أفكار وآراء

أهمية تجديد الأفكار ومراجعتها

02 سبتمبر 2020
02 سبتمبر 2020

عبدالله العليان -

لا شك أن تجديد الأفكار أحد المطالب الأساسية، لكل أمة من الأمم، بهدف إيجاد البدائل الإيجابية للتطورات التي تحدث، بما يلبي تطلعات واحتياجات لكل مرحلة من المراحل، وهي تعبر عما هو مهم راهنًا، لمواجهة كل الظروف الناشئة عن أهمية تجدد الأفكار التي تسهم في بلورة نظرة جديدة تحتاجها الظروف القائمة.

في عصرنا الراهن وتحولاته الفكرية والسياسية والتكنولوجية، ثمة أهمية كبيرة وحاجة ماسة لتجديد الأفكار والرؤى ومراجعتها، لمسايرة التغيرات والتحولات التي تجري في عصرنا الراهن، يجب أن نعطيها الإدراك الواعي لكي لا نقع في الأزمات والسلبيات عند تتجمد الأفكار، ونتوقف عن تغييرها، والتي تعتبر من سنن الحياة وطبيعتها لتتجدد، التي لم تعد تناسب والاحتياجات الراهنة، خاصة أن بعض الأفكار لم تعد صالحة للنجاح والقابلية لقبول كل ما هو جديد يطرأ على الاجتماع البشري، الذي يحتاج أن يتغير مع كل ما يجري من تطورات فكرية وعلمية وتكنولوجية، إلى ما هو أجدى وأفضل لتتغير الرؤى التي ربما كانت ملائمة لعصر من العصور، لكنها الآن لم تعد تناسبه، لاعتبارات واقعية وعملية، ومن هنا تحتاج أن تتم مراجعتها وتجديدها، والنظر فيما هو جدير بالبقاء، وترك ما هو غير صالح لجموده عن الواقع المعاش، إذ لم نعد نحتاج إلى تجديده أو تغييره ليكون مسايرًا للواقع القائم، ولا شك أن مسألة التجديد والتغيير في البنى الفكرية لكل أمة من الأمم خاصة أمتنا، لا يعني إلغاء الثوابت أو المستقرات أو المبادئ التي هي جزء من هوية الأمة، فهذه مسألة ليست ضمن ما نطلبه في هذا التجديد؛ لان الرؤية التي عرفتها الحضارات والثقافات، أن هناك ثوابت أساسية محددة، في الدساتير والقوانين والنظم لا يتم مناقشتها، مثلها مثل ثوابت أساسية كالدين والقيم والأخلاق في الإسلام، وهناك متغيرات، تخضع للتجديد والتغيير والمراجعة لكل عصر تطلب مثل هذا التجديد، وفق ما هو جدير بالحاجة الماسة للظروف والتحولات التي قد تطرأ، ونتذكر أنه في العصر الإسلامي أن بعض الخلفاء الراشدين، أوقفوا بعض النصوص الدينية لبعض الظروف الطارئة، أو عند انتهاء الحاجة الماسة إليها، مثل ما أوقف الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سهم المؤلفة قلوبهم، لانتهاء الحاجة لهذا السهم، بعد فتح مكة، ودخول الغالبية العظمى من سكان مكة ويثرب، في الإسلام، لكن هذا التوقيف لا يعني إلغاء هذا النص القطعي، بل يظل قائمًا، إذا دعت الحالة إليه، وهذه حقيقة استجابة للظروف والمتغيرات التي كما تقول مطلب القاعدة الفقهية الشهيرة: (الضرورات تبيح المحظورات)، والقاعدة الأخرى التي تقيدها وهي: (الضرورة تقدر بقدرها)، والإشكال عند البعض أنه ينظر للتغيير لبعض المستقرات الاجتهادية والتجديدية، وكأنها من الثوابت التي لا يجب أن تتغير، أو أن تتبدل، أو يعاد النظر فيها، وهذا مخالفة للواقع الاجتهادي في الإسلام، الذي لا يجب أن نعتبره من النصوص القطعية الثابتة، وهذا هو المعروف عن الاجتهاد، إذ من شروطه ألا يكون من الثوابت الدينية التي لا تتغير، مثله مثل التجديد الذي هو أيضا مطلب شرعي لإعادة مسار النصوص التي طرأت على النصوص الأصلية، أو تحتاج إلى مراجعة للفهم السابق للنصوص الثابتة، كما جاء في أحد الأحاديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): (إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يُصلح لهذه الأمة أمر دينها).

ولا شك أن تجديد الأفكار من أحد المطالب الأساسية، لكل أمة من الأمم، بهدف إيجاد البدائل الإيجابية للتطورات التي تحدث، بما يلبي تطلعات واحتياجات لكل مرحلة من المراحل، وهي تعبر عن ما هو مهم راهنًا، لمواجهة كل الظروف الناشئة عن أهمية تجدد الأفكار التي تسهم في بلورة نظرة جديدة تحتاجها الظروف القائمة. والواقع حقيقة، كما يقول د. سيف الدين عبد الفتاح: «يرتبط مفهوم التجديد بشبكة من المفاهيم النظرية المتعلقة بالتأصيل النظري للمفهوم، والمفاهيم الحركية المتعلقة بالممارسة الفعلية لعملية التجديد. على سبيل المثال: يتشابك مفهوم «التجديد» مع مفهومي «الأصالة والتراث»، حيث يقصد بالأصالة تأكيد الهوية والوعي بالتراث دون تقليد جامد، وتلك المقاصد جزء من غايات التجديد. كما يشتبك «التجديد» مع مفهوم «التغريب» الذي يعبر عن عملية النقل الفكري من الغرب، وهو ما قد يحدث تحت دعوى التجديد».

وقد أشرت في كتابات سابقة إلى أهمية التجديد وضروراته اللازمة، وقلت: إن مهمة التجديد تعد مما يجب أن ينال الاهتمام، كرؤية جديدة أخرى، تعيد النظر فيما استقر من الأفكار التي لم تعد تناسب الظروف أو إذا أصبحت عبئا لما تراكم على التراث من أفكار وآراء كانت صالحة لوقتها، لكنها الآن تحتاج إلى أن تتبلور وتتغير، لا أن تقتصر على فهم خاص أو جانب من جوانب الإشكالات، فيما هو قائم في فكرنا وتراثنا عمومًا، أو ظاهرة حياتية في واقعنا العربي واقتصارها عليه، وإنما التجديد كما جاء في مشروعيته، يرتبط بحاجتنا لأهدافه ومراميه، بصورة جلية وواضحة، وأن تتسم بروح الوعي والنظرة الثاقبة للواقع المعاش، بما يؤسس رؤية جديدة، في إعادة النظر في قضايا مستجدة وملحة، وأصبحت لا تتلاءم وواقع الأمة الراهن، وتجعل مسألة التجديد والتغيير، قضية دافعة إلى حراك فكري متجدد، يستعيد الفهم الصحيح للإسلام وقيمه ورؤيته في المتغيرات والتحولات، والتبصر بعقلية ناضجة وواعية، بما سيكون عليه حاضرنا والتخطيط السليم والصحيح لمستقبلنا، بصورة إيجابية وواعية، وفي الوقت نفسه، لا تحيد عن المرجعية الإسلامية، فيما يطرح من أفكار تكون ضرورية وملحة في قضايا مرتبطة بنظرة واسعة وجديرة بالطرح السليم، لكن مع التمسك بمرجعيتنا الفكرية، علينا أن نتفاعل مع كل جديد يناسب واقعنا وهويتنا، ومن خلال تطورات العصر ومنجزات الحضارة التي نعيشها الآن بتطوراتها العلمية والتكنولوجية، في عالم اليوم.

ومن هنا لابد إعطاء المراجعة والتجديد، دوره المهم والفعال في تحريك الوعي وتجديده، فالحاجة إلى إعادة النظر في المشكلات والأزمات، ومن أهم نتائج تفادي الأخطاء التي تواجه الأمم، إذا ما تمت المراجعة الجدية للواقع القائم بما طرأ عليه من سلبيات، وهذه بلا شك تسهم في تفادي الأخطاء والسلبيات، عند إعادة النظر والمراجعة، وقد أشرت في مقالة سابقة، إلى قاله د. عبد الكريم بكار في كتابه (تجديد الوعي)، من أن: «الأزمات تمنحنا فرصة للمراجعة والنقد، ولوم النفس على ما كان منها؛ وقد أقسم الله -سبحانه- بالنفس اللوامة، لما يوفره اللوم من فرص للتراجع عن الخطأ، وتجديد البنى الفكرية والأساليب والأدوات التي نستخدمها في إنجازاتنا المختلفة. وقد صار من الشائع القول: «إن كل أزمة تمنحنا فرصة إذا كنا في الموقع الإدراكي الصحيح». وإن من شأن الأزمة أن توهن البنى المختلفة، وتخل بالتوازنات القائمة، ولكنها تطلق أيضًا آليات تعويضية، واستجابات جديدة وغير متوقعة، وبذلك تصبح الأزمات فعلًا عامل تطور، ومناسبة لإحراز تقدم جديد».

وهذا هو الأمر الذي يستحق أن نعطيه المجال الواسع من الاهتمام والمراجعة، بل إن التجديد هو حداثتنا العربية الإسلامية، من هنا ننهج الأسلوب والنظرة الصحيحة للتجديد، وأن نراجع واقعنا ونجدد فيه مستلهمين هذا التجديد من تراثنا الكبير، وليس تقليدا من الشعوب الأخرى، فيما سارت عليه من أفكار ورؤى لتغيير واقعها، ولا يمكن أن يتحقق النهوض والتقدم لنا، من تقليد الآخرين، ونجعل أنفسنا عالة عليهم ونقلدهم في سيرتهم الفكرية والعقلية، وهذا التقليد لا يؤسس لتطور، ولا يحقق لتقدم منشود، إنما الذي يجعلنا مبدعين، أن تكون لنا رؤية مستقلة من ذاتنا، حتى نكون ندًا للآخرين، كما فعلت شعوب أخرى، استفادت منهجيًا من الغرب، لكن المنطلقات كانت من واقعها، وليس من الآخر المختلف.