salimm
salimm
أعمدة

رفيق الدرب.. وداعا

18 يونيو 2020
18 يونيو 2020

سالم الحسيني -

قبل الشروع في كتابة هذه المقالة التأبينية عن فقيدنا الراحل الشيخ سيف بن ناصر الخروصي توقفت كثيرا، فقد كان الحدث جللا تطايرت معه الأحرف وتبعثرت الكلمات وتنافرت العبارات، فلم أجد للحديث عن سيرته الطيبة ودماثة خلقه وصفاء سريرته وتعاونه اللامتناهي مع زملائه وإخلاصه لعمله ووفائه لمهنته إلا هذه العبارات المتناثرة، فمع إيماننا المطلق بقضاء الله وقدره كان وقع الخبر على نفوسنا كبيرًا، فقد تعلمنا من أستاذنا الجليل الوفاء وأمانة الكلمة، فكثيرًا ما كان يشغل باله هاجس التقصير الوظيفي، لذا تجده يقضي لأداء وظيفته الساعات الطوال يواصل كلال ليله بكلال نهاره بكل أمانة وإخلاص، إما متسمّرًا أمام حاسوبه، أو باحثًا عن خبر أو للقاء صحفي أو لتغطية فعالية أو محاضرة هُنا وهناك، وما أسعدها من لحظات حينما يعود إلى مكتبه المتواضع وقد جاء بحصيلة إخبارية وفيرة ينشر بعضها في الصفحات المحلية، ويدّخر بعضها الآخر لملحقه الأسبوعي (إشراقات) الذي يصدر كل جمعة، ويتكرر المشهد نفسه صبيحة كل يوم يجالس العلماء والمشايخ والفضلاء ويتتبع أثرهم فيتزود من علمهم الواسع ما يشبع نهمه، ويعينه على تقديم ما يرضي ذائقة القارئ الكريم، ويتضاعف ذلك الجهد أضعافًا مضاعفة خلال أيام وليالي شهر رمضان الفضيل مع الإصدار اليومي (روضة الصائم) حيث تمتد معه ساعات العمل إلى ما بعد منتصف الليل، فلم تجده يومًا متذمرًا ممتعضًا من العمل المضني والجهد المضاعف، بل تراه راضيًا مبتسمًا تكسو محياه سيماء الصالحين، فكم تقاسمنا معه أعباء المهنة ومتاعبها حيث ساقنا القدر أنا وزميلي سيف بن سالم الفضيلي للعمل معه بالقسم الديني إلا أنه كان يحمل النصيب الأوفر والهم الأكبر، عهدناه دائمًا يحمل أمانة الكلمة، حريصًا على بلوغ هدفها، ومع أنه كان ضليعًا في الشأن الديني لتشرّبه من الينبوع الصافي على أيدي علماء أجلاء على رأسهم سماحة شيخنا الخليلي المفتي العام للسلطنة حفظه الله، ألا أنه كان أحرص ما يكون على أن يزن الكلمة قبل نشرها بموازين شتى أهمها وحدة الأمة والمقاربة بالحسنى واحتواء التيارات المندفعة دون هدى، لذلك كان رحمه الله ربانًا ماهرًا، يجيد الإبحار في أحلك الظروف وأصعبها لم يكن همه إلا تبليغ الرسالة التي استشعر أهميتها حتى تصل إلى المتلقي نقية صافية كصفاء قلبه، لذلك أحبه الجميع ولسان حالهم يلهج بالدعاء له بالرحمة والمغفرة ودخول الجنان.

لقد ترجّل -رحمه الله- عن صهوة جواده إلى جوار الرفيق الأعلى صبيحة الثلاثاء الماضي ببلدته ومسقط رأسه (ستال) من وادي بني خروصي بولاية العوابي موئل العلم والعلماء الذي انطلق منها منذ نعومة أظفاره وقد تشبع علما وخلقا على أيدي مشايخه الأفاضل إلى العاصمة مسقط متنقلا بين مدارسها ومعاهدها العلمية، ليلتحق بعد ذلك عام ١٩٧٥م بمهنة الصحافة والإعلام لإيمانه بدورها الريادي في إيصال الكلمة والبحث عن الحقيقة بوظيفة كاتب بالمديرية العامة للإذاعة والتلفزيون ثم بجريدة عمان عام ١٩٨٠ وظل مخلصًا لمهنته يعطيها أكثر مما يأخذ منها حتى آخر عهده بها قبل إحالته للمعاش عام ٢٠١٤م وظل مخلصًا وفيًا لزملائه وأصدقائه، وحينما أزفت ساعة الرحيل قاده القدر إلى بلدته الأولى (ستال) التي انطلق منها لأداء رسالته في الحياة حيث كان منها المبتدأ وإليها المنتهى، ومنها إلى جنات النعيم بإذن الله.