أفكار وآراء

مسؤولية أكبر للمجتمع في مواجهة كورونا !

08 يونيو 2020
08 يونيو 2020

د. عبد الحميد الموافي -

في الوقت الذي تزداد فيه أهمية وضرورة الوعي والمشاركة المجتمعية في تحمل القدر الأكبر من مسؤولية التصدي للفيروس اللعين في مرحلة المعايشة التي بدأت بالفعل في السلطنة والكثير من دول المنطقة والعالم، فغن الرهان يطل على وعي المواطن والمقيم لحقيقة أن وقاية نفسه وذويه لا تعود عليه هو فقط بالفائدة، عبر حماية صحته وتجنيبه التعرض للفيروس وللمرض الذي أودى بحياة مرضى كثر من مختلف الشرائح العمرية،

بعد نحو ثلاثة أشهر من التعامل الواسع النطاق مع جائحة كورونا على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وما صاحب ذلك من مخاوف وجهود وإجراءات ومحاولات لاحتواء انتشار الفيروس، وتوفير الرعاية الصحية للمصابين به، والذين عرضوا الأنظمة الصحية في الكثير من الدول لتحديات حقيقية، وخيارات صعبة، بسبب الزيادة الكبيرة لأعداد المصابين، وبما يفوق أحيانا قدرات الأنظمة الصحية في دول مختلفة، فإنه من الواضح، إقليميا ودوليا، أن العديد من الدول قررت السير بخطى محسوبة في اتجاه تخفيف إجراءات العزل والإغلاق، ليس فقط للحد قدر الإمكان من نزيف الخسائر الاقتصادية والآثار الاجتماعية لتلك الإجراءات، ولاستكشاف افضل السبل للتعامل مع فيروس كورونا «كوفيد - 19 « الذي سيستمر جائحة خطرة تهدد حياة مئات الآلاف حول العالم لمدة غير قصيرة، ومن ثم لا مفر من التعايش معه، ولكن بأقل قدر من الخسائر، كلما كان ذلك ممكنا، حتى يتم التوصل إلى لقاح، أو إلى بروتوكولات علاج فعالة للتعامل معه، وهو ما قد يستغرق بعض الوقت، بغض النظر عن الأحاديث المتكررة حول لقاحات محتملة وسبل علاج اكثر فعالية في الصين واليابان وروسيا وفرنسا وغيرها، وقد ألقت قمة اللقاحات التي عقدت في بريطانيا قبل أيام الكثير من الضوء حول الجهود المبذولة والتكلفة الكبيرة لتجارب اللقاحات والحاجة إلى أكبر قدر من التعاون الدولي العلمي والبحثي والمالي أيضا للوصول إلى لقاح يمكن أن يفيد اكبر عدد من سكان المعمورة وبشكل آمن وموثوق في نتائجه.

ومع الوضع في الاعتبار خبرة ونتائج الأسابيع الماضية، وما يتوفر من معلومات حول الأوضاع الوبائية في الدول المختلفة، وتحرك بؤرة الوباء من أوروبا إلى الأمريكتين وروسيا وذلك بعد أن خفت حدة الإصابات في معظم دول أوروبا، وإن لم تنته بعد، فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

أولا: إن المرحلة السابقة، الممتدة من بدء ظهور المرض في ووهان الصينية في ديسمبر الماضي وتحوله إلى جائحة فرضت، ولا تزال تفرض نفسها على العالم كله، وحتى الآن هي مرحلة «الصدمة «، فخلال الأشهر الماضية أفاق العالم على صدمة كبيرة، بعد أن هدد فيروس كورونا الأنظمة الصحية في دول أوروبية متقدمة، وفرض عبئا كبيرا على الولايات المتحدة وكندا، ويقف مهددا أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وبعد ما يقرب من أربعمائة ألف حالة وفاة وما يقترب من سبعة ملايين إصابة على امتداد العالم، بدأت الكثير من الدول تلتقط أنفاسها بشكل أو بآخر، فقد تحددت ملامح الفيروس وقدراته ومراحل تطوره، كما تتوفر نماذج رياضية دقيقة حول مراحل انتشاره واحتمالات تطوره في المجتمعات المختلفة، ومن ثم بدأت الكثير من الدول تقدر وتحسب احتياجاتها الصحية، العلاجية والوقائية، ومن ثم تحديد خطواتها التي يمكن السير فيها خلال الفترة القادمة، مسترشدة بنتائج وخبرات فترة الصدمة.

ويمكن القول إن الإحاطة بمعطيات الموقف الراهن واحتمالاته، هي بالتأكيد احد أهم معطيات قرارات تخفيف العزل تدريجيا في الدول المختلفة، خاصة في ظل توفر جداول وخرائط توزيع حالات الإصابة على مستوى كل دولة، إلى جانب تحليلات المصابين، والاستفادة من ذلك في تكثيف إجراءات الوقاية والعزل في مناطق محددة وتخفيفها في مناطق أخرى، وفق متطلبات الموقف وانتشار الفيروس على الأرض.

من جانب آخر فان مرحلة الصدمة قد شهدت نقطتين على جانب كبير من الأهمية، أولاهما أن الدول التي تعرضت للإصابة قامت بحشد طاقاتها الصحية المتوفرة، وسعت إلى تعزيز إمكاناتها، وفق قدراتها المالية والمادية والبشرية المتاحة، وبالتالي أعلنت ما يمكن اعتباره حالة طوارئ صحية، وهو ما يمكنها خلال الفترة الثانية من التعامل مع أي تطور محتمل دون مفاجأة كبيرة، ولذا فان الكثير من الدول تتخذ إجراءات تخفيف العزل وبدأت في تنفيذه، مقرونا بيقظة ومتابعة جادة لحالة انتشار الفيروس وما يطرأ عليها من تغيرات.

أما النقطة الثانية التي تحققت خلال مرحلة الصدمة، فإنها تتمثل في أن السلطات الصحية في الدول المختلفة، والدولة بوجه عام قامت بدورها، ليس فقط في توفير الخدمات العلاجية للمصابين، ولكن أيضا في التوعية بخطورة الفيروس واتخاذ إجراءات الوقاية، بل وفرض غرامات وإجراءات على المخالفين لتلك الإجراءات، حفاظا على الصحة العامة في المجتمع. وبالتالي، ونتيجة لذلك، فان المجتمعات والأفراد فيها أصبحوا على درجة غير قليلة من الوعي بخطورة الفيروس وبضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية الذات والأسر من هذا الفيروس اللعين، خاصة بعد تزايد عدد الوفيات في مختلف المجتمعات التي أصيبت.

ثانيا: إنه إذا كانت مرحلة الصدمة قد أقنعت الجميع بخطورة الفيروس، خاصة مع استمرار بقائه وعدم إمكانية التخلص منه سريعا، فإن الانتقال إلى مرحلة التخفيف التدريجي لإجراءات العزل، تعني الانتقال إلى مرحلة «التعايش» مع الجائحة، بمعنى الإقرار باستمرارها، وبالحاجة إلى استعادة حركة الحياة في المجتمعات والاقتصادات المختلفة، مع الاستمرار في اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية، وبالطبع الإجراءات العلاجية للمصابين وتعزيز إمكانيات النظام الصحي بالأدوية والأجهزة الطبية والخبرات البشرية، فإن السمة التي تميز مرحلة التعايش مع كورونا تتمثل في تعاظم مسؤولية المجتمع والفرد في الإسهام في جهود مكافحة المرض والحماية الذاتية من الإصابة به. صحيح أن أجهزة الدولة الصحية وغيرها ستستمر في القيام بواجباتها بالتأكيد، ولكن طول بقاء الفيروس باتت تفرض على الفرد والمجتمع مساهمة أكبر وأوسع للحماية الشخصية منه ولمحاولة احتوائه بحماية الأسر والأبناء من الإصابة به، وذلك بجدية التعامل مع الإجراءات الاحترازية الضرورية، مثل استخدام الكمامة والمحافظة على المسافة الآمنة للتباعد بين الأشخاص، والالتزام بإجراءات التعقيم للأيدي وللأماكن والأدوات المختلفة، وفقا للإجراءات المنظمة والمعلنة من جانب السلطات الصحية، وذلك حتى لا تتحول عمليات تخفيف إجراءات العزل إلى وسيلة لزيادة أعداد الإصابات، بكل ما يترتب عليها من نتائج مالية واقتصادية واجتماعية ثقيلة الوطأة على الاقتصاد ككل وعلى حياة الأفراد والمجتمع في النهاية.

وفي ضوء ذلك فان مرحلة التعايش مع الفيروس التي بدأت بالفعل الآن تعني انتقال الجزء الأكبر من مسؤولية المواجهة والوقاية إلى أفراد المجتمع أنفسهم والى مؤسساته المختلفة التي يعول على التزامها بالإجراءات الاحترازية والوقائية لمنع تسلل الفيروس إلى العاملين فيها بشكل أو بآخر. والمؤكد أن إدراك هذه النقطة والمسؤولية والنتائج المترتبة عليها تعد على جانب كبير من الأهمية لنجاح جهود مكافحة الفيروس واحتوائه حتى السيطرة عليه والتخلص منه.

ثالثا: إنه في الوقت الذي تزداد فيه أهمية وضرورة الوعي والمشاركة المجتمعية في تحمل القدر الأكبر من مسؤولية التصدي للفيروس اللعين في مرحلة المعايشة التي بدأت بالفعل في السلطنة والكثير من دول المنطقة والعالم، فان الرهان يطل على وعي المواطن والمقيم لحقيقة أن وقاية نفسه وذويه لا تعود عليه هو فقط بالفائدة، عبر حماية صحته وتجنيبه التعرض للفيروس وللمرض الذي أودى بحياة مرضى كثر من مختلف الشرائح العمرية، ولكن هذه الوقاية تعود بالفائدة على الشخص وأسرته أيضا، من خلال ما تمثله من أهمية على صعيد تقليل خسائر الاقتصاد الوطني، خاصة بعد أن أشار معالي الدكتور أحمد السعيدي وزير الصحة إلى أن تكلفة المريض في العناية الفائقة تصل إلى نحو ألف ريال يوميا، فضلا عن الخسائر المترتبة على استمرار إغلاق الأنشطة الاقتصادية العديدة التي تأثرت بالجائحة.

وإذا كان معالي الدكتور وزير الصحة قد أكد تماسك النظام الصحي في السلطنة، وتوفير العلاج للمصابين، دون تفرقة بين مواطن ومقيم، وهو التزام أخلاقي رفيع أكد عليه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - فإن التزام الأفراد ومؤسسات المجتمع بالإجراءات الاحترازية الضرورية، وبشكل جاد ومستمر خلال مرحلة التعايش التي بدأت، وحتى انتهاء الجائحة، هو التزام ومسؤولية وطنية لمساعدة الذات والمجتمع على التخلص من الجائحة ومواصلة العمل على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، والحد من الخسائر المترتبة على هذا الفيروس، وهي خسائر كبيرة في الواقع اقتصادية واجتماعية، ومن المهم الحد منها بأسرع ما يمكن، وهي مسؤوليتنا جميعا مواطنين ومقيمين، والكرة باتت بالفعل في ملعب المواطن والمقيم والمجتمع بعد أن قامت الدولة، ولا تزال تقوم، بمسؤوليتها بكفاءة عالية.