Untitled-1
Untitled-1
روضة الصائم

د. شهيد: نحن متخلفون عن الإسلام ويلزمنا خطوات جريئة لبلوغ معانيه وقيمه

16 مايو 2020
16 مايو 2020

  • المطلوب معاودة النظر في مناهجنا التعليمية واستحضار تنوع منهجي معاصر
  •  تاريخنا الإسلامي قدّم نماذج مثالية للحرية الفكرية.. و"جملة التوحيد".. أسمى عناوينها
  • بُعد القصد الحضاري للأمم يشكل خطرا على القيم.. وعلى العلماء تدارك ذلك

  • "التفاهم" و"الإحياء والتأويل" و"المنعطف" و"إسلامية المعرفة" و"المسلم المعاصر" و"قضايا مقاصدية".. قدمت عطاء فكريا مميزا

حاوره: سالم بن حمدان الحسيني

أكد د. الحسان شهيد أستاذ التعليم العالي تخصص (أصول الفقه والمقاصد) جامعة عبدالمالك السعدي، كلية أصول الدين وحوار الحضارات، بمدينة تطوان بالمغرب أن تاريخنا الإسلامي قدّم نماذج حية ومثالية من ضروب الحرية الفكرية، وأن من أدق تجليات حرية التفكير في الإسلام كلمة التوحيد النافية لكل استعباد أو تقديس أو طاعة لغير الخالق.. مؤكدا اننا متخلفون عن الإسلام حقيقة ويلزمنا الكثير من الخطوات الجريئة لبلوغ معانيه وقيمه. وأشار في هذا اللقاء إلى أن بُعد القصد الحضاري للأمم أصبح يشكل أخطارا حقيقية على القيم والثقافات وعلى العلماء تدارك ذلك، مشيرا إلى أن تجديد أمر الدين ليس هو تجديد الدين لأنه كامل بتشريعاته تام في نعمته. وأكد أن مناهجنا التعليمية التي خلّفها الاحتلال تم نسخها مرات متعددة، والمطلوب معاودة النظر في برامجها ومقرراتها باستحضار التنوع المنهجي المعاصر.. المزيد نقرأه في حوارنا التالي معه: الإسلام الحنيف عدّ حرية التفكير من العبادات ومن صميم العقيدة.. لماذا يحث الإسلام على هذا النهج في نظرك؟ أولا جميل شكري على دعوتكم الكريمة إلى هذا الحوار العلمي الرمضاني، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم، وأن يرفع عنا وعنكم وعن الإنسانية ما نزل بها من وباء، وان يعافينا وألا يبتلينا، إنه سميع مجيب.. سؤالكم له أهمية كبرى لأن السياق الذي نعيشه يفرضه أكثر من أي وقت مضى، ولتقويم تصور معين ورؤية إنسانية يلزم النظر إليها من جانبين، إما التقويم الذاتي القائم على النظر في ذات التصور والحكم عليه عقلا، وإما البعد المقاراباتي لذلك التصور مع رؤى، وتصورات مغايرة خصوصا السائدة منها، فإذا حاولنا تقريب مسألة حرية التفكير في الإسلام على المستوى الأول فإنا لا نستطيع المرور على عدد من النصوص والآثار المؤسسة لحرية الفكر والتفكير والتعبير دون تأمل، فما فتئت آيات القرآن الكريم الهادية تدعو إلى التفكر والتوسم والتأمل والتدبر والتعقل، وفي ذلك إطلاق لحرية الإنسان في إعمال العقل، ثم إن الصيغ الواردة في التفكير جاءت أغلبها على المضارع والأمر، تتفكروا، يتفكروا، تتفكرون، يتفكرون يعقلون، انظروا، سيروا، فانفذوا، وغيرها مما يدل على استمرار التفكير دون توقف، لأن طبيعة الحياة غير متوقفة زمانا ومكانا وإنسانا. وقد نستحضر هنا ما تلخصه المقولة الشهيرة للصحابي الجليل ربعي بن عامر ذلك الجندي البسيط في جيش الخليفة عمر ابن الخطاب خلال معركة القادسية، حينما دخل على رستم ملك فارس وسأله ما الذي جاء بكم، فأجابه بكل عزة وثقة: "جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".. إن قيمة الحرية المشفوعة بقيم العدل والكرامة قد أفصح عنها ربعي بشكل مباشر، وهي مقاصد كلية في الثقافة الإسلامية، هذا بغض النظر عن الفهوم المختلفة التي قد تمنحها الثقافات والحضارات لهذه القيم، إلا أن هذه المفردات القيمية لا تنفك عن المفاهيم الإنسانية اللصيقة بالتفسير الروحي والعقلي والجمالي للإنسان. أما على المستوى الثاني وهو التقريب بين الإسلام وغيره، فإن تاريخنا الإسلامي قدّم نماذج حية، ومثالية من ضروب الحرية الفكرية، وما تراثنا العلمي والفكري الزاخر إلا دليل صارخ على ذلك، بل الاختلاف الذي حصل بين الدوائر العلمية التخصصية الواحدة يفيد هذا المعنى، فقها أو أصولا أو حديثا أو عقيدة أو تاريخا أو لغة أو علوما كونية وطبيعية. ولعله من أدق تجليات حرية التفكير في الإسلام ذلك العنوان العقدي الخالد الموجز في كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" فهو أسمى عناوين الحرية الفكرية، والاجتماعية النافي لكل استعباد أو تقديس أو طاعة لغير الخالق. وبهذا المعنى نحن متخلفون عن الإسلام حقيقة، يلزمنا الكثير من الخطوات الجريئة لبلوغ معانيه وقيمه. وأضاف قائلا: تجدر الإشارة هنا إلى ان المسألة في غاية الأهمية، وهي أنه لا توجد حرية مطلقة في أي ثقافة أو حضارة مهما كانت، كما لا توجد حرية خارج سياق ونطاق معين، بمعنى إن الحرية مثلا في الإسلام نفهمها كما نفهم الحرية في ثقافة أخرى، أي لا يمكن الخروج عن النطاق الإسلامي في تمثل الحرية، وهكذا في الغرب أو الثقافة الهندية أو الصينية، او جميع الثقافات والبلدان والشعوب، فللحرية نسبيتها وخصوصيتها، فما أراه أنا هنا حرية لا يراه غيري حرية. في هذا العالم المتسارع علميا وثقافيا ومعرفيا .. هل هناك مبادرات يمكن تسليط الضوء عليها تدعو إلى تجديد الفكر الإسلامي وتطويره منهجيا ومعرفيا؟ الفكر الإسلامي مسار تاريخي حافل بالعطاءات العلمية، وإذا تحدثنا عن الفكر الإسلامي المعاصر لا يمكن حصره في شكل أو صور متعينة، بل إن أوعية مبادراته مختلفة، تتراوح بين مؤسسات وأفراد، فمن المؤسسات العلمية الرائدة في الفكر الإسلامي المعاصر، هنالك على سبيل المثال المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والرابطة المحمدية لعلماء المغرب، ومؤسسة نماء للدراسات والبحوث، إضافة إلى الجامعات بمختلف البلاد العربية والإسلامية التي أثرت الساحة الفكرية بندواتها العلمية والفكرية في المغرب وسلطنة عمان والأردن وتونس والجزائر وقطر وتركيا وغيرها من البلاد. ولا ننسى أيضا ما تكفلت به المجلات الثقافية والفكرية الثرية من عطاء فكري مميز، كمجلة "التفاهم" التي تصدر بسلطنة عمان، ومجلة "الإحياء والتأويل" و"المنعطف" بالمغرب، و"إسلامية المعرفة" و"المسلم المعاصر" و"قضايا مقاصدية".. وغيرها من المجلات النفيسة. ما هي أهم المرتكزات اللازمة لتأسيس فقه حضاري من أجل النهوض بالأمة لمواكبة الركب الحضاري العالمي؟ لا يمكن للمرء إلا أن يقر بتداخل ثقافي عميق وتمازج حضاري واضح بين شعوب العالم المعاصر، فالبعض أصبح يعيش الآخر ويسكنه إما على الوجه الأكمل أو الناقص خصوصا مع تداعيات العولمة السلبية، لذلك فإن بُعد القصد الحضاري للأمم لم يعد منتهاه عند حفظ الخصوصيات الثقافية المفردة والمتعينة للشعوب فحسب بل أصبح يتطلب ضرورة تجاوزه إلى إنقاد سفينة العالم ككل، والأخذ بأيدي الراغبين في خرق النصيب، لأنه يشكل أخطارا حقيقية على القيم والثقافات والبشرية، وهذه هي مهام العلماء اليوم سواء في الثغور الفقهية أو الكونية أو الطبية. وحينما نؤكد على الفقه هنا ليس بمعناه الاصطلاحي الضيق بل بمفهوم العام الذي يشمل الأبعاد الحضارية المختلفة. فما المطلوب من أمتنا حتى تحقق فقها وعلما حضاريا متناسبا ومؤثرا؟.. إن حاجة الأمة إلى تحقيق غايات الوفاء بالعرض الإلهي والالتزام بمقتضيات حمل الأمانة يقتضي منها العمل على ثلاثة مستويات أساسية لكسب رهانات التدافع الحضاري المعاصر.. المستوى الأول: القراءة الراشدة.. حيث أصبحت المجتمعات البشرية المعاصرة تعيش في ظل عالم يلفّه الغموض، وتحفه أوضاع ثقافية بالغة التعقيد، بحيث لا يمكن فقه الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها آليات التدافع والحوار والصراع إلا بدراسة علمية وقراءة راشدة مدركة، وأقصد بالقراءة الراشدة استفراغ أهل الذكر وسعهم كل في مجال اختصاصه في معرفة حال وواقع الأمة والعالم معرفة دقيقة يسترشدون بها في تشخيص الواقع بتجلياته، وكذا دراسة الأوضاع القيمية والتحديات التي تواجه مدى ثباتها وقيامها في العالم، ثم استبيان أحكام الرشد من مظان الغي في التصرفات والقيم وتمثلاتها الإنسانية. كما أن هذه القراءة ستمكّن من الوقوف عند أسس التثاقف المعاصر والتدافع الحضاري وإمكانيات خوضه في مرحلة من المراحل، إضافة إلى إدراك آليات النظر في القيم الإنسانية الأكثر تضررا من التمدد الثقافي للحضارات المعتدية على جملة من القيم الواجب صيانتها وحفظها في مجالات التواصل القيمي بين الناس. والمستوى الثاني: الممانعة القاصدة: وتمر هذه الممانعة بمراحل ثلاث: الأولى: تشكيل الوعي الحضاري للأمة من خلال تربية الناس على فهم خصوصيات التدافع الحضاري المعاصر وأساليبه وشروطه ومقتضياته. والثانية: التحصين: وذلك ببعث ثقافية قيمية تحصينا للناس من أي اختراق قيمي للثقافات الدخيلة. والثالثة: الممانعة: وتقتضي تفعيل مهام الوقوف ضد كل صور التماهي مع الأشكال الثقافية ذات الأبعاد المنجّسة للقيم الإنسانية، ومنع التواصل معها. والمستوى الثالث: المدافعة الشاهدة.. والمقصود بها امتلاك الأمة القدرة على المشاركة الحضارية الفعالة والإسهام الإيجابي أخذا واعيا واستيعابا شاملا، وخدمة إنسانية في علاقتها مع العالم، بالبيان والأخذ على الأيدي حتى يتحقق فيها ضوابط الأمة العدل في الشهادة على الناس، والقدرة المهيمنة في الشهود. هل من كلمة تود ان تقولها في ختام هذا اللقاء؟ ونحن نعيش ظرفا استثنائيا بسبب الحجر الصحي، نسأله سبحانه أن يرفع عنا وعنكم هذا الوباء وان يعافينا وألا يبتلينا، وأن نعود سالمين غانمين إلى أعمالنا وأشغالنا بإذن القائل في محكم كتابه: (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فأدعو نفسي وأصدقائي وزملائي القراء إلى اغتنام فرصة الحجر الصحي بإدمان القراءة والمطالعة، والتقرب والتودد إلى أسركم، ثم التضرع إلى الله تعالى بالدعاء وقراءة القرآن، في شهر الرحمة والغفران والاجتهاد، كما هي مناسبة لامتحان علاقتنا مع الله تعالى بتمحيص عقيدتنا تجديد إيماننا.