965
965
العرب والعالم

معاناة ملايين اليمنيين تتفاقم .. بسبب تدهور العملة

23 سبتمبر 2020
23 سبتمبر 2020

صنعاء - عمان - (جمال مجاهد): أدّى التدهور الكبير وغير المسبوق للعملة اليمنية (الريال) مقابل العملات الأجنبية إلى تفاقم معاناة ملايين اليمنيين وتعميق الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها منذ اندلاع الحرب أواخر مارس عام 2015، وخاصةً في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد) والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة (المعترف بها دولياً).

وبينما سجّل سعر صرف الريال في العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطر جماعة «أنصار الله» أكثر من 600 ريال للدولار الواحد، إلا أنه سجّل في عدن ومحافظات الجنوب أكثر من 850 ريالاً للدولار، وسط توقّعات بوصوله إلى 900 ريال وأكثر.

وتسبّب هذا الانخفاض «التاريخي» للعملة اليمنية بالتزامن مع أزمات حادّة في الوقود وغاز الطبخ والكهرباء والمياه في تراجع القوة الشرائية للعملة، إذ شهدت أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والخبز واللحوم والخضار والفواكه والخدمات وأجور النقل داخل وبين المحافظات ارتفاعاً كبيراً.

ومع انخفاض قيمة الريال التي تم تسجيلها في الجنوب، فإن أسعار الصرف غير الرسمية في المناطق التي تسيطر عليها «أنصار الله» في الشمال وتلك التي تسيطر عليها الحكومة في الجنوب، تختلف الآن بفارق يقرب من الثلث.

ويقول مصدر في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بصنعاء لـ «عمان» إن عدّة عوامل أدّت إلى الحد من مصادر النقد الأجنبي وانخفاض قيمة الريال، إذ تسبّبت جائحة كوفيد 19 في انخفاض كبير وصل إلى 80% بحسب بعض التقديرات، في التحويلات المالية المرسلة من اليمنيين العاملين في الخارج، خاصةً مع تباطؤ النشاط الاقتصادي في السعودية ودول الخليج التي تستضيف عدداً كبيراً من العمالة اليمنية.

ويؤكد المصدر أن انخفاض الطلب على الوقود نتيجة فيروس كورونا أدّى إلى انخفاض حاد في عائدات النفط، كما أدّى تضاؤل ودائع النقد الأجنبي لدى البنك المركزي اليمني والفرص المحدودة لإعادة الرسملة إلى زيادة انخفاض قيمة الريال.

ويضيف «في المتوسّط، أسعار الحد الأدنى للسلة الغذائية أعلى بنسبة 26% الآن في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة مقارنةً بالمناطق التي تقع تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع».

وتشير نتائج تحليل «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي» الذي أصدرته في يوليو «منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (الفاو) بالتعاون مع «منظّمة الأمم المتحدة للطفولة» (اليونيسف)، و«برنامج الأغذية العالمي» وشركاء آخرين، إلى زيادة المخاطر التي تهدّد الأمن الغذائي في المحافظات الجنوبية. ويتوقّع المسح أن 3.2 مليون شخص في المحافظات الجنوبية سيعانون بشدّة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الثالثة وما فوقها من التصنيف المرحلي المتكامل) بين يوليو وديسمبر المقبل، وهي زيادة تمثّل 40% مقارنةً بنفس الفترة في 2019، حتى إذا تم الحفاظ على المستويات الحالية للمساعدات الغذائية. وبالإضافة إلى انخفاض قيمة الريال اليمني وتضخّمه، يعزى انعدام الأمن الغذائي إلى الصراع والسيول والجراد وكوفيد 19.

ويحذّر التحليل من ضياع مكاسب الأمن الغذائي التي تحقّقت في النصف الثاني من عام 2018 وعام 2019 نتيجة التوسّع الكبير في تقديم المساعدات الغذائية الإنسانية.

البنك المركزي اليمني من جانبه ناقش في اجتماع استثنائي في مقرّه بعدن، برئاسة نائب محافظ البنك، شكيب حبيشي، «الوضع النقدي العام في البلاد، وحالة التدهور المتسارع في قيمة العملة المحلية وبيان مسبّباتها والسبل الكفيلة لمعالجتها وكبح تراجع قيمة الريال اليمني أولاً، تمهيداً لاتخاذ إجراءات لازمة لتحسينه في أسرع وقت ممكن».

ووفقاً لبيان صادر عن البنك «استعرض الاجتماع التحديات التي تواجه البنك المركزي ومسؤوليته التي لا يمكنه بأي حال التنصّل منها، وضرورة قيامه بواجباته في إصلاح اختلالات الوضع النقدي وتحمّله أعباء مواجهة حالة الانفلات التي تسوده والتصدّي بكل حزم للمتلاعبين في سوق صرف النقد المحلي والأجنبي».

وكشف البنك أن «تقارير فرق المراجعة والتفتيش الميداني التي تلقّاها مؤخّراً، أظهرت بجلاء وجود ممارسات غير قانونية لدى العديد من الممتهنين لأعمال الصرافة، والتي أضرّت وأساءت إلى سمعة البنك المركزي كونه المانح والمنظّم والمراقب لنشاطها». وأقرّ الاجتماع عددا من الإجراءات التصحيحية الحاسمة والعاجلة والتي تضمّنت إيقافا مؤقتا لتراخيص نشاط 4 من كبار شركات الصرافة، فضلا عن إعطائها مهلة لا تتجاوز أسبوعين لتصحيح أوضاعها ووقف مخالفاتها، وإلا سيتم سحب تراخيص نشاطها وإيقافها بصورة نهائية، وتنفيذ حملة تفتيش منظّمة ومستمرة على شركات ومنشآت الصرافة، لضبط المخالفات والمضاربات بالعملات في سوق صرف النقد، واتخاذ إجراءات رادعة بحق من يثبت عليه ذلك، بما فيها سحب ترخيص نشاطه. كما تضمّنت الإجراءات إيقاف كافة شبكات الحوالات المالية المحلية وذلك ابتداءً من الـ 26 من سبتمبر الجاري، على أن يقدّم القطاع المختصّ لدى البنك المركزي تصوراً حول إمكانية استخدام إحدى الشبكات القائمة لفترة مؤقّتة، إلى حين إنشاء شبكة مالية موحّدة تعمل تحت إشراف البنك المركزي، وفي أقرب موعد ممكن، وعدم تجاوز مجموع الحوالات للشخص الواحد خلال اليوم مبلغ 500 ألف ريال يمني أو ما يعادلها من العملات الأجنبية الأخرى، وعدم بيع العملات الأجنبية من قبل شركات الصرافة لمنشآت الصرافة الفردية، وحظر التعامل بالعملات الأجنبية كوسيلة للدفع في المعاملات التجارية والخدمية الداخلية، ووقف حسابات البنوك لدى البنك المركزي غير الملتزمة بالقوانين النافذة وتعليمات البنك المركزي والممتنعة عن موافاة البنك المركزي بالبيانات اللازمة والكاملة عن نشاطها. ​وشدّد الاجتماع على عدم السماح لشركات ومنشآت الصرافة بالتعامل بالمصارفة أو بيع النقد الأجنبي للتجّار المستوردين لعدد من السلع الأساسية، وهي المشتقّات النفطية وحديد البناء والأخشاب والإسمنت وأعلاف الدواجن والسكّر والأرز والقمح، وكذا منع شركات الصرافة من تقديم أية تسهيلات ائتمانية للصرّافين ووكلائهم الذين يتم التعامل معهم. وأكد أنه لن يتم السماح باستيراد المشتقّات النفطية ودخول السفن الناقلة لشحناتها إلى الموانئ إلا بتصريح من المكتب الفني التابع للمجلس الاقتصادي الأعلى يصدرها بموجب إفادة يمنحها البنك المركزي للتاجر المستورد تتضمّن استيفاء إشعار المصارفة عبر البنك المركزي ونموذج التحويل الخارجي لقيمة الشحنة (السويفت) إضافة إلى إشعار سداد العوائد الرسمية للدولة (جمارك وضرائب وغيرها).