ثثث
ثثث
المنوعات

قصر تمرنة العتيق بالجزائر.. 15 قرنًا من الشموخ والتحدّي

12 مايو 2020
12 مايو 2020

الجزائر - العمانية: يعدّ قصر تمرنة من أهمّ القصور العتيقة المنتشرة بالجهة الشرقية في الجنوب الجزائري، وهو يستمدُّ أهميّته من البنايات التي يضمُّها، والتي وقفت شامخة تتحدّى الزمن والظروف الطبيعية الصحراوية القاسية.

ويُعدُّ القصر بحسب الكثير من المؤرخين، من أبرز المعالم في منطقة وادي ريغ، بولاية وادي سوف، وذلك استنادًا إلى طريقة بنائه ونموذجه الهندسي الفريد الذي أهّله ليكون من المعالم العمرانية المصنّفة ضمن التراث المادي الوطني.

شُيّدت أغلب مباني القصر باستعمال الصخور الصلبة والتراب والطين، وذلك قبل أكثر من 15 قرنًا.

وتحاول الأبحاث التي أُجريت حول العمارة فيه أن تُميط اللّثام عن العلاقة التي كانت موجودة بين الإنسان في ذلك الوقت، وشكل العمارة التي اعتمدها في تشييد سكناته.

وتُعدّ تمرنة القديمة أنموذجًا فريدًا من قصور منطقة وادي ريغ، حيث يظهر ذلك من خلال مهارة البنّائين الذين استطاعوا التغلُّب على قساوة الظروف الطبيعية باعتماد أسلوب الأزقّة الضيّقة، والتي لا يتعدّى عرضها ثلاثة أمتار، وهي مغطّاة، بشكل جزئي، لترك مساحات تُمكّن من دخول الضوء وأشعة الشمس، كما تتميّز أغلب الأزقّة بأقواسها شبه البيضاوية.

وتعود جذور تأسيس تمرنة القديمة إلى الفترة التي نزح فيها البربر إلى الصحراء بعد غزو أرضهم واحتلالها من طرف الرومان.

يقع هذا القصر القديم وسط واحات من النخيل التي تحيط به من كلّ جانب، حيث يؤكد الكثير من الباحثين أنّ هذه الميزة تمنحه موقعًا مثاليًّا للإقامة، كما أنّ طريقة بنائه امتزج فيها الطابعان الهندسيان الإسلامي والبربري، ويتّضح ذلك من بعض الخصائص الهندسية مثل الأقواس.

وقد اعتمد البنّاؤون في إنجاز بيوت القصر على مواد أولية محلية، مثل الجبس والطين والحجارة وأخشاب النخيل وسعفه، فضلًا عن أنّ القصر امتاز باشتماله على طابقين، وبمراعاة بيوته لخصوصيات العمارة الإسلامية، حيث تتشكّل أغلب تلك المساكن من السقيفة التي توجد عادة في بداية البيت، مع وجود بعض الزخارف على الأبواب والنوافذ.

وقد دأب البنّاؤون، قبل تثبيت أسقف بيوت القصر، على وضع الأخشاب في السبخة، قبل استعمالها، لتمتصّ الأملاح من أجل تفادي أن ينخرها السوس والحشرات.

ويُلاحظ أنّ عرض الجدران وصل إلى ما بين 40 و70 سنتيمترًا، لتكون صلبة بما فيه الكفاية، وتتمكّن من مقاومة عاديات الزمن.

وصُمّمت غرف البيوت بحيث تضمّ كلّ منها مدفأة، كما تحتوي على أسرّة مبنية من الجبس، وهي مرتفعة لتُمكّن القاطنين من تخزين أغراضهم تحتها. وتتميّز غرفة رب الأسرة، على وجه الخصوص، بوجود جناح للاستحمام.

أمّا مسجد القصر العتيق فيتميّز بموقعه الذي يتوسّط جميع المباني، حيث تؤدّي جميع الأزقّة إلى الباب الرئيسي للمسجد. ويتميّز المسجد من الداخل، بوجود عدد من الأعمدة والسواري البسيطة والمتناسقة في هندستها، علاوة على أنّه يضمُّ حجرة لتعليم القرآن الكريم بواسطة الألواح التي كان طلبة العلم من الأطفال يعتمدون في الكتابة عليها، على الصوف والطين.

وكان سكان القصر يزوّدون المسجد بحاجته من المياه، التي تُستعمل في الوضوء، عن طريق جلبها من الآبار القريبة بواسطة الدّلاء.

وكانت دكاكين قصر تمرنة العتيق تمتلئ بالسلع القادمة من المناطق القريبة، وعادة ما كان سكان القصر يُخزّنون حاجتهم من المواد الاستهلاكية، مثل التمور، داخل زوايا مخصّصة لهذا الغرض وسط البيوت.