أفكار وآراء

الأمان الوظيفي والتعليم الجيد !

31 أغسطس 2020
31 أغسطس 2020

د. عبدالحميد الموافي -

إن نظام الأمان الوظيفي، وفق المرسوم السلطاني ( 82/ 2020) يوفر إطارا عمليا منظما ومستداما للتعامل مع العاملين في الشركات والمؤسسات والمشروعات المختلفة في مجملها في القطاع الخاص، وذلك بتأمين نظام لتعويض من يتم تسريحه من العمل لظروف إفلاس الشركة أو انتهاء المشروع كليا أو جزئيا، أو تغيير النشاط، أو غير ذلك وفق ضوابط تشارك فيها وزارة العمل.

في الوقت الذي تتواصل وتتسارع فيه خطوات العمل في العديد من المجالات، ترجمة وتنفيذا للتوجيهات السامية وللمراسيم التي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بإصدارها في الأيام الأخيرة، فإنه من الطبيعي والمفهوم أن تزداد وتتسع أيضا درجة الاهتمام من جانب مختلف شرائح المجتمع بالخطوات التي تم الإعلان عنها، ليس فقط لأن شريحة كبيرة من العاملين في الجهاز الإداري للدولة، بمؤسساته وأجهزته المختلفة، اضطرت إلى ترك وظائفها بشكل سريع، لتترك ساحة العمل الوظيفي، انتظارا لإخوة وأبناء وأحفاد يستعدون للانضمام إلى العاملين في مختلف المواقع خلال الفترة القادمة، ولكن أيضا لأن تلك المراسيم والتوجيهات السامية مست وتمس حياة أعداد كبيرة من المواطنين العاملين في مختلف المؤسسات والهيئات وأسرهم في الحاضر والمستقبل، وهو أمر لايزال يحتاج إلى قدر كبير من التعامل الإعلامي، النشط والمتعدد الجوانب، سواء للإيضاح أو للإجابة على تساؤلات الكثيرين، من أجل شرح ما يتصل بأوضاعهم، وكيفية التعامل المالي معهم، أو سبل وكيفية وخطوات مساعدتهم على تجاوز ما قد يتعرض له البعض منهم لمشكلات أو تعقيدات بحكم أوضاعهم الجديدة.

وإذا كان من المهم والضروري التأكيد على أن الدولة، لم تفكر، ولا تفكر في الضغط أو المساس بأية شريحة من العاملين في الدولة، لأن ذلك غير منطقي، بل على العكس، فإنها تفكر في سبل وكيفية توفير وتقديم خدمات أفضل، وأكثر قدرة على الاستمرارية لكل شرائح المواطنين، في الحاضر والمستقبل، وبرغم كل الظروف والضغوط التي فرضت وتفرض نفسها على الميزانية العامة للدولة، سواء بسبب انخفاض أسعار النفط لفترة طويلة، أو بسبب المشكلات التي فرضتها جائحة كورونا، والتي لا تزال مستمرة منذ أوائل هذا العام، ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا. ولعل هذا الوضع، والتطلع إلى التهيئة لإيجاد مناخ وظروف افضل للعمل والتنمية على الصعيد الوطني، خاصة مع بداية العام القادم، حيث يتم البدء في تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة ( 2021 - 2025 )، والبدء أيضا في تنفيذ الرؤية المستقبلية (عمان 2040)، وضرورة العمل بكل السبل المتوفرة من أجل أن يبدأ ذلك على أرضية صلبة ومرتبة وقادرة على توفير متطلبات الانطلاق إلى الآفاق المنشودة والبناء على ما تحقق في السنوات الماضية، بكل ما يعنيه ذلك من عمليات إعادة هيكلة، وإعادة ترتيب، ووضع برامج ومقترحات وخطط قطاعية وفرعية في مختلف المجالات، خاصة أنه لا تتوفر أية فرصة لإضاعة أي وقت في أي مجال، ولا على أي مستوى، ولعل ذلك كله، وكذلك حرص جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - على توفير كل ما يمكن أن يساعد في الانطلاق العملي نحو الأهداف المنشودة، هو الذي يفرض سرعة الأداء في مجالات وعلى مستويات عديدة في الوقت ذاته، مع كل ما يعنيه ذلك أحيانا من تشابك أمام البعض على الأقل. وفي هذا الإطار فلعله من الأهمية بمكان الإشارة باختصار إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

** أولا: إن المشكلة الاقتصادية، سواء بالنسبة للدول المنتجة للنفط، ومنها السلطنة، أو بالنسبة لأية دولة أخرى، هي في جوهرها مشكلة إنتاج، وليست مشكلة سيولة مالية فقط، بالتأكيد السيولة المالية مهمة وضرورية لتلبية الاحتياجات على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، ولكن تلك السيولة المالية ترتبط في النهاية بمصادر إنتاج ومصادر دخل محددة ومتاحة بالنسبة للدولة، وتختلف بالطبع بين دولة وأخرى. ولأن المسألة ليست طبع نقود - إلا في حالة أمريكا وهي حالة خاصة بحكم إمكانياتها - ولا الحصول على قروض بشكل ما، داخلية أو خارجية، فإن الأمر في النهاية هو مدى القدرة على زيادة الإنتاج في الاقتصاد الوطني، ومدى القدرة على إحلال أكبر قدر من الواردات بمنتجات محلية الصنع، ومدى القدرة على التوظيف الأمثل للإمكانات البشرية المتاحة، ومدى القدرة على توسيع مساحة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لاستيعاب اكبر قدر ممكن من الشباب وطرح منتجات مفيدة، وكذلك مدى القدرة على إحلال القوى العاملة الوافدة بكوادر محلية فعّالة ومدربة جيدا للنهوض بالقطاعات المختلفة، وهذه الجوانب، في مجملها وفي كل قطاع على حدة، تحتاج إلى الكثير من جهود التخطيط وحشد طاقات الشباب بشكل منظم ومفيد وفعّال وفق خطط وبرامج محددة قطاعيا وزمنيا ومتابعتها أيضا لحل أية مشكلات، وللوصول إلى الأهداف المنشودة، وفي هذه الحالة فإن الإنتاج، سواء كان إنتاجا سلعيا ماديا، أو غير مادي، أي في مجال الخدمات، سيولد دخولا بالضرورة، ومن ثم يوفر سيولة تحتاج إليها الدولة والمجتمع، أما الظن، أو الارتكان إلى أن الدولة يمكنها توزيع دخول أو أموال بشكل ما على أبنائها، بدون إنتاج وعمل جاد، فإن هذا أمر غير واقعي، وغير صحيح ومدمر اقتصاديا، لأن السيولة المالية بدون إنتاج مقابل لها، تؤدي فقط إلى زيادة الاستهلاك، ومن ثم التضخم وزيادة الأسعار والحد من القدرة الشرائية الفعلية للمواطن، بفعل التنافس والرغبة في الحصول على الكم المتوفر من السلعة بأثمان مرتفعة بسبب عدم أو قلة الإنتاج.

ومن هنا تحديدا فإنه من المهم والضروري أن تتكاتف وتتعاون كل القطاعات في الاقتصاد الوطني من أجل وضع برامج وخطط إنتاجية، سلعية وخدمية، في الزراعة والثروة السمكية والمعادن والتعدين والنسيج وفي الصناعة والسياحة والخدمات، تعليمية وصحية واتصالات وابتكار وبحث علمي وغيرها من المجالات من أجل التعاون لتحقيق الأولويات الوطنية. وقد يفكر البعض من الشباب في عائدات النفط والغاز، التي تأتي نتيجة التصدير، ولكن هذه العائدات لا تغطي في الواقع سوى جزء من احتياجات التشغيل في المجالات الاقتصادية المختلفة، وتدخل ضمن عائدات الميزانية العامة وتوجه للإنفاق على بنود الإنفاق المختلفة للميزانية وهي عديدة بحكم العجز في الميزانية العامة. ومن المؤسف أن البعض استخدم التلويح بتوزيع عائدات النفط وتوظيفه سياسيا لخدمة أغراض محددة وضيقة الأفق وغير واقعية ولدغدغة مشاعر قطاعات من السكان في مجتمعاتهم في كثير من الأحيان، والأمثلة في هذا المجال معروفة إلى حد كبير. على أية حال يظل الإنتاج المادي والخدمي المفيد والذي يصب لصالح المجتمع هو أداة وطريق النمو والتطور والازدهار للفرد والاقتصاد الوطني والمجتمع أيضا. وهذا هو ما تركز عليه رؤية ( عمان 2040).

** ثانيا: انه إذا كان الإنتاج، ماديا وخدميا، هو بوابة استيعاب أكبر عدد ممكن من الشباب في سن العمل، فإن حرص جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - على العناية بالشباب، الذين يمثلون طاقة المجتمع وذراعه القوية في الحاضر والمستقبل، تجسد في جانب منه في إصدار جلالته المرسوم السلطاني السامي رقم ( 82/ 2020 ) في 17/ 8/ 2020 بإصدار نظام الأمان الوظيفي، وكذلك في إنشاء وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ضمن التشكيل الوزاري الأخير، كما أصدر جلالته توجيهاته السامية بتوفير جهاز حاسب آلي لكل الطلاب الجدد بمؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي 2020 /2021 من أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود. والخطوات الثلاث تلتقي جميعها عند الأخذ بيد الشباب والعمل على توفير أفضل مناخ ممكن لهم للعمل والعطاء والإسهام في جهود التنمية والبناء في مختلف القطاعات، عبر توفير فرص الأمان الوظيفي لهم وعبر توفير افضل مستوى تعليمي ممكن لهم، ومن خلال تضافر الجهود في مجالات الثقافة بتنوعها وتعددها، والرياضة والشباب للارتفاع بمستويات الشباب من مختلف الجوانب وبشكل متكامل ثقافيا ورياضيا ليقوموا بواجبهم الوطني خير قيام.

جدير بالذكر أن نظام الأمان الوظيفي، وفق المرسوم السلطاني ( 82/ 2020) يوفر إطارا عمليا منظما ومستداما للتعامل مع العاملين في الشركات والمؤسسات والمشروعات المختلفة في مجملها في القطاع الخاص، وذلك بتأمين نظام لتعويض من يتم تسريحه من العمل لظروف إفلاس الشركة أو انتهاء المشروع كليا أو جزئيا، أو تغيير النشاط، أو غير ذلك وفق ضوابط تشارك فيها وزارة العمل، حيث يتم تأمين 60 % من راتب العامل أو الموظف الذي توقف راتبه لسبب من الأسباب المشار إليها، ويستمر ذلك بحد أقصى ستة أشهر، أو حتى يتم إيجاد عمل آخر للموظف بالتعاون مع وزارة العمل، وفق مؤهلاته وخبراته والفرص المتاحة للعمل. وبينما يبدأ تشغيل هذا النظام اعتبارا من نوفمبر القادم، بالنسبة للعاملين الذين فقدوا أعمالهم، فإن نظام الأمان الوظيفي سيقوم خلال ثلاث سنوات بتوفير إعانة للباحثين عن عمل، وفق ضوابط وشروط محددة حتى يتم إلحاقهم بفرص عمل، ومن ثم يتم حل مشكلة الباحثين عن عمل، أو الحد منها على الأقل، عبر تلك الخطوات، التي تتضافر لتحقيقها جهود الدولة والعاملين في القطاعين الحكومي والخاص والشركات والمؤسسات في القطاع الخاص المشغلة للقوى العاملة، كما تسهم أنظمة التأمين ضد مخاطر العجز والشيخوخة والوفاة وضد إصابات العمل والأمراض المهنية في تحقيق افضل بيئة ممكنة للعاملين المستهدفين به، أما تمويل النظام فإنه تم تحديده بموجب المرسوم السلطاني رقم ( 82/2020 ) ويقوم على أساس التكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن والمشاركة بين الدولة والمواطنين أيضا.