أعمدة

تقاعد إجباري

08 يونيو 2020
08 يونيو 2020

حمده بنت سعيد الشامسية

[email protected]

قيل أن هناك ملكًا في الزمن الغابر عين معلمًا حكيمًا لتربية ابنه الوحيد. في يوم من الأيام طلب المعلم من الأمير أن يقوم بغلي ضفدع حي، أمر استنكره الأمير لكنه لم يستطع أن يرفض طلب معلمه، فأشعل النار تحت القدر وقذف بالضفدع في الماء المغلي، وكان الضفدع يقفز حالما تلامس رجله الماء المغلي، عندما لاحظ المعلم عجز الأمير جاء بقدر ثانٍ فيه ماء بارد وضع فيه الضفدع، ثم أشعل تحته النار تدريجيا، كان الضفدع مستمتعا بالماء البارد، وعندما بدأ الماء يسخن استرخت عضلاته من دفء الماء، حتى تخدرت أطرافه ولم يشعر بدرجة حرارة الماء حتى بدأ بالغليان وعجز حينها عن القفز من الماء.

وصلتني بعض الرسائل من أصدقاء خلال الفترة الماضية يعبّرون فيها عن صدمتهم من خبر التقاعد الذي وجدت الحكومة نفسها مضطرة إليه في أعقاب الأزمات المالية التي هزت العالم في العقد الأخير، وآخرها جائحة كورونا التي يعلم الله وحده حجم التأثير على الاقتصاد الذي ستخلّفه، إذ لم تبدأ الدول بعد في إحصاء خسائرها في ظل غياب الرؤية، والوضوح الذي سينتج عن هذه الحرب ضد عدو مجهول.

ذكرتني الرسائل وردود أفعال البعض التي انتشرت في شبكات التواصل الاجتماعي بموضوع الضفدع، فالقرار جاء لموظفين صار لهم ما يزيد عن ربع قرن في وظائفهم، أي أنهم تجاوزوا المدة المؤهلة لاستحقاق معاش التقاعد وفقًا لقانون التقاعد الحكومي، ورغم ذلك كان وقع الخبر عليهم صادما، لم يكونوا مستعدين له، والسؤال الذي طرحته على أصدقائي: متى كنتم تنوون وضع خطة للتقاعد؟ طبعًا الإجابة لم تكن مقنعة، فكثيرون منهم كانوا يتحدثون عن سنوات قليلة لا تتعدى الثلاث، أمر وجدته محيرا، إذ ما دمت قد عجزت عن التخطيط طوال ربع قرن كامل، فكيف ستخطط خلال ثلاث سنوات؟ هؤلاء أصدقاء يشغلون وظائف مرموقة وعلى درجة عالية جدا من الثقافة والوعي.

كان واضحًا أن الأوضاع في منطقتنا تغيرت منذ مدة طويلة، وأن المرء لا يمكن له أن يعتمد على مصدر دخل واحد فالوظيفة لم تعد مصدر أمان دائم، ولعل موظفي القطاع الخاص ممن كانوا ضحايا للتسريح الجماعي الأقدر على تلمس هذا التغيير، التعليمات السامية، وستكون هناك إجراءات أخرى قادمة لمعالجة الوضع المالي لموازنة الدولة، وكثير منا اليوم يلعب في الوقت الضائع، لكن بالنسبة للبقية أظنها فرصة لنتعلم من الدرس، العجز في الموازنة حقيقي، وأسعار النفط المتدنية حقيقية، وخطة الإصلاح حتمية في ظل هذه الظروف، الوضع تغير في عمان وغيرها، إن لم نستعد للقادم يعلم الله وحده ما ينتظرنا.