أفكار وآراء

الشرق الأوسط....نعمة الجغرافيا أم نقمتها ؟

01 سبتمبر 2020
01 سبتمبر 2020

إميل أمين كاتب مصري -

هل يمكن اعتبار مصطلح الشرق الأوسط مصطلحا مجردا قائما بذاته أم أنه مفهوم سياسي وتاريخي وجغرافي أوسع بكثير مما يبدو للعيان؟ أغلب الظن أن فكرة الشرق الأوسط، تعني أبعد بكثير من مجرد سياقات جغرافية، سيما وانه يمتد بين منطقة غرب آسيا، ومنطقة شمال إفريقيا، ومنطقة جزر القمر، وشبه الجزيرة العربية، ودول المغرب العربي وإسرائيل وإيران وأفغانستان وتركيا وقبرص.

هنا نحن نتحدث عن اكثر من 20 دولة، جميعها تبدو على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين في حالة تصارع وتشارع، فراق لا اتفاق، مجابهة ومواجهة، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل: هل الغنى والتنوع في هذه المنطقة على مختلف أشكاله، من الحجر إلى البشر، كان نعمة أم نقمة على أصحابها؟ الشاهد انه لا يمكن للمرء أن يقرأ التاريخ بدون خارطة الجغرافيا، كما كان يقول الرئيس الفرنسي الأشهر «شارل ديجول» وعليه فإن الموقع الجغرافي يحدد توجهات ومرتكزات الحديث، ويبين لنا أبعاد الخطوط المتقابلة والخيوط المتشابكة.

تقع منطقة الشرق الأوسط في ملتقى القارات الثلاث إفريقيا وآسيا وأوروبا، فهي توجد في النصف الشرقي من مركز الكرة الأرضية، كما أن الاختلاف بين المسافة في الطرق الثلاثة التي تصل بين دول أوروبا الشمالية وشمال الشرق الأوسط وتصل بين دول أوروبا الغربية والشمال الغربي للشرق الأوسط ضئيلة جدا.

ولعل المياه بدورها تلعب دورا قائما بذاته في طبيعة تكوين الشرق الأوسط، فالمياه الإقليمية الواسعة للشرق الأوسط تمتد لتشكل اشهر البحار كالبحر الأسود وبحر العرب وبحر قزوين والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، كما أن هذه البحار تتصل بالمحيط الهادئ والهندي.

ما الذي تعنيه السطور السابقة؟

باختصار غير مخل يعني أن الشرق الأوسط هو مركز العالم جغرافيا، وهو كذلك همزة الوصل بين قارات العالم القديم، ومسلكه ودربه إلى العالم الجديد.

ولعل أول من تنبه لهذه الحقيقة كان الإمبراطور الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت، ومن هنا كان التفكير في احتلال مصر زمن الحملة الفرنسية، وقطع الطريق على انجلترا في طريقها إلى مستعمراتها في الهند.

أما الرئيس الأمريكي ايزنهاور، فقد نظر إلى المنطقة بنفس العين التي تقدر الأهمية الاستراتيجية للموقع والموضع، اللذين تسببا في واقع الحال في أطماع كافة الممالك والامبراطوريات في أراضيها، ومن هنا رأينا تناوب احتلال المنطقة من الإنجليز إلى الفرنسيين وصولا إلى الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية، وإن كان الأخيران قد جاءا بالقوة الناعمة وليس عبر النموذج الخشن الذي الفته الدول الكبرى في النصف الأول من القرن العشرين.

هل أطماع الأمس في الشرق الأوسط هي نفسها التي تتسبب في ألمه واضطرابه في حاضرات أيامنا؟ يمكن القطع بان هذا الموقع الجغرافي للشرق الأوسط الغني بالهبات الطبيعية جعل من هذه المنطقة مركزا للمواصلات البرية والبحرية والجوية، وجعل منها أيضا جسرا للتبادل الاقتصادي والثقافي بين الشرق والغرب لا سيما بفضل غنى الهبات الطبيعية.

يعن لنا أن نتساءل هل كانت الديموغرافيا أيضا سببا في ثراء الشرق الأوسط؟ حديث الديموغرافيا هو حديث البشر وليس الحجر فحسب، والشرق الأوسط كما يشير الكثيرون تتركز فيه كل عناصر النجاح الإيماني والإنساني، وتاريخه حافل وسط الحضارات البشرية، بل ربما هو من كتب صفحات حضارة الإنسان الأولى.

عند الحديث عن حضارات العالم القديم، نجد أن هناك نصف روائع حضارات العالم القديم موجودة بالشرق الأوسط، فهناك نهر النيل، حيث نشأت الحضارة المصرية القديمة، وهناك دجلة والفرات، حيث الحضارة السومرية العتيقة، وهناك قصص الإنسان الأول.

كان الشرق الأوسط مهبط الوحي للأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، ومن تلك الرقعة الجغرافية انتشرت أنوار الأيمان، وبدأ الوحي الذي شكل الحوار الأول الخلاق بين السماء والأرض، ووجد الأنبياء، وأمن الناس بالرسائل السماوية، وقد كان لذلك أن يدفع الجميع في طريق الأيمان بوحدة التوجه الإنساني.

شهد الشرق الأوسط مولد ثلاث امبراطوريات سادت فترات طويلة من الزمن، وامتدت إلى القارات الثلاث في آسيا وإفريقيا وأوروبا، كالامبراطورية الفارسية (558 ق.م » 330ق.م)، الدولة الإسلامية في أوجهها، والامبراطورية العثمانية بكل ارثها.

كانت اللغة العربية هي لغة الثقافة السائدة في الشرق الأوسط منذ العصور الوسطى، ولا ينكر احد أنها كانت اللغة التي أنارت ظلاما كثيرا خيم على بقاع كثيرة حول العالم، لا سيما في أوروبا القارة الأقرب جغرافيا لمنطقة الشرق الأوسط، والأكثر احتكاكا بسكانه، سلما وحربا، صيفا وشتاء، مدا وجزرا.

يعن للقارئ أن يتساءل: وما الذي جرى لتلك الرقعة الحيوية والاستراتيجية من جغرافية العالم؟

ليس من شك أن الوضع مؤلم، ووقت كتابة هذه السطور كانت وزارة الخارجية الفرنسية تصدر بيان تقول فيه إن الشرق الأوسط أصبح منطقة توترات مرتفعة، وان التصادم في الزحام، أو الاحتكاك في الظلام وارد وبقوة، فقد كانت أساطيل قوى شرق أوسطية عديدة تباشر مناورات عسكرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي تحول إلى منطقة حرب محتملة.

ما هو أصل المشكل، هل البحث عن الثروات الطبيعية، أم الثارات التاريخية، هي السبب في أزمات الشرق الأوسط؟ الشاهد أنها عديدة جدا وتتوزع بين هذه وتلك، غير أن المؤكد هو أن الصراع الأممي القديم حول الشرق الأوسط، يتبدى اليوم ومن جديد، وان في صورة مغايرة عن تلك التي عرفها العالم في القرون السابقة.

كان الشرق الأوسط مستقرا ومستمرا طوال العقود الممتدة من بعد الحرب العالمية الثانية، وصولا إلى العقد الأول من الألفية الجديدة، غير انه ومع زمن «الاضطراب وليس الربيع العربي»، انقلبت الموازين، فعوضا عن الثبات النسبي، باتت المنطقة أرضا لمعارك قائمة وقادمة، وتحول ثراء الجغرافيا من نعمة إلى نقمة، فيما التجانس الديموغرافي استرجع من باطن التاريخ عداوات كنا نظن أنها ماتت، لكن ليس كل ما يفوت يموت إن صح القول.

جزء آخر من أزمات تلك المنطقة مرهون ولا شك بفكرة بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، أو انسحابها منه، فهي لا تزال الوازن الأكبر في المعادلات الجيوسياسية الأممية، وإذا كان حضورها مقلقا، فإن انسحابها أيضا مزعج.

ما الذي يتبقى قوله قبل الانصراف؟ ربما على جميع سكان الشرق الأوسط، من كل الأمم والشعوب والقبائل، ومن كافة الأجناس والأعراق، إعادة قراءة صفحات التاريخ، ذلك أن الحروب كانت طريقا من أجل بلوغ السلام، فهل يترفع صوت العقلاء بتجنب الحرب وإعلاء راية السلم؟.