أفكار وآراء

تدهور الاستثمار في الإمداد النفطي

27 يونيو 2020
27 يونيو 2020

ترجمة قاسم مكي -

الإيكونومست -

في أبريل، مع توقف حركة الناس والسيارات حول العالم بسبب كوفيد-19 وهبوط الطلب على النفط بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، اختار منتجو النفط الخيار الوحيد الممكن وهو خفض الإمدادات بسرعة.

هبط الإنتاج الأمريكي بحوالي 2 مليون برميل في اليوم بين مارس ومايو. ووافقت أوبك وحلفاؤها على تقليص الإمداد برقم قياسي بلغ 9.7 مليون برميل في اليوم في مايو ويونيو. ساعدت هذه التخفيضات في رفع سعر نفط برنت من أقل من 17 دولارا للبرميل إلى 42 دولارا في 5 يونيو.

وفي 6 يونيو مع استمرار هشاشة الطلب، مدَّد تحالف أوبك التخفيضات لفترة شهر آخر.

من الطبيعي أن يقلَّ الإمداد عندما تكون هنالك أزمة في سوق النفط. لكن السؤال الأكثر أهمية هو مدى السرعة التي يزداد بها الإمداد عندما تعود الأمور إلى نِصابها بالطبع سيزيد الإنتاج مع ارتفاع الطلب على وقود الطائرات والسيارات والبنزين والديزل. وإذا ظلت الأسعار فوق 40 دولارا للبرميل قد ترفع بعض شركات النفط والدول النفطية من مستوى إنتاجها هذا الصيف. لكن في الأجل الطويل سيواجه الإمداد قيودا أخرى.

في الواقع، إنهار الاستثمار العالمي في إمدادات النفط المستقبلية. فوكالة الطاقة الدولية تقدِّر تراجع الاستثمار في الشق الأعلى هذا العام إلى أدنى مستوى له منذ عام 2005. ويتوقع بنك جولدمان ساكس ركودَ الإنتاج خارج أوبك في أعوام العشرينات ليس بسبب الجيولوجيا أو حتى الطلب ولكن للافتقار إلى الاستثمار.

من جانبها، تعتقد شركة بيرنستين أن الإمداد النفطي من خارج أوبك والذي يساوي 60% من إجمالي الإنتاج العالمي قد يصل إلى ذروته في عام 2025. وحتى حينها سيكون فقط عند المستوى الذي بلغه في العام الماضي.

يشير ذلك إلى تحول مثير. فبسبب الاستنزاف المتواصل للاحتياطيات النفطية يعمل المنتجون على أساس مبدأ «إما أن تحفر (آبارا بترولية جديدة) أو تموت». سأل محلِّلٌ لي ريموند، يوم كان الرئيس التنفيذي لشركة إكسون، ما الذي يجعله لا ينام في الليل. ردَّ ريموند بقوله «إحلال الاحتياطي النفطي».

ليس من المفاجئ أن الهوس بإدراج الاحتياطيات في ميزانيات الشركات أدى إلى تعزيز نموَّ الإمدادات. ففي منتصف العشرية الأولى حين عبر البعض عن انزعاجه من نفاد النفط طافت الشركات المدرجة وتلك التي تدعمها الحكومات العالم بحثا عن مشروعات نفطية. وخلال العقد الماضي عززت تقنية التكسير المائي الإنتاجَ في الولايات المتحدة وحولتها إلى أكبر منتج للنفط في العالم. كما ساهمت في زيادة الإنتاج أيضا المشروعاتُ الكبيرة في النرويج وقبالة ساحل البرازيل حيث يتواجد النفط تحت طبقة سميكة من الملح تحت قاع المحيط.

لكن الاستثمار بدأ في التراجع حتى قبل تفشي الجائحة. فانهيار الأسعار في الفترة من 2014 إلى 2016 قضى على الرغبة في تنفيذ المشروعات الكبيرة والمحفوفة بالمخاطر. بل حتى بعد ارتفاع الأسعار في عام 2017 قلل ضعفُ العائدات من اهتمام المستثمرين بإحلال الاحتياطيات النفطية وجعَلَهم أكثر اهتماما بالتدفق النقدي. ضغطت الشركات على موردي النفط ووجدت طرقا لضخ المزيد من النفط من الحقول القائمة. شركتا إكسون موبيل وشيفرون هما من بين الشركات العملاقة التي تستثمر في حقول النفط الصخري بالولايات المتحدة والتي يسهل فيها نسبيا خفض ورفع وتيرة الإنتاج. ويمكن لمنتجي النفط الآن أن يدعو بصدق، القدرة على استخلاص المزيد من القيمة من موازناتهم الرأسمالية.

لكن التدهور في الاستثمار كان حادَّا بما يكفي لإثارة الجدل حول مستقبل الإمدادات النفطية. فالإنفاق على مشروعات الشق الأعلى بقطاعي النفط والغاز في العام الماضي أقل من 43% من مستواه في عام 2014، بحسب وكالة الطاقة الدولية.

ووجدت شركة بيرنستين في العام الماضي أن أكبر 50 شركة طاقة مدرجة خارج أوبك والاتحاد السوفييتي السابق أعادت استثمار ما يساوي 64% في المتوسط من تدفقاتها النفطية التشغيلية. وبلغ المتوسط في الأجل الطويل 87%. زادت الجائحة الطين بلة. فالمنتجون أغلقوا آبارا وأجلوا مشروعات وقلصوا المزيد من الاستثمار. وتقدر شركة البيانات «ريستاد إنيرجي» أن ما بين 10% إلى 15% من حوالى 3 ملايين برميل توقف إنتاجها الشهر الماضي في أمريكا وكندا أساسا لن يُستأنف ضخها أبدا. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع الاستثمار في الإمدادات بنسبة 33% هذا العام مقارنة بعام 2019 وبنسبة 62% عن أعلى مستوى في عام 2014. وبحسب الوكالة فإن الإنتاج القابل للخفض أقل الآن منه قبل خمسة أعوام. ذلك يعني أن تدهور الاستثمار قد يكون له تأثير أكبر على الإمدادات.

تستمر بعض الشركات مثل إكسون موبيل في التركيز على النمو. لكن ليس واضحا متى نشهد زيادة أوسع نطاقا في الإنفاق الرأسمالي. يشير نييل بيفيريدج من شركة بيرنستين إلى هبوط عائدات شركات عديدة إلى ما دون تكلفة رأس المال. ومن المستبعد أن يحبذ المستثمرون العودة إلى التوسع السريع. فأداء قطاع الطاقة ضعيف وتعافي الطلب غير مؤكد وربما أن هنالك إجراءات قادمة للتقليل من انبعاثات الكربون. كمؤشر على تغير الحال، خفَّض أكبر البنوك الأمريكية، جي بي مورجان شيس، من منصب لي ريموند كمدير مستقل رائد في مجلس إدارته في مايو الماضي تحت ضغط ناشطي البيئة. ويحاجج ميشيل ديلا فينيا، المحلل ببنك جولدمان ساكس بأن الدورة التاريخية لارتفاع الأسعار والاستثمار والإمداد ربما لا تكتمل.

أما فيما يخص النفط الصخري الأمريكي، يراقب المحللون بتوتر بالغ عدد الحفارات وبيانات خطوط الأنابيب وإغلاقات الآبار بحثا عن أية مؤشرات على تزايد الإمدادات. ويتوقع شين كيم من شركة ستاندارد آند بورز جلوبال بلاتس ارتفاعا في الإمدادات لفترة قصيرة خلال هذا الصيف مع تعافي الأسعار. لكن هنالك إجماع على أن النمو في إمدادات النفط الصخري خلال العشرينات سيكون محدودا مقارنة بفترة ازدهاره. فحجم إنتاج النفط الصخري ضخم وتدهور إنتاج آباره حاد. كما تباطأت وتيرة التحسينات في الإنتاجية. ويمكن للمستثمرين الحصول على عائدات أفضل في مجالات أخرى (غير النفط). يشكل ذلك بشارة خير لأعضاء أوبك وحلفائها الذين تضرروا مرارا (من انخفاض الأسعار) في العقد الماضي.

شنت أوبك حرب أسعار فاشلة للقضاء على منتجي النفط الصخري الأمريكيين خلال الفترة 2014-2016. وحافظت إلى جانب حلفائها بقيادة روسيا على أسعار النفط عند مستوى كافٍ لاستدامة إنتاج النفط الصخري لكنه لا يكفي لدعم الموازنات الداخلية للعديد من البلدان الأعضاء. وفي مارس الماضي حثت السعودية روسيا على خفض إنتاج النفط. رفضت روسيا ولم ترغب في السماح للمنتجين الأمريكيين بالاستفادة المجانية من جهود أوبك في تعزيز الأسعار. غير أن توقيت حرب الأسعار التي أعقبت ذلك كان سيئا جدا. فقد تزامن مع أكبر هبوط يشهده الطلب على النفط على الإطلاق. لكن الرغبة في «تأديب» منتجي النفط الصخري الأمريكيين لا تزال قائمة. يشير مارتيجن راتس، خبير أبحاث النفط والغاز ببنك مورجان ستانلي إلى أن أوبك تسيطر على 70% من احتياطيات النفط العالمية. وهي نسبة أكبر مما توحي به حصتها في سوق النفط التي تبلغ 40%. تواجه البلدان التي تملك احتياطيات ضخمة خطر تركها في مكامنها (عدم الاستفادة منها) إذا ضعفت شهية العالم للنفط بسبب تغير عاداته الاستهلاكية أو توصله إلى تكنولوجيا اقل تلويثا للهواء أو اتخاذه إجراءات أكثر صداقة للبيئة. لذلك يتوقع راتس أن «تدافع أوبك عن حصتها السوقية بحزم أشد في المستقبل». ويمكن للشركات الحكومية الاعتماد على ضآلة استثمارات منافساتها في تقليص إمدادات النفط «لها».