الثقافة

النادي الثقافي يناقش تحديات الإعلام الثقافي ومستجداته في ظل الوسائل التقليدية والرقمية

17 أغسطس 2020
17 أغسطس 2020

  • - استعراض دراسات وتجارب دولية وتحليلها من قبل متخصصين في الجانب الإعلامي والثقافي

تغطية: خلود الفزارية

انطلقت صباح أمس جلسات مؤتمر "الإعلام الثقافي.. آفاقه ومتغيراته" عبر تطبيق زووم، مع بث مباشر في اليوتيوب، بمشاركة عدد كبير من المثقفين، والمهتمين بالجانب الثقافي والإعلامي.

وافتتح المؤتمر الإعلامي يوسف الهوتي الذي استضاف الدكتور عبيد الشخصي ليلقي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، وأشار الشقصي إلى أن ثقافات الشعوب وَصَلتنا من خلال وسائط إعلامية بمفهوم تلك العصور، فلولا الشعر العربي القديم لغابت عنا الكثير من تفاصيل ثقافة وحياة العرب القدماء، مبينا أن الدراسات تؤكد بأن الإعلام اليوم بجميع تقنياته وتطبيقاته الحديثة أصبح مصدرا خصبا لنقل الثقافة وتعزيزها وزعزعتها وتشويهها وطمسها وتأكيدها، فالثقافة التي يقدمها الإعلام تنقل عبر انتماء المؤسسة الإعلامية التي تصدرها وعبر فكر الكاتب وعين المصور وإبداعات المخرج والمحرر وأهواء وميول المدون والمغرد.

واختتم كلمته بأن تنظيم مؤتمرات كهذا الذي نفتتح جلساته لتدارس حركة التأثير والتأثر القائمة بين الإعلام والثقافة أصبح مطلبا ضروريا نظرا للتغيرات المتسارعة لتقنيات الإعلام.

وجاءت الجلسة الأولى من المؤتمر تحت عنوان "آفاق الإعلام الثقافي ورؤاه" أدارها الكاتب هلال البادي، بورقة الدكتورة أمامة اللواتية التي تناولت دراسة وصفية وتحليلية في مضامين مجلة شرق غرب الثقافية، حيث أشارت إلى أنه بعد مرور ما يقارب خمس سنوات على إصدار مجلة شرق غرب العمانية، كانت الهيمنة للموقع الإلكتروني، حيث استقطب الموقع العديد من المشاهدات خاصة من دول المغرب العربي، كما تطرقت إلى أهم الموضوعات والقضايا التي تناولتها المجلة والأشكال الصحفية التي عبرت من خلالها عن مضامينها الفلسفية والثقافية. معتمدة في دراستها على المنهج الوصفي التحليلي، إلى جانب المقابلة مع القائم بالاتصال للإحاطة بالظروف والدوافع وراء تأسيس هذه المجلة، وكيف انعكست أفكار القائمين بالاتصال على مضامين المجلة واتجاهاتها الفكرية. وتوقفت اللواتية عند السياق الثقافي الذي نشأت فيه المجلة والصعوبات والتحديات التي تواجهها، إلى جانب تأسيس المجلة لموقعها الإلكتروني الذي يمكن تصنيفه حسب دراسة سابقة قامت به الباحثة ضمن أفضل المواقع الثقافية الإلكترونية في السلطنة. وخلصت اللواتية إلى أن هذا المشروع الثقافي الفلسفي يتناول عددا من الأشكال الصحفية والفنون التي توظفها المجلة، كما أنها في دراستها تخاطب القارئ المثقف وليس القارئ المتخصص، وتأتي القضايا الفلسفية على قائمة القضايا التي توجه المجلة فكريا، بحيث يعكس الاتجاه الفلسفي ثقافة واهتمامات المؤسسين والقائمين بالاتصال، مؤكدة أن المجلة تعتمد على فنون صحفية محدودة في مخاطبتها للقارئ.

وتناولت الورقة الثانية من الجلسة "برامج الإعلام الثقافي وخصوصية المحافظة على الهوية الثقافية العربية في ظل العولمة"، وقدمها الدكتور محمد الصافي من المغرب الذي أوضح بأن الإعلام يساهم بدرجة كبيرة في نقل الثقافة بين مختلف أفراد المجتمع والتعريف بالتراث الثقافي المادي واللامادي، فهو يعمل كهمزة وصل في الربط بين الثقافة والجمهور من خلال توظيف مختلف الفنون التحريرية والبرامج السمعية البصرية، كما يؤدي الإعلام وظيفة المحافظة على ثقافة المجتمع من الاندثار والغزو الثقافي ويعمل على تدعميها وغرسها في عقول الأفراد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يسهم إلى حد كبير في التعريف بالخصوصيات الثقافية لدى الشعوب والثقافات الأخرى، وقد ظهر مؤخرا الإعلام الثقافي المتخصص الذي يوجه مضمونه كلية إلى جمهور متخصص ورسالته ثقافية محضة، في مقابل ذلك كانت وسائل الإعلام في السابق تخصص حيزا محدودا للبرامج والنشاطات الثقافية.

ويبين الصافي أن برامج الإعلام الثقافي في وسائل الإعلام المختلفة تعد مصدرا من مصادر المعلومات والتربية والتثقيف، خاصة ونحن نعرف أن السامع أو المشاهد أو كليهما يقضيان ساعات أمام أجهزة الإعلام المختلفة خاصة التليفزيون، وساعات المشاهدة هذه تختلف من فئة عمرية إلى أخرى، كما أن تأثيرات البرامج تختلف كذلك حسب فئات وأعمار وثقافة المتلقين، وكلما تمت العناية بالبرامج المقدمة لتكون ذات صفات تربوية وتثقيفية هادفة كلما تمتع الفرد بحصيلة معرفية أكبر، ولما كان الأطفال والناشئة يقضون وقتاً طويلاً أمام التليفزيون الذي يعتبر أهم وسيلة من وسائل الإعلام الثقافي، فإن هذا الجهاز يشارك الأسرة والمدرسة في تكوين الاتجاهات والآراء والسلوك والقيم للأفراد منذ نعومة أظفارهم، بل ربما يتفوق على الأسرة والمدرسة في معظم تأثيره لما فيه من صوت وحركة وألوان، فتنشأ حاجة للتدقيق فيما يتم بثه من هذه البرامج المحلية والعربية وعلى وجه الخصوص الأجنبية، حتى تتحقق الأهداف المجتمعية وأهداف خطط التنمية والتطوير.

منوها أن البرامج الثقافية هي البرامج المتخصصة في الثقافة يضاف إليها برامج الثقافة العامة، لذا بات من الضروري أن تكون البرامج الثقافية ذات مضمون وشكل ثقافي، فربما يقدم البرنامج الثقافي في شكل غير ثقافي فلا يثير اهتمام المتلقي المثقف أو غير المثقف ولا يرى فيه برنامجا ثقافياً، فينظر إلى البرنامج الثقافي من حيث المضمون والمفهوم والهدف والنواحي الفنية التي يقدم بها.

من جهة أخرى أشار الدكتور محمد الصافي إلى أن البرامج الثقافية في الإذاعة والتليفزيون لا تنفصل عن السياسة الثقافية العامة التي يرسمها القائمون على الإعلام والثقافة، فهذه البرامج مشروع ثقافي متكامل ومتداخل ينبغي السيطرة على كل جوانبه، إذ إن الإذاعة والتليفزيون لهما دور حيوي في تكوين المواقف والآراء وتوجهات الأفراد والجماعات، علاوة على الغايات العلمية والتعليمية والتثقيفية والتدخل في النشاط الثقافي العام للمجتمع ومحاولة التغيير والتوجيه من خلال وسائل الإعلام وأهمها الإذاعة والتليفزيون، وكي تكتمل الفائدة المرجوة فإن الإعلام الثقافي وكل نشاط إعلامي لا بد أن يكون نتاج تخطيط يستهدف تنمية الفرد والمجتمع، فالأمر ليس تلقائياً أو ميكانيكياً، ولا يترك للاجتهاد من قليلي الخبرة ولو حدث ذلك ستكون الآثار السلبية أكثر ويصعب التراجع عن الخلل الحادث. مضيفا أن الهدف من البرامج الثقافية أن لا يظل الفرد مجرد أداة عمل وإنتاج، ولكن إلى جانب ذلك أن يكون التفكير الحر والوعي جزءا من هذا العمل، وهي تشكل أساسا جماعيا للفرد بشعوره أنه ينتمي إلى جماعة بشرية ذات أسس وقيم وأفكار وأنماط حياة محددة، وبالتالي هو ليس وحيدا في بيئته، ثم تأتي هذه البيئة الثقافية الموحدة لتساهم في إكسابه القيم الجمالية والأخلاقية والدينية، مما يدعو إلى تكيف الفرد مع الجماعة وتزويده بالخبرات السابقة. وتهدف هذه البرامج إلى نقل العلوم والمعارف بشكل مستمر يتلاءم مع التطور العلمي والتقني، أما النواحي الفنية للبرامج الثقافية فهي الشكل الذي يقدم فيه المحتوى الثقافي بما يعطي هذه البرامج سمة مغايرة وتميزا عن غيرها من البرامج.

ويوضح الصافي أن العديد من البرامج الثقافية تضمنت مواضيع متنوعة المضامين والأشكال، بدءا من المواضيع المعنية بالثقافة الرفيعة إلى الثقافة الخفيفة عبر مختلف أشكالها كالسينما والمسرح والموسيقى والغناء والفن التشكيلي والرقص، كما ساهمت بعض البرامج المنوعة في نقل القيم وأنماط السلوك الإيجابية وبأشكال فنية مختلفة، وكان للجوانب النقدية في شتى الفنون المذكورة نصيب جيد، لكن كل ذلك ظل مرهوناً بعدد ضئيل من القنوات الفضائية العربية. يضاف إلى ذلك أن البرامج الثقافية التي تستهدف فئات مختلفة من المشاهدين بمختلف أصنافها وفي جميع مراحل إنتاجها وعبر أشكال إبلاغها ليست بمعزل عن هذه التحولات وأبعادها، فهي تدخل في صلب الصراع الإعلامي الثقافي وأنها وثيقة الصلة بالمقومات الأساسية لهوية المشاهد العربي وبناء شخصيته ووعيه وأفق مستقبله، كما أنها إحدى مصادر التنشئة الاجتماعية نظرا لطول الوقت الذي بات يقضيه المشاهد أمام شاشة التلفزيون.

واختتم ورقته بالإشارة إلى أن انطلاق الإعلامي والمثقف من وعيه لطبيعة مكونات هوية أمته التي ينتمي إليها وقناعته بهذه المكونات، يشكل له خطة وخطاب الدفاع عن الهوية وبرنامج العمل والفكر والإبداع والانطلاق ليعمل من خلال الإعلام وغيره على تحصين ثقافة أمته ضد التيارات الثقافية الدخيلة، وإكسابها مناعة قوية ويدعوها لمنطلقات تجديدية مدروسة تفتح آفاق المستقبل والفكر والوعي، والأخذ من الثقافات ما يناسب هوية الأمة للتحسين والتطوير دون انغلاق على الذات أو استسلام إلى الآخر.

وعليه فأهمية الإعلام الثقافي تتزايد يوما بعد يوم نتيجة الحركية الثقافية الكبيرة التي تعرفها المجتمعات والتنوع في الأشكال الثقافية المكتوبة والشفوية والمسموعة والمرئية وغيرها، فالإعلام هو الناقل الحقيقي للثقافة بين المجتمعات وبين أفراد المجتمع الواحد ومن جيل لآخر، خاصة في ظل العولمة المتنامية فإن الحاجة لهذا النوع الإعلامي تبقى أكثر من ضرورية لتمتين العلاقات الاجتماعية وترسيخ القيم والسلوكيات الثقافية داخل المجتمع، وهو ما يتطلب مراجعة الخارطة الإعلامية لدعم الإعلام الثقافي ماديا عبر إنشاء قنوات ناقلة للثقافة وتشجيع الأعمال والإبداعات الثقافية، والاهتمام بالنخب المثقفة بدل تهميشها وإقصائها، والرفع من حصة المنتوج الثقافي في وسائل الإعلام المختلفة.

واختتمت الجلسة الصباحية لليوم الأول من المؤتمر بورقة "الإعلام والهوية الثقافية" لأيمن دراوشة من الأردن، الذي ناقش دراسة أجراها قبل جائحة كورونا وحاول أن يسقط تلك الدراسة عبر ما يعايشه الأفراد في ظل الجائحة، وقد جاء في دراسته أنه مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها قد أصبحت الوسيلة الأكثر انتشارًا واستخدامًا في العالم العربي بشكل خاص والعالم الغربي بشكل عام، ويعود ذلك للخدمات الهائلة التي تقدمها تلك الوسائل والتطبيقات لمستخدميها، وأصبح من المتعارف عليه أن الإنترنت أضحت الوسيلة الاتصالية الأكثر انتشارا في الأوساط الاجتماعية في المناطق العربية والعالمية على حد سواء، وذلك لتعدد الخدمات التي تتيحها، والتطبيقات التي توفرها للمستخدم، هذه الثورة الهائلة في مجال الإلكترونيات ساهمت بدور كبير في تغيير المشاهدة والاستماع والتعارف من الطرق التقليدية إلى الطرق المطورة بوجود الموبايل والصوت والصورة والمحطات الفضائية التي تجلب كل الأخبار من شتى أنحاء العالم.

مبينا أن هذا التغيير في أنماط الوسائل الإعلامية والحصول على المعلومات بسهولة ويسر طرح العديد من الإشكاليات التي طغت على إيجابيات تلك المخترعات المذهلة، بعد تحول العالم كله لثورة الاتصالات، و تكمن الآثار السلبية بتحول الفرد من الواقعية إلى الافتراضية، فهناك الأسماء المستعارة والأرقام السرية والصور والآراء سواء كانت منطقية أو غير منطقية والتحرر من الحضور الجسدي والمكان لتنوب عن هذا الحضور والمكان، وتخطت هذه الاستحداثات الاتصالية السمات الفردية للشخص؛ ليحدث التواصل مع أفراد يصنعون أسماءهم ويختارون صورهم وشهاداتهم وحتى ألقابهم عبر مصطلحات وهويات افتراضية، مضيفا أن عالم الإنترنت فتح أبوابا جديدة فرضها بقوة على الفرد، فبعد تجاوز الهوية الواقعية تمَّ استحداث الهوية الافتراضية، وحسب أهواء وميول الشخص لهوياته المتعددة، وإدارتها بكل إتقان ومراوغة، ومن أهم الفضاءات في عالم الثورة الإلكترونية ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، حيث أعداد المشتركين تتزايد يوما عن يوم سواء بالفيسبوك أو توتير أو واتس أب أو فايبر وإيمو وتانغو وتطبيقات هائلة أخرى لا حصر لها.

إن الحديث عن الفيسبوك بوك -على سبيل المثال- لا يعد ترفًا لما يتيحه هذا التطبيق من خدمات جمة كالتعارف وتبادل الآراء والمعلومات والأخبار والفيديوهات والصور، وكذلك إنشاء الصفحات والمجموعات متعددة الأغراض، بل وللدعاية أيضا بعد أن تقلصت أدوار الصحف والمجلات الورقية، وأصبحت مواقع التواصل سيدة الموقف بكل ما بالكلمة من معنى، فتفرع الشبكات وتنوع مزاياها جعلا المشتركين يبحثون عن الشيء الناقص في شبكة ليجدوه متوفرًا في شبكة أخرى، وهذا مؤكد مفيد جدًّا للمستخدم وسرعة الإنجاز، ولذلك أصبحت مسألة الهوية تحتل الصدارة في النقاشات الاجتماعية اليومية، وهي مسألة ليست حديثة، بل مسألة قديمة مرتبطة بالوجود البشري وأصالته.

ويوضح دراوشة أن هذه العوالم الافتراضية نسفت كل ما هو تقليدي بمخترعات جديدة للتواصل البشري الإنساني مخضعة إياه لعنصري المكان والفضاء؛ لتتجاوز العلاقات الاجتماعية الحدود الجغرافية والمكانية والزمانية بمخترعات جديدة للتفاعل والتواصل البشري، وسواء كان امتدادا أو نقيضا للواقع، يشكّل هذا الحضور الرمزي الافتراضي فضاء للتعبير عن الذات الأصلية والأنا الداخلي الحقيقي، بعيدا عن إكراه الواقع وحدوده، فالفضاء الرمزي، وبما يميزه من لا مركزية وسعة وحرية، هو فضاء للانكشاف الحر غير المقيّد، يسمح للفرد بالتفاعل والتواصل من وراء حجب الشاشات الصغيرة بطرائق متعددة، فالهوية هي علاقة الأنا بالأنا من ناحية، وعلاقته بالآخر من ناحية ثانية، سواء كان هذا الآخر فرداً، أو دولة، أو أمة، والهوية من هذا المنظور ليست معطى ثابتاً جامداً مغلقاً على نفسه، بل هي علاقة متفاعلة ديناميكية تسمها حركة المد والجزر في تفاعلات الأنا المتغير مع الآخر المتغير أيضاً. وهي المحصلة التي يرسمها الفرد عن ذاته، انطلاقاً من خبراته البيوغرافية، واللحظية، التي ينطلق منها في إقامة علاقات تفاعلية مع الآخر على أنه ذات مختلفة عنه، للقيام بأفعاله وبناء استراتيجياته الخاصة، ويتعذّر تصور الهوية والثقافة بوصفهما مفهومين واقعيين منفصلين، وما تقسيم الهويات إلى هوية ثقافية وأخرى اجتماعية وأخرى شخصية، إلَّا لأغراض التحليل المنهجي، وفق معايير لا تعدو أن تكون افتراضية، تُقيم حدودا رمزية لجوهر واحد هو كينونة الإنسان بوصفه كائنا اجتماعيًّا وثقافيًّا.

مبينا أن تقنية الاتصال استحدثت الكثير من المفاهيم والممارسات، وأحدثت تغيراً ثقافيًّا على العديد من المستويات العلمية والتربوية والاجتماعية وغيرها، مستحدثةً فضاءً افتراضيًّا، وعلاقات افتراضية، وجماعات افتراضية، وكذا هويات افتراضية، فالهوية الافتراضية هي مجموع تمثُّلات الشخص لذاته كفرد مستقل بذاته، وككائن له وجوده في العالم الافتراضي –شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك-، وطرائقه في التواصل مع الآخرين ومع المجموعات الاجتماعية الافتراضية، وتجاربه وتفاعلاته الافتراضية عبر الفيسبوك، حيث تعد مرحلة الشباب من أهم مراحل الحياة، وهي تسجل أثرها لكونها أكثر رسوخاً في ذاكرته، ولما تتميز به من خصائص نفسية واجتماعية حاسمة، إذ تعد، وبلا منازع، مرحلة البحث عن الهوية وإثبات الذات، وتعزيز المركز لتكوين الأهداف والمبادئ والطموحات، إذ تُشير التقارير إلى أن الشباب بين سن 15 و 24 سنة يقعون تحت ضغط الإحباط والتوقعات التي تُحدثها بشكل جزئي مؤثرات الإعلام والتكنولوجيا والديناميكيات التحولية في البنى الأسرية، وبهذا يعيش الشباب حالة من عدم الاستقرار النفسي، عالقين بين عالمَين أحدهما واقعي لا يلبي احتياجاتهم، والآخر افتراضي يتشرَبُونه عبر آليات التكنولوجيا المتعددة. وتمثل وسائل الإعلام الجديدة وشبكة الإنترنت أهم متغيرات هذه المعادلة، إذ يمثل الشباب الجمهور الأساس لوسائل الإعلام الجديدة، حيث تؤكد الكثير من الدراسات أن فئة الشباب هي الفئة الأكثر استخداماً للإنترنت، لما تتميز به من مغامرة وإثارة وفضول، كما أنها الفئة التي تحاول التمرد على المجتمع وتبني الجديد ومحاولة التأقلم معه، بل في بعض الأحيان الانسلاخ مما هو موجود، والبحث عمَّا يأتي من الغير ومن وراء البحار، فكثرة استخدام الإنترنت تؤدي إلى الإحساس بالعزلة وبالانسلاخ الثقافي والحضاري والاجتماعي، بحيث إن الشباب يعيش في عالم آخر عبر الإنترنت يكون بعيدا كل البعد عن عالمه الحقيقي أو الواقعي، وهذا ما يؤدي إلى نوع من الانفصام وضعف مهارات الاتصال الاجتماعي، والانسلاخ في الواقع عن النسيج الاجتماعي الذي يعيش فيه الشاب.