في بلجيكا تحفظ الأعمال الفنية العريقة من الاندثار

27 سبتمبر 2020
27 سبتمبر 2020

بروكسل- "د.ب.أ": تخرج نيلي ستروب بعناية قطعة فنية صغيرة بحجم قالب القرميد، من أرفف مخزن داخل متحف الفن والتاريخ في بروكسل، وتزيل الأغطية التي تلفها لتكشف عن يدين تبتهلان بالدعاء لتمثال مصغر.

وهذا التمثال واحد من أربعة آلاف من الأشكال التي أبدعت في ورشة صب الجبس التابعة للمتحف في بروكسل، وتتنوع القطع المصبوبة بين تمثال فينوس ويليندورف الشهير الذي يرجع تاريخه للعصر الحجري، وسمي كذلك نسبة لبلدة ويلندورف بالنمسا التي اكتشف فيها التمثال الذي يرمز للخصوبة عام 1908، إلى تمثال نصفي يرجع تاريخه للقرن الثامن عشر للموسيقار الألماني جورج فريدريش هاندل.

ويرجع الفضل في كثافة عدد المجموعة الفنية إلى قرار اتخذ في "المعرض الدولي" الذي تم تنظيمه في لندن عام 1862، وذلك وفقا لما تقوله ستروب مديرة الورشة.

فأثناء ذلك المعرض قررت الدول الأوروبية التعاون معا بشكل أوثق، في مجال الفن والثقافة بما في ذلك صب تماثيل الجبس، ومثل هذه التماثيل تعد أكثر الطرق سهولة لعرض فنون الدول الأخرى في الزمن الذي سبق ظهور التصوير الفوتوغرافي، وعندما كان السفر تكلفته باهظة بالنسبة لمعظم الناس.

وتقول ستروب إن تماثيل الجص كانت طريقة لإظهار المجموعات الفنية التي تم إبداعها.

وتم إنشاء متحف لنماذج الصب في بروكسل، وإقامة ورشة لصب الجبس متاخمة له بدأت في عملياتها، وأولئك الذين يعملون فيها أبدعوا قوالب الصب المتنوعة التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم بعد مرور 150 عاما على ابتكارها.

وهذه الورشة هي مجرد واحدة من ثلاث ورش ملحقة بالمتاحف في أوروبا، وتوجد الورشتان الأخريان في باريس وبرلين.

ويستخدم العاملون مجموعة متنوعة من الأساليب الفنية لإبداع نماذج الجص.

ومعظم هذه الأساليب تستخدم قوالب الصب الكثيرة التابعة للمتحف، ومعظمها يتكون من أجزاء عديدة، وهم يشكلون صورة سالبة من الأعمال الفنية، مبدعين الشكل الخارجي للتمثال، ثم يوضع الجص داخل القوالب على عدة طبقات ويترك العمل ليجف، ويتخلص العاملون من أية قطع باقية إضافية من الجص، ومن هنا يكون العمل قد اكتمل، على الرغم من أن الزبائن يمكنهم أن يحصلوا على القطع الفنية ملونة لو رغبوا في ذلك.

وفي إعادة إنتاج هذه الأعمال الفنية، يستخدم الحرفيون المتخصصون في الورشة أساليب فنية تقليدية، في كل من عملية الصب والتلميع، وذلك وفقا لما يقوله الموقع الإلكتروني للمتحف.

وفنون صب الجبس فقدت بعضا من قيمتها بعد أن أصبح التصوير الفوتوغرافي أكثر انتشارا أثناء فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، كما توضح ستروب، ويريد الناس أن يشاهدوا أعمالا فنية أصلية مما جعل النسخ المقلدة أقل أهمية، وتم إزالة قطع فنية من الجص بمتحف بروكسل لإتاحة مساحات شاغرة لإقامة معرض جديد، وفقد الكثير من القطع الفنية الجصية أو تحطمها في عملية نزعها من القوالب.

ولا يعمل حاليا سوى ثلاثة فنانين بما فيهم المديرة، من بين الطاقم الفني الأصلي بالورشة الذي كان يبلغ عدد أفراده 20 فنانا.

ومع ذلك بدأ الاهتمام بفن قوالب صب الجص يزداد مرة أخرى في التسعينات من القرن الماضي، حيث بدأ الناس في رؤية النماذج ذاتها كأشياء تاريخية، وليس مجرد نسخا مقلدة رخيصة الثمن.

كما أن المجموعة الفنية هذه لها قيمة وثائقية كما تقول ستروب، حيث تجعل الأعمال الفنية التي فقدها العالم من الممكن مشاهدتها مرة أخرى.

وأحد أكثر النصب التذكارية شهرة في ألمانيا التي استفادت من هذه الحرفة الفنية، هي المركبة الرومانية التي تعلو بوابة براندنبرج ببرلين، وفي هذا الصدد يقول ميجويل هيلفريتش رئيس معهد برلين لصب قوالب الجص: إن العربة الرومانية التي يجرها أربعة جياد وتعلو البوابة الشهيرة بالعاصمة الألمانية، لحق بها الدمار الكامل أثناء الحرب العالمية الثانية، وعند نهاية الحرب أبدعت الورشة نسخة من العربة الأصلية.

ويوضح هيلفريتش أنه في عام 1957 عملت كل من ألمانيا الشرقية والغربية معا لإبداع مركبة رومانية جديدة باستخدام نموذج الصب، ويضيف "نحن نعيد إنتاج الأشياء التي لم يعد لها وجود، وهذا جزء من قيمة قوالب الصب".

وتشير ستروب إلى أن كثيرا من التماثيل الجصية تذهب هذه الأيام إلى أكاديميات الفنون على سبيل المثال، حيث يستخدمها الطلاب في التعلم وكنماذج للرسم.

ويمكن للأفراد أن يطلبوا أعمالا فنية من ورشة صب تماثيل الجص، فمثلا يمكنهم أن يطلبوا نسخا من تماثيل الفنان مايكل أنجلو لوضعها في بيوتهم مقابل أسعار معقولة للغاية، وبالنسبة للمهتمين بشراء هذه النوعية من التماثيل يمكنهم أن يطلبوا واحدا بسعر يتراوح بين 200 دولار إلى عدة آلاف، وفقا لحجم العمل وتعقيداته الفنية.

ولكن إذا كنت تأمل في أن تضع تمثالك الجديد في حديقة منزلك، فلن يحالفك الحظ، وتوضح ستروب أن هذه النوعية من التماثيل ليست مناسبة لوضعها في الحدائق، حيث أنها حساسة للرطوبة وبالتالي سيصيبها العطب في غضون بضع سنوات.