٣٣٣٣٣
٣٣٣٣٣
الثقافة

الممثل السوري فراس إبراهيم لـ "عُمان الثقافي": توقفت لكي أرمم نفسي.. وعدت بنظرة مختلفة لكل شيء بالحياة

16 يوليو 2020
16 يوليو 2020

- الدراما السورية أصيبت بالغرور ولم تتطور فسبقها الكثيرون

- الدراما المصرية تفوقت، ولم تكن بحاجة لأزمتنا كي تعود للواجهة

حاوره - بسام جميدة

فراس إبراهيم فنان تحكي أعماله التي قام بها عن شخصيته. مجالسته والحديث معه يجعلك تتعرف إليه أكثر لتعرف مدى عمق الثقافة لدى هذا الشخص الذي يتميز بإحساس مرهف وشعور عال بالمسؤولية.

لن أطيل عليكم، سأترككم مع تفاصيل الحوار الطويل والذي تم اختصاره إلى هذا الحد لظروف النشر، وكان فيه الفنان فراس إبراهيم عميقا بنظرته وبتعاطيه مع كل الأمور، وكأنه يُخلق من جديد.

* عدت بعد غياب إلى سوريا ما الذي شدك إلى الوطن، هل هو مسلسل (رائحة الروح) فقط..؟

  • أنا لم ابتعد عن البلد، أنا ابتعدت عن الدراما فقط، والفرق بين الاثنين مهم جدا، أنا ابتعدت عن العمل فقط بسبب بعض الأزمات الشخصية، قررت أن أتوازن واستعيد هدوئي واستعيد فراس القادر على العمل والذي لديه وجهة نظر عندما يكون كل شيء ملتبسا، ولا شيء مفهوم حتى من يدعي انه يعرف، ففضلت أن أتروى، وبالنسبة لي الفن مزاج، وليس تجارة، وإلا كنت فتحت مطعما أو أي شيء اعمل فيه، لكن الفن بالنسبة لي موضوع خاص جدا، ويخص روحي.

    أما البلد فأنا أتابع أخبارها لحظة بلحظة، وأنا أذهب وأعود، وعلاقتي بمصر ليست علاقة لاجئ، فوالدتي مصرية، وعائلتي في مصر وبيتي في مصر، قبل الأزمة منذ كنت طفلا حياتي بين سورية ومصر، لكن عندما شدني الحنين إلى الدراما دعتني المخرجة سهير سرميني للعمل، فجاءت في اللحظة التي قلت فيها أريد أن أعمل شيئا مناسبا، في السابق قُدمت لي عدة فرص ولكن لم تكن ملائمة.

* كيف تنظر للدراما السورية ماذا ينقصها برأيك؟

  • بسبب الحصار على البلد تأثرت قطاعات كثيرة، ومنها الدراما، لأنها قطاع حيوي تستطيع أن تعبر عن مرحلة ما، هنالك أناس محاربون عملوا بأموال قليلة جدا وظروف صعبة لتبقى الأمور ماشية، ويستحقون التقدير، وبغض النظر عما إذا ادخلوا أشخاص ليس لهم علاقة بالفن أو لا ولكن هم فعلا استطاعوا السير بالدراما لهذه اللحظة.

    في هذا الظرف لا يمكن أن أعمل عملا يشابه محمود درويش أو أسمهان مثلا، لا أحد سيشتري ولا أستطيع أن أستعيد 10 بالمائة من التكلفة، أنا لا أستطيع أن أعمل عملا سوريا ليس فيه شيء عربي وأبيعه، لا أستطيع أن أنفق 2 مليون دولار والبلد محاصر والحرب لم تضع أوزارها، لا أعلم كم من الوقت حتى تنتهي الأزمة، وحتى تنتهي يجب أن نظل "نطقطق" إلا إذا وجدنا الحلول، هذه الحلول عربية أي أعمال عربية مشتركة، سوريين مع لبنانيين مع مصريين حتى تفتح مساحات لتقديم أعمال مدروسة وليست مفبركة، أي أعمال تحتاج فعلا إلى وجود ممثلين عرب.

    العرب لم يتفقوا على شيء، فهل من الممكن أن يتفقوا على عمل درامي مشترك في هذه الظروف بالذات..؟

    نعم، السياسة شيء والفن شيء آخر، فالفنانون دائما مع بعض، اذهب وانظر إلى السوريين في مصر وفي الجزائر ودبي إنهم يعملون مع بعضهم البعض ويجلسون ويتحاورون دائما.

* لقد تحدثت عن الدراما السورية خلال الأزمة، لكن قبلها كان هناك مؤشر على انحدارها أيضا..؟

  • هذا يحدث حتى في الرياضة، القصة وما فيها، أصبح هناك نوع من الغرور، أسوأ شيء أن تعتاد النجاح، تعتاد عليه وكأنه سيأتيك بالهدايا، الناس تركض وتعمل، أنت بمجرد أن تهدأ وتستكين للنجاح سيسبقونك، وهذا ما حصل، بقينا نقول الدراما السورية هي الأولى ثم أصبحت الثانية ثم الثالثة، ويأتي شخص ويقول لك الدراما السورية هي الأولى عربيا، هي لم تعد كذلك عندما تقول عربيا يجب أن تعمل لهذا، وتصور بكاميرات حديثة جدا، ولديك مصورين محترفين، يجب أن تذهب إلى مواضيع مهمة، وتحضر مخرجين مهمين، مثلما فعلت مصر وغيرها من الدول العربية، الناس بدأت تذهب إلى اتجاهات أخرى، وأنت لا تزال تقف على الأطلال.

    بمسلسل أسمهان عملنا انقلاب بالوطن العربي وغيرنا كل الترمومتر، كل الطريقة بالتعامل مع الدراما شاهدوا 30 حلقة من الفن، فقالوا ما هذا..؟! فتغيرت الدراما في الوطن العربي على أثرها وأحدثت نقلة وتطورت كثيرا، نحن الآن بحاجة لهذه النقلة.

    نحن عملنا هذه النقلة أول مرة عبر الفانتازيا ومنها انتقلنا إلى البيئي ومنه إلى التاريخي، حققنا هذه القفزات النوعية ولم نعمل على التنوع بشكل منسجم، ففي الوقت الذي عملنا فيه "خان الحرير"كان هناك "أخوة التراب" و"شجرة النارنج" و"أيام شامية" وهكذا تتالت نفس الأفكار، يعني عندما تدقق لا تعرف ما هذه الأعمال، ما هذا الجنون، وما هذا الغليان، أما الآن تأتي فتجد باب الحارة بعده باب "الما بعرف شو، بعدين خان الما بعرف شو" يعني تأتيك 5 أو6 أعمال هم باب الحارة معدل، وتقول لي هذه هي الدراما السورية، فأجيبك، لا ليست هذه هي الدراما السورية، أنا لست من المنتقدين، لكن ليس هناك تنوع، أصبح 6 أعمال بيئة شامية، وعمل اجتماعي، والممثلون أنفسهم، والملابس نفسها، وحتى البيوت نفسها، والطريقة نفسها، والصراخ نفسه و..و..و.. ثم تقول لي تريد دراما سورية تخرج إلى المقدمة، يجب أن تعمل على التنوع ما بين البيئي والاجتماعي والتاريخي، وغيرها.

* ألا تتفق معي أن الحرب هي التي خففت الأضواء عن الدراما السورية، ومنحت المصرية العودة للواجهة والدراما الخليجية للبروز أكثر..؟

  • الدراما المصرية لم تكن بحاجة للأزمة حتى تتفوق على السورية، الدراما السورية منذ 10 سنوات ذهبت باتجاه مختلف تماما، في عدد من الدول العربية، احضروا كل مخرجي السينما ونجومها ومصوريها وأحدث التقنيات، ومواضيع وكتاب جدد، اشتغلوا شغل مذهل، فتطوروا، مهمتك أن تحاكي هذا التطور لتصبح مثلهم بهذا التوقيت الذي عرفوا كيف يشتغلوا بأدوات جديدة، وأنت فقدت أدواتك لأسباب لها علاقة بالأزمة، لكن ليس لأني تراجعت هو تقدم، هو سيتقدم حتى لو كنت متفوقا، انتبه هناك فرق، أنت تتسابق مع احد فيسبقك، ليس لأنك تأخرت بل لأنه أصبح أقوى، كان من المفترض أن أطور أدواتي حتى أصبح بقوته.

* أحد المخرجين الكبار قال لي إذا لم تتفوق الدراما المصرية خلال الأزمة السورية فمعنى هذا انه ليس لديهم دراما..؟

  • هذا خطأ، هذا استسهال، لنكن منطقيين وواقعيين، مثلا في المباريات عندما يفوز احد الفريقين على الآخر كيف أقيم المباراة، مثلا لو فاز الريال على برشلونة هل لأن برشلونة ضعيف أو لأن الريال أصبح أقوى ..؟

* ما رأيك بموجة الممثلين الصاعدين والصاعدات هل أعطت شيئا للدراما؟

  • منذ زمن يوجد هذا في عالم الدراما، لكن القصة انه كان هناك صاعدون وصاعدات مع ثلة من النجوم، فمن الطبيعي جدا أن يعززوا الدراما، لكن عندما يصبحوا وحدهم يمكن أن تحس بالضعف، وكل عمل كنت أنتجته كان معي 10 شباب يعملوا لأول مرة، لم يكن لدي مشكلة لوجود نجوم معهم، لكن عندما يعملون لوحدهم والعمل كلف 20 أو 30 ألف دولار فتقول لماذا المستوى هكذا، هذا ليس ذنبهم بل ذنب الناس الذين طلعوا وتركوا هذا الفراغ، ولا أستطيع أن ألوم أحدا فلكل شخص ظروفه.

* خلال فترة راحتك السابقة ماذا فعلت قبل أن تعود للعمل..؟

  • خلال أربع سنين كنت كالجراد بالنسبة للكتب، ولم يبق كتاب يستحق القراءة إلا وقرأته، في السابق عندما كنت أمثل لم يكن بإمكاني أو أي ممثل آخر أن يقرأ حتى جريدة بسبب التصوير.

* إلى أي مدى يحتاج الفنان للقراءة..؟

  • كيف للفنان أن لا يقرأ، وكيف له أن ينتقل من عالم إلى آخر، وكيف له أن يطور أدواته إن لم يقرأ..عندما أقرأ وأستفيد من خبرات الكتاب ورواياتهم أختصر الكثير من الوقت لكي أتعلم واكتسب الخبرة.

    خلال السنوات الفائتة تحولت إلى مكتبة، وعملت مني الكتب فراسا مختلفا استطاع أن يتجاوز كل الأزمات بسبب الخبرة المتراكمة من خلال القراءة، وباتت لدي وجهات نظر وخيارات مختلفة وأناس مختلفون أيضا وعدت برؤية جديدة للحياة والعمل ككل.

* هل هذا يعني إننا سنرى فراسا مختلفا ..؟

  • يجب أن ترى شيئا مختلفا، عدت بنظرة مختلفة، وعين جديدة، بفهم مختلف للحياة وللأمور، وإذا لم استطع أن أفعل هذا الشيء المختلف فالاعتزال أولى.

    التعاطي الجديد مع الحياة يجعلك تقدم شيئا جديدا، كل دور وكل عمل جديد يأتيني أراه بمنطق مختلف، بمنطق أرقى وأكثر عمقا، أتمنى أن الشيء الذي تعلمته وفهمته يظهر في عملي وفي أدائي وفي الهدوء الذي اكتسبته، أنا كنت أتعاطى بشراسة مع الحياة، كنت عصبي، ليس بمعنى "أزعر" لكن كنت منفعل، لكن فيما بعد علمت انه علينا أن نحترم الآخرين وننظر لنجاحاتهم ونقدرها، وأن تعترف بقوة خصمك لتستطيع مجاراته وتدرس أسباب ضعفك وقوته أيضا.

    هل يمكن أن تقدم هذا العمق الفلسفي والذهني في عمل تنتجه أوتكتبه يمثل الرؤية التي تحدثت عنها..؟

    مستحيل أن أكتب. حتى بعملي هنا، وبأي مكان إذا كانت لدي وجهة نظر أتكلم مع الكاتب دائما ونحاول أن نصل إلى أفكار متقاربة نقدمها، حتى في دوري بمسلسل رائحة الروح، قدمت أفكارا ورؤية جديدة ووافقوا عليها، وفي كل أدواري لدي وجهة نظر أقولها، لكني لا أحب أن أتعدى على الآخرين، يجب أن نعمل جميعا كل بمهنته، لننجز عملا محترما وكل شخص يقدم رؤيته باختصاصه لتكون لدينا باقة ورد جميلة .

    بشخصية محمود درويش عملت 3 سنين، وقرأت كل ما كتب عنه، فأنا عمليا خرجت من محمود درويش لأعمل على نفسي، هناك أشخاص يهربون ليصيروا متسولين، متسولون للحياة وليس للمال، هناك من يقعد يشتكي ويبكي، أنا ذهبت للمهم، وهو أن أرمم فراس، كانت لدي نقاط ضعف عرفتها، لكن لم يكن لدي الوقت لأرممها، فهذا كان بالنسبة لي شيء مهم جدا، لذلك استفدت كثيرا، وسينعكس هذا في أعمالي إن شاء الله.

* ما الذي شدك في عمل "رائحة الروح"..؟

  • انه غير مباشر، اعتبر الأعمال المباشرة بائسة، تؤلم الناس أكثر، وهم في الأصل موجوعون، يعني الواقع مؤلم، تصور ممثل يصرخ، وهناك صرخة حقيقية خلفك، أو تصور الحرب والحرب موجودة حقيقة، والذين يشاهدونه خائفون أيضا، وبالمقلب الآخر إذا أردت أن تعمل شيئا بعيدا عن الواقع مثل علاقة حب رومانسية عادية وأناس ذاهبين إلى الجامعة سيقولون أين يعيش هؤلاء، سيكون لديك انفصام عن الواقع، ولا تستطيع أن تقوم بمحاكاة للحرب لأن كل شيء يسبقك، وبسرعة، فجاء هذا العمل وأعجبني جدا، وقبلت به، والمميز انه بطولة جماعية وليس بطولة فردية لذلك كل شخص بطل فيه.