Screen Shot 2020-04-12 at 4.38.06 PM
Screen Shot 2020-04-12 at 4.38.06 PM
أعمدة

نوافذ: عندما يكون الإعلام مضللا

17 مايو 2020
17 مايو 2020

عبدالله بن سالم الشعيلي

@ashouily

لما يربو على العشرين عاما درست الإعلام ومارست معظم فنونه فعرفت نظرياته وفنونه وقيمه واستراتيجياته وأخلاقياته، متى يكون صادقا؟ ومتى يكون كاذبا؟ ومتى يخاتل؟ ومتى يخادع؟ ومتى يضلل الرأي العام؟ ومتى يكون قنديلا ينير الرأي العام؟ متى يكون أداة شريرة في أيدي الطغاة والجماعات المتطرفة؟ ومتى يكون أداة صالحة في أيدي الجماعات الطيبة؟ عرفت متى يستخدم الغني الإعلام لتحقيق مآربه ومتى تستخدمه الدول كأسلحة لإدارة شؤون بلدانها وشعوبها؟ متى يستخدم كأدوات تجسس بين الدول ومتى يستخدم كأياد لمد جسور الصداقة والمحبة بين الجميع؟ عرفت متى يكون الإعلام فاسدا ومتى يكون مصلحا متى يشن حربا نفسية ومتى يشن حربا ناعمة؟ ومتى يكون مضللا -بضم الميم وفتح اللام-؟ ومتى يكون مضللا -بكسر اللام-؟ فالإعلام كما يقال دائما بأنه سلاح ذو حدين يمكن أن ينفع الناس ويمكن أن يضرهم.

كلنا وفي ثوان معدودة يمكن أن تستدعي ذاكرته بعضا من الأمثلة على نقاء وصفاء الإعلام وفي اللحظة ذاتها يمكن أن تستدعي الذاكرة أطنانا من نماذج الكذب والفساد والتضليل الإعلامي للجمهور، فالناس بطبيعتهم يميلون إلى تصديق أكذب الأخبار كما قال "جوبلز" وزير دعاية هتلر: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس» أو كما قال أحد شعراء العرب القدماء «أعذب الشعر أكذبه» فالكذب والتدليس والخداع هو ما يدغدع أسماع الناس وينتشون ويطربون لسماعه من الأخبار ويرددونه بينهم لينتشر كما تنتشر النار في الهشيم، فهذا الصنف من الأخبار بدأ في الانتشار منذ بدء وسائل الإعلام عملها حتى صارت كثير من الصحف توصف بأنها صحافة صفراء لكثرة تدليسها وكذبها ونفاقها.

ولعلي هنا أضيف لونا آخر إلى اللون الأصفر ليكون إعلاما أسود للتدليل على قتامة ما تقوم به كثير من وسائل الإعلام من نشر لأخبار سوداء كاذبة أو الترويج لمبادئ قاتمة أو لمحاربة قيم صالحة أو حجب حقائق واضحة أو إيجاد نماذج وقدوات سيئة أو هدم صروح علم قائمة، كل هذه يلعب الإعلام الأسود دورا للترويج والدعاية الإعلامية له ونشره ليظهر بمظهر أبيض براقا يطمس حقائقه التي تعارف الناس والمجتمع عليها.

أتفق مع مقولة أنه يمكن أن يكون الإعلام مضللا -بضم الميم وفتح الضاد وكسر اللام- فهذا ديدنه منذ القدم ولن يتخلى عنه ما بقيت وسائل الإعلام والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة ماثلة أمامنا كل يوم خصوصا فيما بات يسمى بمنابر الإعلام الحديثة أو وسائل التواصل الحديثة، لكن أن يكون الإعلام ضحية للتضليل ويقع في الفخ ذاته الذي أوقع فيه الآخرين وأن يشرب من الكأس ذاتها التي سقى الناس منها فهذا أمر قد يبدو أنه غريب بعض الشيء، فليس بالسهولة كما كنت أفترض أن تقع وسائل الإعلام فريسة لأكاذيب تقوم بترويجها على أنها حقائق دون أن تتحرى صحتها أو أن تبحث عن مصدرها فذاك ليس بطبع أصيل لوسائل إعلام مؤسسية وليست فردية. أفراد ومؤسسات تقوم بصناعة التضليل الإعلامي أي أن هؤلاء الأفراد وتلك المؤسسات مهمتهم باتت تضليل وسائل الإعلام التي تقوم بدورها بتضليل الناس والجمهور وهذه اللعبة الأخيرة بدأتها بعض المنظمات والمؤسسات والدول وحتى الأفراد أنفسهم في خداع وسائل الإعلام وإيهامها بحقائق مزورة ومزيفة كي تقوم تلك الوسائل بإعادة نشر الأخبار المزيفة على أنها أخبار حقيقية من دون أن تعلم تلك الوسائل أنه تم التلاعب بها.

كثيرون هم من يقومون بتضليل وسائل الإعلام منها الشركات الإعلانية والدعائية التي باتت وسائل الإعلام تعتمد عليها في بقائها وهنالك المشاهير وقادة الرأي ممن يرغبون في تحقيق مآرب لهم وهنالك السياسيون والاقتصاديون ممن يحاولون تمرير أجنداتهم ورسائلهم عبر وسائل الإعلام وهنالك الكثيرون من أمثال التقارير الطبية وتقارير التصنيف الدولية وتقارير الأداء الدولية وتقارير حقوق الإنسان الدولية واستطلاعات الرأي المفبركة والاستبيانات الكاذبة وغيرها من العشرات بل المئات ممن باتت مهمتها تضليل الناس باستخدام وسائل الإعلام.