نوافذ: أزمنتنا مقيدة
لذلك من لم يروض نفسه على مساحات محدودة في حياته، فإن وقع المعرفة المتأخرة بعد ذلك مؤثر، وعلى درجة كبيرة من العذاب النفسي، أما من أوتي الحكمة، وقر يقينا بهذه المحدودية في الحركة فإن حاله سيكون أفضل بكثير من غيره، ولذلك فهناك عذابات لا يستشعرها إلا الكبار دائما، وهم الذين وصلوا إلى هذه الحقيقة، ولأنهم وصلوا متأخرين، فمأساتهم أكبر، ولذلك تنهمر دموعهم، ولا تشرق مباسهم كثيرا، وقد يلومهم على ذلك من لم يدر حقيقة القصة، وهي قصة طويلة، وفصولها متعددة، ومن يلوم اليوم، سيجد نفسه غدًا في الموقف نفسه، فالحياة لا تهدي دروسا مجانية، فلا بد من أن يكتوي كل منا بمرارة دروس الحياة، ليتعلم شيئا مفيدا، والمشكلة هنا، أن هذه الدروس تأتي متأخرة جدا «في الوقت الضايع» كما يقال، والمشكلة الأخرى أنه حتى لو حاول من هم استوعبوا هذه الحقيقة في وقتهم الضائع، فإن تصديرهم لتجرتهم هذه إلى من بعدهم لن يكون له ذلك القبول، وسقيما ذلك على أنه نوع من المبالغة في المواقف، وعلى أنه نوع من ضيق الأفق، لأن الفهم السائد أن الحياة بها متسع أكبر، وأنه كل ما يحيط بنا هو ملكنا المطلق، نكيّفه كيفما نريد، وكيفما يحلو لنا، وفي أي وقت نريده كذلك، كما يردد اليوم «الأمور طيبة».
استوقفني نص جميل ينسب إلى «مها حلواني» تم تداوله قريبا عبر صفحة الـ«واتس آب» يقول النص -بتصرف- أنه كان أحد البائعين ينادي: «يلي عندو سعادة .. يلي عندو فرح .. يلي عندو حزن .. يلي عندو دمعات قديمة للبيييييييع ...!!» فتقول الكاتبة على لسان أحد الأطفال: «أحب الباعة المتجولين .. أسرعت لأمي وقلت لها أنّ عندي ضحكتين قديمات أريد بيعهما، قالت لي افعل ما يحلو لك، اتجهت للبائع وصرخت له: يا عم يا عم بكم الضحك اليوم..؟ قال لي : ضحكة الطفل بليرة، وضحكة العجوز بألف، وعلى حسب العمر نشتري، دهشت من فرق السعر وأخبرته:يا عم الضحكُ ضحكٌ .. لم فرق الأسعار .. ؟ قال لي: يا صغيري ضحكة الكبار نادرة، هذا سبب غلاؤها (...)».