أعمدة

نوافذ: هوس .. الـ "ماركات" العالمية

19 يونيو 2020
19 يونيو 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

[email protected]

يأتي هوس اقتناء العلامات التجارية الـ "ماركات" ضمن أحد محفزات الحمى الشرائية التي تنتاب كثيرا من الناس، وتشكل عندهم الهاجس المقلق، حتى لا يكاد ينظر إلى السلعة التي اشتراها في آليات عملها، ومدى احتياجته لها، بقدر ما تحمل علامة تجارية معروفة، ومشهورة، ويشار إليها بالبنان، وأنها السلعة التي يذهب إلى اقتنائها الأغنياء والأثرياء، والمشاهير، ولذلك؛ وإمعانا في إغراق المشتري لاقتناء هذه السلعة أو تلك، يعمد معلنو هذه السلع المميزة إلى التعاقد مع المشاهير للترويج الإعلاني لهذه السلع التي تأخذ جزءا كبيرا من اهتمامات الجمهور، كل ذلك لتكريس القناعات، وتلبية الاحتياجات، وإغناء الرغبات، وبالتالي زيادة القيمة الشرائية لها، لتبقى دائما شحيحة في العرض السلعي، وحتى هذا الشح مقصود لذاته، بغية إيهام الجماهير العريضة أن هذا النوع من السلع نادر الوجود، وبالتالي العمل قدر الإمكان على عدم تفويت عرضها، واقتنائها في أقرب فرصة.

واستمرارا للتحايل على الجماهير، أو على الزبون الخاص بالسلعة، فإن الشركات المصنعة لا تبقي هذه السلع فترة طويلة في منصات العرض، فما بين فترة زمنية وأخرى – وغالبا تكون قصيرة - يجري سحبها، واستبدالها بسلعة مماثلة لا تفرق كثيرا عن مواصفات الأولى، فقط يتم تغيير اللون، أو التصميم، كل ذلك لإيهام المتسوق أن لهذه الـ "ماركة" سلعة جديدة، وبمواصفات جديدة، أما حقيقتها الفنية تبقى هي بلا تغيير، وبذلك تستمر العلاقة بين المنتج والمستهلك، حيث يمكن تشبيهها بـ "لعبة الفأر والقط" حيث يستفز أحدهما الآخر من خلال توالي المنتجات، واختفائها سريعا، والبحث عنها بجدية، ووجود مفاجئ لسلعة أخرى، بمواصفات أخرى، دون تغيير في حقيقتها الفنية، وتظل المناوشة قائمة طوال العام، وهكذا يستمرئ الاثنان هذا التعاطي ويسيران إليه، فوق ما يحدث بينهما خلال فترات الانقطاع والخصب، من نصب واحتيال؛ أحيانا، ومن مناوشات استفزاز؛ أحيانا أخرى؛ وقد سمعت منذ فترة عن قصة وقعت في إحدى الدول الخليجية أن مالكا لنوع من السيارات الفارهة التي تباع بمبالغ خيالية، قام فوضع بداخلها برسيما للحيوانات، وقام بتصويرها ونشرها، فقامت الشركة الأم قائمتها من التهديد والوعيد، لهذا المتطاول على تاريخ هذه السيارة، ومكانتها الرفيعة بين الجمهور العريض في الشرق والغرب، فاشترط لسحب الصورة أن يعوض بـ "موديل" جديد من ذات النوع، فتم له ذلك.

خلال الأسبوع الماضي تم عبر صفحة الـ "فيسبوك" تداول رسم كاريكاتوري "تخيلي" تحت عنوان: "الماركات هي أكبر كذبة تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء، فصدقها الفقراء" والرسم التوضيحي يحمل مقارنة بين شكلين: الأول؛ كتب عليه مليونير؛ حيث تشير الأسهم إلى قميصه بـ (25) دولارا، وبنطلونه بـ (30) دولارا، وحذائه بـ (50) دولارا، بينما الشكل الثاني؛ كتب عليه موظف؛ حيث تشير الأسهم إلى قميصه بـ (200) دولار، وبنطلونه بـ (100) دولار، وحذائه بـ (220) دولارا".

والصورة في مضمونها تبين حقيقة العنوان في تسويق الـ "ماركات" والتي بلع سمها الفرد البسيط ماديا، أكثر من أن يقع فيها الفرد المقتدر ماديا، وهذا ما نلاحظه على واقع الناس؛ بالفعل؛ فالفرد المقتدر ماديا، تبقى أعداده قليلة، مقارنة بقاعدة الهرم العريضة من الأفراد غير المقتدرين ماديا، وهم الذين يغامرون بشراء الـ "ماركات" الغالية الثمن، وأغلبها ليس للحاجة الحقيقية للسلعة، ولكن للتباهي، مع أن الثمن غال، وغال جدا.

وبحكم الملاحظة عن بعد؛ هناك أفراد في المجتمع يحرصون على اقتناء هذه السلع المميزة بعلاماتها التجارية المعروفة، وحتى لو تطلب الأمر السفر خارج السلطنة، مع أن البديل موجود، ولا يقل جودة، بل ربما يكون الخيار الأفضل، ومع ذلك فهناك من لا يقتنع ويدفع مقابل ذلك الكثير من سفر ومصاريف تابعة أخرى، إنه الهوس بـ "الماركات" العالمية.