أعمدة

خطة فيونا المالية

14 يونيو 2020
14 يونيو 2020

حمده الشامسية

[email protected]

في أول يوم عمل لها عندي أوضحت لي (فيونا) خطتها بأنها تنوي العمل لدي لمدة ثماني سنوات، مدة كافية برأيها لإنجاز خطتها المالية التي تغربت من أجلها، سلّمتها بدوري اتفاقية مكتوبة في ورقة واحدة تتضمن بعض الشروط التي تضمن لها البقاء هذه المدة معي، انتهت أول سنتين من تلك المدة لم تخرج خلالها فيونا من البيت إلا مرات معدودة، هي المرات التي أخذتها فيها للكنيسة في عيد الميلاد، أو المستشفى للعلاج، أما إجازتها الأسبوعية فهي تمضيها في غرفتها، سألناها ذات مرة عن سبب عدم خروجها ولو مرة في الشهر مع صويحباتها للترفيه عن نفسها، فأجابت (لا مال لا حياة) - ترجمة حرفية لما قالته.
كل ثلاثة أشهر تعطيني (فيونا) راتبها لتحويله إلى بلادها -لتوفير رسوم التحويل كما فهمت منها- لاحظت بأنها لا تترك لنفسها منه شيئا على الإطلاق، فسألتها مستفسرة، فردت: هنا أنا لا أحتاج أن أصرف.
شاركتني (فيونا) خطتها المالية الرائعة، هي الفتاة التي لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها، دخل الأشهر الأولى استخدمته لتسديد القروض التي أخذتها لدفع تكاليف قدومها لعمان، ثم بدأت تجمع لشراء أرض، واشترت كذلك مجموعة أبقار كاستثمار يدر عليها عائدًا ماديًا إضافيًا، من أجل بناء بيت صغير، وحال انتهاء البيت ستعود للعمل كمعلمة في مدرستها التي تركتها، وتتزوج من خطيبها الذي ما زال في فترة (اختبار) لمدى صلاحيته لأن يشاركها هذه الحياة التي ترسمها.
أدهشني وضوح الرؤيا الذي تتمتع به هذه الصغيرة، وكيف رسمت خطتها المالية بدقة، وبدأت في تنفيذها فورا، فهي لم تنتظر العودة لبلادها لتبدأ الاستثمار، وحددت أولوياتها بشكل رائع، الرفاهية تأتي لاحقا، الضروريات أولا ثم الكماليات، مستخدمة قاعدة اقتصادية مهمة (دع أموالك تعمل من أجلك).
الثمن الذي تدفعه هذه الصغيرة من أجل أن تحقق حلمها الجميل لا شك أنه غالٍ، المخاطرة بنفسها في هذا العمر لتقطع كل هذه الأميال، وتسلم نفسها لأسرة غريبة، وتترك وظيفتها المريحة، وتتحمل الوحدة والانقطاع عن الأهل والأصحاب كل هذه السنون، بارك الله لها في مالها وعمرها وعملها، شكرًا فيونا على الدروس الرائعة التي علّمتني إياها.