أفكار وآراء

سبات الشمس وعصر الجليد

16 يونيو 2020
16 يونيو 2020

إميل أمين -

هل الكرة الأرضية في حالة خطر حقيقي محدق بكل من عليها من بشر وحيوان ونبات؟

يمكن أن يكون ذلك بالفعل، وهناك كثير من الأسباب، تدفع للاقتناع بذلك، وقد كانت ولا تزال التغيرات الأيكولوجية أو البيئية، الخطر الأول، المتمثل في تغيرات أحوال الطقس يوما تلو الآخر، يقف وراء ثورة الطبيعة من أعاصير وعواصف، وزلازل وبراكين، واضطراب في درجة الحرارة، واحتباس حراري قاتل، وجفاف وتصحر. غير أن الجديد هذه المرة والمثير للتفكر يتعلق بما هو خارج الكرة الأرضية، ومن عند الشمس تقريبا، الكيان الذي من دون أشعته الذهبية، لا يمكن للحياة أن تستمر ، فما الذي يجري، وما درجة الخطورة، وهل هناك ما هو مخيف حقا ويتعلق بعودة مناخ الكرة الأرضية إلى عشرات آلاف من السنوات الماضية ؟ خرجت علينا وسائل الإعلام العالمية بقصة مفادها أن الشمس دخلت في مرحلة «سبات»، فما الذي تعنيه هذه العبارة؟

يقول العلماء إن هذه الحالة يمكنها أن تتسبب في تسرب الأشعة الكونية الضارة إلى كوكب الأرض، الأمر الذي لم يحدث منذ مائة عام، عطفا على انخفاض كبير في أشعة الشمس الواردة إلى الأرض لا سيما وأن البقع الشمسية قد تم رصد اختفائها فعليا في الفترة الأخيرة.

ما أهمية تلك البقع الشمسية؟

باختصار غير مخل هي مصدر المجال المغناطيسي النابع منها، واختفاؤها يعني اختفاء ذلك المجال المغناطيسي الذي يلعب دور الرقابة على الشمس، ويمنع تسرب المزيد من الأشعة الكونية من الفضاء إلى كوكبنا، لا سيما وأن الكرة الأرضية تعيش بداية الدورة الـ 25، في علاقتها مع الشمس.

هل يتوجب على البشر أن يقلقوا جذريا من هذا التغير الذي يحدث على سطح الشمس؟

يخبرنا بعض علماء الفيزياء الكونية أن المشهد طبيعي وعادة ما تكون الشمس هادئة في بداية كل دورة، وهي مرحلة زمنية تتراوح ما بين 3 و4 سنوات، على أن تظهر بعدها البقع الشمسية من جديد، وفي حالة عدم ظهورها يمكن القطع بأن هناك شيئا غير طبيعي يحدث على سطح الشمس ويمكن أن يؤثر على حياة البشر. هذه الرؤية المطمئنة بعض الشيء تواجه برؤية مخيفة حقا من قبل عالم الفلك الدكتور: توني فيليبس»، الذي صرح لجريد «الصن» البريطانية بأن الأشعة الضارة التي يمكن أن تتسرب عن الشمس تشكل خطرا صحيا كبيرا على رواد الفضاء، وعلى المسافرين في الجو، وتؤثر على الكيمياء في الغلاف الجوي العلوي للأرض، وقد تساعد في إحداث البرق.

لكن أكثر ما يخشاه علماء وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» هو أن تستمر هذه الظاهرة الأمر الذي يؤدي إلى عدة تطورات خطيرة بالفعل على المسكونة وساكنيها، من نوعية البرد المفاجئ والجفاف المتصل الذي يؤثر على المحاصيل، ويؤدي إلى المجاعات والانفجارات البركانية حول العالم.

هل القضية مجرد بقع شمسة يمكن أن تستأنف نشاطها عما قريب، أم أن هناك تفاصيل مثيرة أخطر في ملف الشمس وعلاقتها مع الأرض؟

الجواب ربما نجده عند عالم الفلك الألماني الشهير « ماكس بلانك»، الذي قارن الشمس بمئات النجوم المشابهة لها، من خلال التليسكوب الفضائي العملاق « كيبلر»، التابع لوكالة « ناسا « الأمريكية، ووجد ومن معه من الباحثين أن الشمس باتت ذات طاقة أضعف مقارنة بمعظم النجوم الأخرى بنحو 5 مرات.

هذا الحديث المقلق، لم يكن «بلانك» فقط من أكده، إذ أشار العالم «الكسندر شابيرو»، بدوره، إلى أن معظم النجوم الشبيهة بالشمس أكثر نشاطًا من الشمس نفسها. وفي كل الأحوال لا يبدو واضحا بدرجة كافية للعلماء ما إذا كانت الشمس تمر بفترة هدوء تصل إلى 9 آلاف عام، أم أنها باتت أقل سطوعا من النجوم المماثلة الأخرى.

غير أنه وفي الحالتين يطفو على السطح سؤال مخيف، هل تناقص طاقة الشمس وأشعتها الواصلة إلى الكرة الأرضية، سوف يؤكد بعض قراءات العلماء منذ عقود طويلة التي تتحدث عن حلول عصر الجليد بالكرة الأرضية؟

هناك مخاوف أبداها علماء كثر من أن يمر الكوكب الأزرق في العقد القادم بما حدث في العام 1800 حين اختفت البقع الشمسية وانخفضت درجة الحرارة بشكل كبير بسبب نقص أشعة الشمس، وغاب الصيف الذي يعرفه الناس، وبدت الأعوام العشرين الأولى من القرن التاسع عشر أعوام «تجمد حتى الموت»، وكان شهر يوليو هو شهر تساقط الثلوج، وفي وقتها اختفت البقع الشمسية بنسبة 76%، وقد أطلق العلماء على هذه الظاهرة « الدرجة الدنيا لدلتون»، حيث تنتج الشمس الحد الأدنى من الطاقة الشمسية، بسبب انخفاض الطاقة على سطحها.

أحد الأسئلة المهمة ونحن نبحث في زمن عصر الجليد المحتمل: كيف يمكن لظاهرة الاحتباس الحراري التي عانت منها الأرض حتى أيامنا هذه، التي يمكن أن تستمر إذا ظهرت البقع الشمسية على سطح الشمس بسرعة ولم يطل غيابها؟

السؤال مثير للتفكير، وقد شغل العلماء كثيرا في العقدين الأخيرين، وتوصل بعضهم إلى أن القطب المتجمد الشمالي لن يكون له ولوجود خلال ثلاثة عقود، أي بحلول عام 2050. هل التأثير هنا فقط سيكون من خلال ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، وانحسار اليابسة، مع الخسائر الجمة التي سيخلفها مثل هذا التطور الأيكولوجي الخطير جدا؟

الجواب أبعد من ذلك ويعود بنا إلى دائرة الحديث عن عصر الجليد، إذ إن ما يسمونه الانفجار الجليدي، أي تفتت القطع الثلجية الهائلة من القطبين الشمالي والجنوبي، سوف يغطي البحار والمحيطات بطبقات كثيفة من الثلوج، تعمل كغطاء يمنع من تبادل ثاني أكسيد الكربون مع الغلاف الجوي، وهذا قادر على إحداث تأثير عكسي للاحتباس الحراري، الذي من شأنه أن يبرد الأرض في نهاية المطاف ويسرع بالفعل من إعادة كوكب الأرض إلى عصر الجليد مرة ثانية بعد أن شهدت الأرض آخر عصر جليد لها قبل أكثر من مليوني عام خلال عصر البليستوسين، الذي فيه غطت الأنهار الجليدية الأرض بشكل دوري، وإن تراجعت لاحقا إلى أن وصلنا إلى كوكب مشتعل بالاحتباس الحراري.

هل ستشهد أجيالنا المعاصرة عصر الجليد؟

الأمر بعيد جدا عن التحقق على هذا النحو، ولا يحدث بين عشية وضحاها، فالطبقات الجليدية في القطب الشمالي اليوم، تكونت عبر عشرة آلاف سنة على الأقل، وهذا يعني أن الأمر ربما يستغرق وقتا زمنيا طويلا جدا، لكن يبقى الاحتمال قائم في كل الأحوال.