أعمدة

أول السطر

29 يونيو 2020
29 يونيو 2020

سالم بن حمد الجهوري

عاد الصخب والحركة الى الطرقات لتبث الحياة في مدننا التي افتقدناها خلال الشهور الاربعة الماضية بسبب الجائحه، بعد أن اقتربت الحياة من التوقف توقفا كليا، كحالة استثنائية في تاريخ البشرية، ليس في السلطنة وحدها بل في كل بقاع العالم. عادت الحياة بضجها وضجيجها مرة اخرى وتنفس البعض الصعداء رغم ان بعض الانشطة التجارية وغيرها لم يرفع عنها الاغلاق بعد ان اقتربت الحزم التي اعيد فتحها للعامة لتبلغ بين 70 - 80% منها للحياة بنهاية الاسبوع الماضي.

ولاحظنا ان ايقاع الحياة عاد للتعافي وسط بهجة الناس وفرحتهم، فقد امتلأت الطرقات والمواقع الحيوية والاسواق والمجمعات التجارية بدبيب الناس واتساع حركتهم وحيويتهم وعودة العديد منهم الى ممارسة انشطتهم التجارية وغيرها.

تعود الحركة رويدا رويدا وارقام الاصابات في السلطنة تسجل ارتفاعا مقارنة بايام التوقف عن ممارسة العمل وعدم الخروج من البيت في الشهور الماضية لتراوح عند الالف اصابة وبضع وفيات بشكل يومي وتزايد ارقام الاصابات وارتفاع التشافي بين المصابين الذي تجاوز ال 50% وهذا الاهم، وقد تزيد تلك الاصابات مالم يلتزم الجميع بالتعليمات والاحترازات والاجراءات وهذا هو الرهان القادم، فكل فرد مصيره بيده.

لكن الأهم من ذلك ان السلوك الانساني اصابة بعضا من التغير الاجباري كما كان متوقعا بعد تجربة الجائحة، حيث سنبدأ من اول السطر في ممارسات حياتنا العامة بفكر ونمط جديد.

فقد لوحظ تراجع اهتمام الناس في المجتمع بآخر مستجدات اخبار فيروس كورونا عن المراحل السابقة، ولم يعد اولوية قصوى للاغلبية منهم كعدد الاصابات التي ننتظرها كل يوم، وهذا تغير نوعي في السلوك، صحيح ان الجميع يتطلع الى ان يصل ذلك اليوم الذي يتم فيه تصفير ارقام الاصابات والوفيات وهذا قريب بعون الله وبالجهود التي تبذل من الجميع.

لكن الأهم لدي الفرد اليوم العمل والانتاج والعائد الذي اصبح من الاولويات اكثر من الجائحة، وهناك التغير الذي يطال السلوك الفردي الذي ادرك ان القيام ببعض العادات المكلفة ماليا اصبح بالامكان الاستغناء عنها كالافراح والمناسبات، والترشيد في الانفاق على متطلبات الحياة اليومية.

التغير لن يتوقف بعد الخروج النهائي من حالة كوفيد 19 الى بر الامان، فالمراجعات السلوكية اخذت في التوسع والانتشار لتشمل عموم الحياة لدي الفرد وهذا الجانب الايجابي من هذه التجربة العالميه وهي اعادة الفرد لصياغة نمط جديد لحياته يركز فيها على الأولويات التي يرى انها تستطيع ان تساهم في ضمان حياة افضل لأسرتة، والقناعة بالتخلي عن الكماليات التي ارهقت الأسرة العربية كثيرا وشتت جهودها بل وافلستها.

يستطيع الفرد ان يغير في ذلك، والبعض فعلا استغل الأمر وعقد زواجه دون حضور او استئجار قاعة افراح والتخلي عن التزيين وتكاليف المأدب وبطاقات الدعوات والاكتفاء بالتهنئة الهاتفية، واحيانا يصل الأمر الى عقد القران عن بعد على البرامج التطبيقية كالتي جمعت الأسر خلال العيد الماضي. نعم التغير في سلوك الفرد قادم وفعلا قد بدأ لدى العديد من الناس الذين لم يكن ليتغيروا لولا تلك الجائحة ولم يكن ليقتنعوا بتغير بعض انماط حياتهم ومفاهيمها التي تكلفهم الكثير.

الأهم الآخر ان هذه القناعة امتدت لدى الفرد، الى انه بات من الضروريات التعايش مع كورونا الذي قد يطيل بقاءه بيننا الى أجل غير معلوم وقد يرحل في اقرب وقت، التعايش يعني المؤامة بين الضرورات وغير الضرورات لكي تستمر الحياة والحركة ونعود الى تطلعنا بشغف للحياة.