أفكار وآراء

المشهد الانتخابي الأمريكي والاتهامات المتبادلة

19 مايو 2020
19 مايو 2020

عوض بن سعيد باقوير -

إن أزمة فيروس كورونا غيرت المشهد السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية داخليا وخارجيا ويبدو أن هذا المشهد الدراماتيكي سوف يحدد مسار الانتخابات وقد يتسبب فيروس كورونا الذي لا يرى بالعين المجردة في هزيمة ترامب في الانتخابات القادمة وهو أمر ليس مستبعدا في ظل التعامل الكارثي لإدارة ترامب مع الأزمة،

يبدو أن المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية دخل بشكل مباشر من خلال جملة من الاتهامات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي وأيضا من خلال الموقف المحرج لإدارة ترامب في معالجة فيروس كورونا الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر المشهد العالمي من حيث عدد الإصابات التي تجاوزت مليونا ونصف المليون وأيضا الوفيات التي تجاوزت ٩٠ ألف وفاة، ومن هنا بدأت الأصوات تتعالى حول إدارة ترامب الكارثية للأزمة الصحية، كما لعب الإعلام الأمريكي دورا في ذلك الذي ينتقد ترامب في توجيه سهامه إلى البيت الأبيض من خلال المؤتمرات الصحفية اليومية التي يعقدها البيت الأبيض حول تطور الجائحة.

افتعال الأزمات

على ضوء الانتقادات وركود الاقتصاد الأمريكي الذي يمر بأسوأ مرحلة منذ الكساد العظيم قبل قرن فإن مخططي السياسات للبيت الأبيض ومراكز القوى في واشنطن دخلت مرحلة التصدي الفعلي لأكبر تحد يواجهه ترامب منذ دخوله البيت الأبيض، وهنا بدأت مرحلة افتعال الأزمات في الداخل من خلال الهجوم على إدارة أوباما السابقة وأنها أهملت القطاع الصحي ومن خلال التركيز على نجاح إدارة الأزمة وإنفاق مزيد من الأموال على الشعب الأمريكي من خلال حزمة اقتصادية تعدت تريليونين من الدولارات.

أما على الصعيد الخارجي فقد كانت المواجهة مع الصين كبيرة من خلال الاتهام المباشر لبكين في عدم توضيح الرؤية بشكل مبكر حول الفيروس كما نالت منظمة الصحة العالمية نصيبا من هجوم ترامب الذي هدد بالانسحاب من هذه المنظمة الصحية الدولية المرموقة، بل وعلق المساعدات إلى الحد الأدنى ويبدو أن استراتيجية ترامب وفريقه الانتخابي سوف يعتمد على تلك الهجمات واستمرارها في ظل استمرار تفشي فيروس كورونا في عدد من الولايات الأمريكية خاصة نيوجرسي ونيويورك.

والسؤال الأهم هل تأتي تلك الاستراتيجية بنتيجة مباشرة أم أن الوضع الصحي المتدهور حتى الآن يجعل الشعب الأمريكي يركز على الأزمة الصحية والاقتصاد بعيدا عن المواجهات الانتخابية، خاصة وأن ملايين الأمريكيين فقدوا أعمالهم وهم يقربون من ٣٠ مليون أمريكي وزيادة أعداد الذين يطلبون الإعانة الفيدرالية؟.

إن السجال الانتخابي بدأ بصدمة فيروس كورونا وسوف يكون للمشهد الصحي العامل الحاسم في انتخابات الثالث من نوفمبر القادم إذا عقدت في موعدها، أما على صعيد الحزب الديمقراطي والمرشح جو بايدن فإن قياسات الرأي العام تعطيه تقدما على ترامب حتى الآن، وهذا يعني أن الأزمة الصحية كان لها تأثير مباشر على الرأي العام الأمريكي، ومن الطبيعي أن يركز الحزب الديمقراطي على العامل الصحي لأنه من أبرز العوامل التي قد تسقط ترامب في تلك الانتخابات في ظل تدهور الاقتصاد الذي يحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة للتعافي.

من هنا فإن نظرية افتعال الأزمات داخليا وخارجيا هي الأسلوب الواضح لإدارة ترامب في هذه المرحلة وهي نظرية لها مخاطرها وهي أيضا تعتمد على مسار الأزمة الصحية التي تحظى بتغطية إعلامية غير مسبوقة.

المسار الاقتصادي

في ظل الأزمة الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية فإن إدارة ترامب تركز الآن على فتح الاقتصاد بشكل أسرع رغم تحذيرات خبراء الصحة العامة، ومع ذلك يدرك ترامب أن التركيز على المواجهات والصراعات الداخلية مع الحزب الديمقراطي والإعلام داخليا ومع الصين ومنظمة الصحة العالمية خارجيا لن يكون كافيا لتغيير الصورة الكارثية في إدارة الأزمة الصحية، ومن هنا فإن العامل الوحيد الذي قد يغير من المعادلة السلبية الحالية هو فتح الاقتصاد ورجوع الحياة الطبيعية إلى الولايات ولو كان ذلك بشكل تدريجي، وفي ظل عدد السكان الكبير والاقتصاد الأمريكي المتشعب فإن خطورة موجة جديدة من تفشي فيروس كورونا تبقى موجودة على ضوء تقديرات الخبراء، وقد بدأت الاحتجاجات الشعبية في عدد من الولايات الأمريكية بهدف رفع الحظر حتى يتمكن الناس من الرجوع إلى أعمالهم ونشاطهم الطبيعي.

إن الولايات المتحدة الأمريكية وهي ذات اقتصاد كبير لا تتحمل الإغلاق الطويل على طريقة النموذج الصيني مثلا وهذا سوف يعطي إدارة ترامب مبررا كافيا لرفع الإغلاق ولو بشكل تدريجي، وإذا استمرت الإصابات والوفيات في الارتفاع مع زحف شهر الانتخابات فإن ذلك قد يكون السبب الحقيقي في خسارة ترامب الانتخابات خاصة وأن هناك شركات كبرى على وشك الإفلاس، كما هناك الشركات النفطية الصخرية التي عانت الأمرين بسبب حرب الأسعار.

وفي ظل تواصل الأزمة الصحية سوف تتواصل استراتيجية افتعال الأزمات داخليا وخارجيا على أمل التوصل للقاح ضد الفيروس في نهاية العام الجاري على ضوء تقديرات الفريق الصحي المكلف.

إن العثور على لقاح للفيروس يظل من باب التمنيات والمؤشرات تتحدث عن تقديرات زمنية تتعدى العام إلى العام والنصف وهي في ظل التقديرات لأن الفيروس قد يظل لسنوات وقد يتحول إلى فيروس يتكيف معه الناس كعشرات الفيروسات الموسمية، ومن هنا فإن إدارة ترامب تواجه أزمة صحية واقتصادية مفصلية، ويتطلب التغلب والخروج من المأزق الحالي انحسار الفيروس بشكل كبير وهذا يعني عودة الحياة الاقتصادية بشكل طبيعي، ومع ذلك فإن آثار فيروس كورونا سوف تكون لها انعكاسات كبيرة سلبية على الاقتصاد العالمي.

الحرب الإعلامية

تواجه إدارة ترامب حملة إعلامية غير مسبوقة وفي كل المؤتمرات الصحفية اليومية للبيت الأبيض تحدث مشادات كلامية بين الصحافة وترامب لدرجة أنه يغادر المؤتمر الصحفي عندما يشعر أن الضغط الإعلامي بدأ يشتد، كما أن القنوات الإخبارية بدأت تركز على الوضع الصحي وارتفاع الإصابات بين الأمريكيين من أصول إفريقية، كما أن مسار الانتخابات في ظل أزمة فيروس كورونا لا يعطي الحملات الانتخابية دورها الطبيعي، حيث إن تركيز إدارة ترامب هي لمواجهة الظرف الصحي والأزمة الاقتصادية التي قد تكون هي العامل الأكبر في خسارة الجمهوريين لانتخابات نوفمبر، وللخروج من هذا الواقع السلبي فإن الحل الوحيد هي محاربة الفيروس والقضاء عليه في ظل فترة محدودة لا تتعدى شهورا قليلة، ومن خلال انتظار اللقاح الحاسم.

إن أزمة فيروس كورونا غيرت المشهد السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية داخليا وخارجيا ويبدو أن هذا المشهد الدراماتيكي سوف يحدد مسار الانتخابات وقد يسبب فيروس كورونا الذي لا يرى بالعين المجردة في هزيمة ترامب في الانتخابات القادمة وهو أمر ليس مستبعدا في ظل التعامل الكارثي لإدارة ترامب مع الأزمة، الذي يركز على تحميلها الصين من خلال التصريحات والتجاذبات مع بكين، وأيضا من خلال تصريحات وزير الخارجية بومبيو المتناقضة.

كذلك فإن المشهد الأمريكي من الداخل يتفاعل في ظل إقالة إدارة ترامب للمفتش العام لوزارة الخارجية الذي كان يحقق في قضايا تخص مبيعات السلاح إلى دول أجنبية، ويبدو أن الديمقراطيين وعلى لسان نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب تتجه إلى تحقيق مستقل حول أسباب إقالة المسؤول الأمريكي، ومن هنا فإن الصراع الانتخابي في واشنطن على أشده وسوف يتواصل في ظل أزمة فيروس كورونا وفي ظل التراشق السياسي مع الصين ومع منظمة الصحة العالمية وفي ظل الوضع الاقتصادي في الداخل.

إدارة ترامب في مفترق طرق وهي تعيش في انتظار أخبار سارة على صعيد اكتشاف لقاح حاسم للفيروس لأنه الحدث الأبرز الذي قد يعيد التوازن للمشهد الأمريكي المتقلب الذي يموج بصراعات داخلية لا مثيل لها بسبب الأزمة الصحية التي أدت إلى انعكاسات صحية واقتصادية هي الأبرز منذ عقود.