Untitled-1
Untitled-1
عمان اليوم

1970 إلى 2020 .. ملامح من تطور النظام الإداري للدولة

23 أغسطس 2020
23 أغسطس 2020

التوجهات التنموية شكّلت مرتكزًا للتحديث -

كتب - عماد البليك -

على مدى خمسة عقود من نهضة عُمان الحديثة فإن الجهاز الإداري للدولة شهد تطورًا كبيرًا ومرحليًا، بناء على مستجدات وحاجة كل مرحلة من المراحل، وذلك وفقًا للمقتضيات السياسية والاقتصادية والمجتمعية، بما يواكب المستوى المحلي ويتقاطع مع الاحتياجات والتطور على الصعيد العالمي.

ونجد أن التطورات على الصعيد التشريعي والتنفيذي والقضائي في كل مرحلة جاءت لتتواكب مع متطلبات التنمية التي تمرحلت هي الأخرى وفقًا للنمو الاقتصادي والخطط التي اتخذتها السلطنة في كافة مراحل البناء الشاملة.

ويبدو جليًا أن الأجهزة الحكومية من حيث النسق العام لها وعلاقتها ببعضها البعض وأدوارها هو الملمح الأكثر وضوحا عندما نفكر بشكل عام في موضوع التنظيم الإداري، ونعني بهذه الأجهزة: الوزارات، المؤسسات والهيئات والمجالس واللجان والصناديق الحكومية الخ..... من أي أجسام لها علاقة بإدارة الدولة، بما يعمل على تسريع الأداء وتنفيذ المشروعات وغيرها من وظائف الحكومة.

يشير كتاب «تنظيم الجهاز الإداري للدولة» في نسخته الصادرة 2008 للباحثة أمة اللطيف بنت شرف شيبان إلى أن النطق السامي شكّل مرتكزًا للتوجهات التنموية وجهود التنمية الأمر الذي انعكس على «توجهات السلطنة التنموية وأهدافها والخطط الخمسية للتنمية والتي تتضمن توجهات السلطنة التنموية، حيث انعكست هذه التوجهات على التنظيم الإداري».

وترى الباحثة أن الجهاز الإداري للدولة «شهد تحديثًا شاملًا ومستمرًا تعكسه الجهود المبذولة لاستحداث الأجهزة الحكومية الرئيسة في السنوات الأولى لتولي السلطان قابوس الحكم وتلك الجهود المستمرة والمتواصلة لتطوير الجهاز الإداري من خلال التنظيم وإعادة التنظيم لهذا الجهاز».

الحكومة العصرية

لقد كانت أول وعود السلطان قابوس - طيب الله ثراه - في خطابه السامي الأول في 23 يوليو 1970 بأن يقيم الحكومة العصرية: «إني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحكومة عصرية».

من هنا انطلقت فكرة بناء الجهاز الحكومي الذي بدأ بسيطا ثم تعقد مع الوقت بناء على حاجات المراحل، ومن يعود إلى ما قبل عام 1970 لن يجد أي نوع من التعقيد الإداري، حيث لم يكن هناك سوى جهازين هما: نظارة الشؤون الداخلية ونظارة الشؤون الخارجية، بالإضافة إلى عدد محدود من الدوائر وهي: الشؤون المالية، الجمارك، البلدية، الأوقاف.

لقد كانت ثمة عوامل أساسية في تحديات المراحل الأولى من بناء الدولة، منها نسيج الوحدة الوطنية وترسيخ مفهوم المواطنة وبناء عتبات التنمية الأولى، حيث تكامل ذلك أو تلازم مع تطور الجهاز الإداري للدولة، حيث كان السلطان قابوس يعمل على صناعة عوامل الاستقرار عبر التنمية الشاملة في المجتمع العماني.

ونجد أنه حتى عام 1975 لم يبدأ ما عرف بالخطط التنموية الخمسية، حيث كان التركيز على مقابلة الحاجات الملحة وتهيئة الهياكل الرئيسة المساعدة على تطوير الإنتاج وعلى زيادة الدخل القومي، ومن ذلك ما تم من إنشاء العديد من المستشفيات والوحدات الصحية في مختلف أنحاء البلاد، والتوسع الكبير في المدارس والمعاهد التعليمية، وإقامة مشروعات المياه والكهرباء، وإنشاء مئات الأميال من الطرق الحديثة، وبناء الموانئ الجوية والبحرية، والتوسع في المشروعات الإسكانية الخ...

وقد صاحب ذلك قيام الحكومة بالعمل على تنظيم جهازها الإداري ورفع كفاءته واستكمال التشريعات والأحكام المساعدة على استقرار الحياة الاقتصادية ونموها، وتشجيع ذوي الخبرة والكفاءة من أهل البلاد على العودة إلى خدمة الوطن، كذلك قامت الحكومة بتشجيع النشاط التجاري في البلاد، وساعدت على قيام عدد من المشروعات الصناعية، وقدمت كثيرا من الخدمات الزراعية في صورة مزارع إنتاجية وتجريبية ومراكز للإرشاد الزراعي.

كان ذلك المشهد قد انعكس على بناء صرح الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري الذي سيقود دفة الحكومة، ويهيئ سبل التنمية في خطوة أولى نحو ترسيخ المواطنة والاستقرار، وبدأ العمانيون يتعرفون على الهياكل الحديثة مثل الوزارات والهيئات، وحيث تشكل مجلس وزراء في عام 1970 إلى 1972 برئاسة صاحب السمو السيد طارق بن تيمور والد جلالة السلطان هيثم.

الهياكل الأولى

شهد عام 1971 تكوين وزارة الاقتصاد وعيّن أول وزير للاقتصاد في عمان وألحقت بها كل من دوائر الزراعة والصناعة والثروة السمكية والجمارك والموانئ، هذه الدوائر التي كانت في جسم واحد أصبح بعضها بعد سنوات وجيزة، وزارات بحالها، وقد كان السلطان قابوس يركز في الفترة الأولى على إدارة حكيمة للمنصرفات نسبة لمحدودية دخل الدولة.

بالمقابل وفي تلك الفترة كانت قد أنشئت وزارات مختصة كالشؤون الاجتماعية، والعمل والخارجية والتربية والتعليم والمالية والدفاع والداخلية والعدل والأوقاف والأراضي والمواصلات والخدمات العامة، وهي هياكل كانت ضرورية لارتباطها بمفاصل مهمة في نسج مفهوم الدولة وترسيخه.

بالإضافة إلى هذه الوزارات فقد أنشأ السلطان قابوس في تلك الفترة الأولى، مؤسسات هدفها الأساسي التنمية والتخطيط، تمثلت في: دائرة التنمية والتخطيط، ومجلس المناقصات، والمجلس المؤقت للتخطيط، كللت هذه المؤسسات الاستشرافية بالمجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي الذي ترأسه السلطان قابوس وأعلن عنه بمرسوم في 27 سبتمبر 1972 وكان ميلاد هذا المجلس حلقة مهمة وضرورة مستقبلية مبكرة، حيث إنه تولى وضع سياسة الدولة في مجال التخطيط الاقتصادي والإنمائي والمرتبطة بتحقيق أهداف تنويع وتوزيع موارد الدخل الوطني في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، ووضع خطة اقتصادية إنمائية شاملة للبلاد، حيث تولى ابتكار ورسم وتحديد سياسة الدولة للتخطيط الاقتصادي والإنمائي.

بعد خطوة الإعلان عن المجلس المشار إليه تحديدا في 17 نوفمبر 1973 ظهرت أول وزارة عمانية مختصة بالتنمية، أوكلت إليها مهام هيئة التنمية العامة التي كانت تابعة للمجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي، وباشرت هذه الوزارة الوليدة الإشراف على عمليات التخطيط الإنمائي حيث تولت التحضير لأول خطة خمسية تنموية شاملة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي التي بدأ العمل بها في 1976.

من الجدير بالذكر الإشارة إلى أنه كان هناك انتباه مبكر إلى قضية مورد النفط وكونه ليس دائما، فقد أوصى مجلس التنمية في قرار بتاريخ 9 فبراير 1975، بالآتي: «يجب ألا يغيب عن بالنا أن النفط ثروة طبيعية مآلها إلى النفاد، وبناء على ذلك فهي ليست حقًا للجيل الحاضر وحده وإنما هي رأسمال يجب أن يستثمر لمصلحة جيلنا الحاضر والأجيال المقبلة كلها» إلى: «فمن المتعين علينا أن نتخذ جميع الأساليب والوسائل اللازمة لاستخدام الموارد استخداما رشيدا، يدعم نهضتنا ويؤكد مستقبلنا»، وكان قد صدر في فبراير 1975 قانون التنمية الاقتصادية.

1975 .. القانون الأول

كان عام 1975 مفصليًا في إحداث أول تطوير واضح في الجهاز الإداري للدولة بصدور قانون تنظيم الجهاز الإداري للدولة في 28 يونيو من ذلك العام، بالرقم 26/‏‏ 75، حيث مثّل ذلك التشريع المُوجه للإدارة الحكومية عمومًا إلى صدور النظام الأساسي في عام 1996 الذي جرى تعديله في عام 2011.

وقد قصد ذلك المرسوم بالجهاز الإداري للدولة «مجلس الوزراء، والوزارات وما يتبعها من أجهزة إدارية وفنية، والمجالس المتخصصة وما يتبعها من أجهزة إدارية وفنية، وأي وحدات تنفيذية أخرى تستمد سلطاتها من الدولة»، كما أكد في مادته الثانية الآتي: «تصدر القوانين والمراسيم من جلالة السلطان، وتكون هذه القوانين والمراسيم قانون البلاد. وتنشر القوانين والمراسيم في الجريدة الرسمية للدولة، وتكون سارية من تاريخ نشرها أو من أي تاريخ لاحق محدد فيها، وتكون ملزمة من تاريخ نفاذها».

وقد تم تعريف مجلس الوزراء بأنه «السلطة التنفيذية العليا للجهاز الإداري للدولة، وهو مسؤول على وجه الخصوص عن المهام التالية، تنفيذ السياسات التي يقرها جلالة السلطان، تقديم المشورة إلى جلالة السلطان في الأمور الاقتصادية والسياسية والتنفيذية والإدارية التي تهم حكومة السلطنة، رعاية مصالح المواطنين وضمان توفير الخدمات الضرورية لهم ورفع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي والصحي والثقافي، وضع السياسات والإجراءات اللازمة لحسن استخدام الموارد المالية والاقتصادية للبلاد ولتنمية الاقتصاد الوطني، اقتراح القوانين والمراسيم السلطانية، متابعة تنفيذ قانون البلاد وضمان الالتزام بأحكامه، متابعة أداء الوزارات وسائر وحدات الجهاز الإداري للدولة لواجباتها واختصاصاتها والتنسيق فيما بينها، مناقشة اقتراحات الوزارات وسياساتها في مجال تنفيذ اختصاصاتها، خدمة مصالح البلاد في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمل على صيانة وتعزيز الأمن القومي وتحقيق العدالة بين المواطنين واستقرار البلاد وسيادتها ووحدة أراضيها».

هناك نقطة جديرة بالنظر وهي أن تطوير الجهاز الإداري في السلطنة ارتبط بالمفهوم التنموي والتخطيطي، وهذا أمر مفروغ منه، لكن في بعض الدول تخضع أحيانا عمليات التطوير هذه لتغيير ما، أي مشروعات استراتيجية أو رؤى بعينها.

الرؤية 2020 والرؤية 2040

إذا كان عام 1975 قد شكّل بداية الخطط الخمسية وتطوير الجهاز الإداري، لمرحلة جديدة، فإن عام 1996 الذي شكّل بداية الاستراتيجية التنموية الممتدة إلى 2020 التي تنتهي هذه السنة وعرفت بـ«الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني: عمان 2020»، كان ذلك العام قد شهد مع ميلاد النظام الأساسي تبني الدولة العديد من السياسات لتطوير الجهاز الإداري وتحديثه ليواكب مرحلة تنموية جديدة، وفق الرؤية المطروحة التي وضعت على رأس الأولويات التحول إلى الاقتصاد المستدام والمتنوع وضمان استقرار دخل الفرد ومضاعفة الناتج المحلي.

إن طبيعة التنظيم الإداري طالما خضعت لعمليات الدمج والإضافة أو العكس طوال خمسين سنة من خلال معايير العصر لكل مرحلة والاحتياجات الزمنية، إلى أن دخلنا اليوم في عهد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، مرحلة تنفيذ الرؤية المستقبلية «عمان 2040» التي من خلالها يتشكل النسيج الجديد للهيكل الإداري للدولة عبر مجموعة من المراسيم التي صدرت مؤخرا، لتعيد رسم الوزارات وتعريفها عبر هياكل جديدة، كذلك إعادة تشكيل مجلس الوزراء، بيد أن المعنى الأوضح يتجلى في المشروع الذي أطلقه جلالة السلطان في خطابه السامي في 23 فبراير 2020 بأن يعيد هيكلة جهاز الدولة بشكل عام بحيث يكون أكثر رشاقة وتلبية للمرحلة المقبلة، أيضا يقوم على استيعاب الطاقات الشبابية والإدارة العصرية والذكية، بما يساعد فعليا في تحقيق الرؤية المستقبلية لعقدين مقبلين.

بالرجوع إلى المرسوم رقم 75/‏‏ 2020 في شأن الجهاز الإداري للدولة، الصادر 12 أغسطس 2020 الذي مهد للتغييرات الأخيرة، نجد أن هذا المرسوم قد ألغى مرسوم عام 1975 رقم 26 بشأن إصدار قانون تنظيم الجهاز الإداري للدولة، كذلك ألغى المرسوم السلطاني رقم 116 لعام 1991 بإصدار نظام الهيئات والمؤسسات العامة، ليدخل إلى مرحلة جديدة تواكب المستجدات بعد 45 عاما من ذلك القانون المنظم للهيكل الإداري.

ونجد أنه فيما كان مرسوم 1975 قد شمل 24 مادة، مقسمة على 5 فصول للجهاز الإداري للدولة، منها مجلس الوزراء والمجالس المتخصصة والوزارات ومجالس التشريع، فإن مرسوم 1991 احتوى على 6 مواد وكان حول نظام الهيئات والمؤسسات العامة، حيث أوضح بأن تنشأ الهيئات العامة والمؤسسات العامة بمرسوم سلطاني، وتكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري في حدود هذا النظام والمرسوم الصادر بإنشائها، وتعتبر من وحدات الجهاز الإداري للدولة، وتخضع لإشراف الجهة التي يحددها مرسوم إنشائها.

الهيكل الجديد

وقد تم تعريف المقصود بالجهاز الإداري للدولة في المرسوم الأخير رقم 75/‏‏ 2020 في شأن الجهاز الإداري للدولة، كالآتي: «الوزارات والأجهزة العسكرية والأمنية، والمجالس وغيرها من الوحدات التنفيذية، التي تستمد سلطتها من الدولة، أيا كان اسمها، ويشمل ذلك الأشخاص الاعتبارية العامة القائمة على إدارة مرفق خدمي أو اقتصادي، كالهيئات العامة والمؤسسات العامة».

ويتكون بحسب المرسوم الجهاز الإداري للدولة من «وحدات مركزية كالوزارات والأجهزة والمجالس، وما في حكمها، ومن وحدات لا مركزية، كالهيئات والمؤسسات العامة وما في حكمها». ويتضمن المرسوم بشكل مفصل هيكلة الوزارات والأجهزة والمجالس والهيئات والمؤسسات العامة.

إن هذا النظام الإداري في هيكلته الجديدة بما تضمن من تغييرات وإعادة تنظيم لهيكل الدولة بشكل عام يأتي ليصب في إطار تحقيق الأهداف السامية من خلال برنامج الطموح المستقبلي في تلبية العديد من المسائل من تحديث منظومة التشريعات والقوانين وإعلاء قيمة العمل وقضايا الحوكمة والنزاهة، وغيرها من الرؤى التي أشار لها جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في خطابه السامي في 23 فبراير، بما يخدم «ضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤية السلطنة وأهدافها»، ويلبي أهداف التنمية المستقبلية الشاملة، عبر تطوير الأداء ورفع الكفاءة للجهاز الحكومي لتمكينه من الإسهام الفاعل في المنظومة الاقتصادية وصناعة الغد المشرق، كل ذلك يجب ربطه بالرؤية المستقبلية «عمان 2040» واستدامة الاقتصاد والأهداف الوطنية الكلية في هذا الإطار.