أفكار وآراء

وسائط التواصل وانتخابات الرئاسة الأمريكية

23 يونيو 2020
23 يونيو 2020

إميل أمين -

على بعد بضعة أشهر لا تزيد عن الخمسة من انتخابات الرئاسة الأمريكية في شهر نوفمبر المقبل يتساءل المراقبون: «من سيفوز بأربع سنوات جدد في البيت الأبيض، الرئيس الحالي، أم منافسه؟

تقليديًا جرى العرف أن الرئيس الساكن للبيت الأبيض جمهوريا كان أم ديمقراطيا هو من يفوز بالولاية الثانية، ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى الرئيس الجمهوري بوش الأب، الذي خسر السباق الرئاسي أمام منافسه الديمقراطي بيل كلينتون، الشاب القادم من ولاية اركانساس الصغيرة والبعيدة، والذي لم يكن أحد قد سمع به من قبل.

مهما يكن من أمر نحن الآن أمام سباق غير تقليدي، فهناك من العوامل الخارجية والداخلية ما يمثل تحولات وتغيرات استثنائية في طريق الرئاسة الأمريكية القادمة، والمنافسة بين ترامب الجمهوري، ومنافسه بايدن الديمقراطي ستكون حامية الوطيس وقد بدأت بالفعل.

إحدى أهم أدوات المنافسة في سباق انتخابات رئاسة 2020 هي وسائط التواصل الاجتماعي، فهل يعني ذلك أننا أمام انقلاب في المشهد الإعلامي الأمريكي؟

أحد كبار الكتاب العرب الذين غطوا انتخابات الرئيس ايزنهاور في خمسينات القرن الماضي، حدثنا عن أن المرشح للرئاسة كان يستقل القطار من ولاية إلى ولاية، والمركبات الخفيفة من مدينة إلى أخرى، الأمر الذي كان بمثابة عملية شاقة جدًا في ذلك الوقت، وقد اختلفت حظوظ من يليه مثل الرئيس جون كيندي الذي كان التلفزيون قد ظهر في وقت ترشحه للرئاسة، مما خفف من عبء التنقلات المزعج، وقد كانت التلفزة والإذاعة حليف كيندي وطريقه إلى البيت الأبيض قبل أن يغدر به، وغالبًا من نائبه ليند بنز جونسون، ولوبي المجمع الصناعي العسكري الأمريكي.

ظلت الأدوات التقليدية إلى أوائل القرن العشرين حتى انتخاب باراك أوباما، وربما كانت التبرعات الصغيرة التي لا تتجاوز العشرة والعشرين دولارا التي تحصل عليها أوباما من المتبرعين، أحد أسباب فوزه في مواجهة الجمهوريين، فقد مكنته تلك الأموال في حصيلتها النهائية من شراء أكبر وقت ممكن على شاشات المحطات الأمريكية المختلفة كدعاية، والأمر نفسه ينطبق على الإذاعات، وهي لمن عنده علم من كتاب وسائل الإعلام الأمريكي، تلعب دورًا مهمًا للغاية في حياة الأمريكيين، لا سيما أثناء ساعات القيادة الطويلة على الطرقات. على أنه وعلى مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، يبدو أن المحطات التلفزيونية على أهميتها، والإذاعات على فاعليتها، لم تعد هي المحدد الأكبر والأهم، للوصول إلى الناخب الأمريكي، فقد احتلت وسائط التواصل الاجتماعي المحدثة الساحة، وباتت تصنع صيفًا وشتاءً كما يقال، بمعنى أنها قادرة على إسباغ أجواء من الحر القائظ أو الجليد القارس على الأجواء السياسية. هل لهذا رأينا قبل بضعة أسابيع من معركة شديدة الوطيس بين الرئيس ترامب من جهة، وتلك الآليات الجديدة في عالم الاتصال لا سيما تويتر وفيس بوك وانستجرام وما يستجد منها؟

مؤكد أن الرئيس ترامب هو الأول من نوعه الذي يعمد إلى استخدام إحدى تلك الآليات، أي تويتر، كمنصة للتعامل مع العالم، وللحق فإنها ذات فعالية في حاضرات أيامنا في التواصل السهل والسريع مع بقية العالم، وملايين الأمريكيين يتابعون كلماته صباح كل يوم، وهو تؤثر ولا شك في توجيه الجماهير ذات اليمين او ذات اليسار.. من أين ولماذا اشتعلت المعركة مع تويتر؟

باختصار غير مخل، لقد ابتكرت إدارة تويتر توجها جديدا مؤخرًا يقضي بفرز وتمييز أي مفاهيم يشك في صحتها من جانب أي مساهم أو مشارك أو عضو في الشبكة. هنا كان الرئيس ترامب يتحدث عن مسألة الاقتراع عبر البريد في ولاية كاليفورنيا، وجاءت كلماته تحمل شبهة اتهامات ظاهرة ومبطنة تتعلق بتزوير يمكن أن يجري، ويؤدي في نهاية المطاف إلى هزيمته على يد منافسه.

في هذا الإطار وضعت تويتر خطوطا بألوان بعينها تلفت الانتباه إلى أن هناك روايات أخرى قد تختلف عن رواية الرئيس، ومعلومات أخرى متوافر بخلاف ما يقوله ساكن البيت الأبيض، وأنه يتوجب على القارئ أن يستزيد من المعلومات عبر مصادر أخرى. اعتبر الرئيس ترامب أن ما حدث من إدارة تويتر هو أمر مقصود وانه جزء من حروب الدولة الامريكية العميقة ضده، تلك التي لم تنفك تناصبه العداء، وحتى من قبل أن يدخل البيت الأبيض، وها هي تشعل أوار المعركة ضده من جديد. هل من قانون يحمي تلك الأدوات المعرفية المعولمة والتي هي في الأصل أمريكية؟ نعم، بالطبع ذلك كذلك، وهو ما يحاول الرئيس ترامب تعديله وتغييره، أي إضافة قيود جديدة على قدرة تحرك أصحاب تلك الشركات بالحذف أو الإضافة، وهناك مشروع قانون سوف يعرض على الكونجرس في هذا الإطار. المعركة لا تتوقف عند حدود تويتر فقط بل تنسحب إلى الفيسبوك، وإذا ما ستكون له سلطة حذف كتابات بعينها أو وضع رقابة عليها من قبل الدولة أم لا. والأمر نفسه مؤكد سوف ينسحب على انستجرام، وهناك كما تعلمنا صورة تقوم عن ألف كلمة في تأثيرها ومداها، والمدى الذي يمكن أن تحدثه إن سلبًا أو إيجابا في المتلقي. أما آخر الأدوات التي يراهن الرئيس ترامب عليها فهي أداة الـ«سنابشات»، التي يهتم بها الشباب، وهناك أخبار عن أن فريق الرئيس الإعلامي يستهدف ملايين الشباب الأمريكيين المرشحين للاقتراع عبر السنابشات لتحويل دفة المعركة إلى صالحه.

والشاهد أن الأحداث العنصرية التي جرت والمناوشات العنيفة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، قد جعلت هذا الملف يتوارى إلى حين، وتصاعد مشهد جورج فلويد في الأعلى، ولا يزال، لا سيما بعد تكرار الأخطاء من قبل بعض من رجال الشرطة الأمريكية، الأمر الذي ينذر ويحذر من اشتعال معارك أخرى مشابهة. مهما يكن من أمر الصارع القانوني حول تلك الوسائط الجديدة، إلا أنها باتت عنصرا فاعلا ومؤثرا إلى أبعد حد ومد في المعركة الانتخابية الرئاسية الأمريكية القادمة، الأمر الذي يطرح تساؤلًا مثيرًا للقلق بالنسبة لعموم الأمريكيين:«هل يمكن من خلال هذه الأدوات أن يحدث اختراقا للعقول الأمريكية من الداخل أو الخارج؟ الثابت أنه وحتى الساعة لا يزال الجدل مستمرًا حول ما جرى في انتخابات 2016 وهل تدخلت روسيا فيها أم لا؟ والآن والمعلب الأمريكي مفتوح على مصراعيه في خلافات مع الصين وروسيا حتى تيارات معينة داخل أوروبا وأجزاء من آسيا، فهل يمكن أن تستغل هذه وتلك وسائط التواصل لتقرر ما إذا كان ينبغي لترامب أن يبقى أو يذهب؟

من الآن إلى نوفمبر خمسة أشهر كافية لتقييم مدى مقدرة وسائط التواصل على تغيير حال ومآل الامبراطورية المنفلتة أو العكس.