A general view shows the Mexico's state oil firm, Pemex, Cadereyta refinery in Cadereyta
A general view shows the Mexico's state oil firm, Pemex, Cadereyta refinery in Cadereyta
الاقتصادية

هل سيَتعافَى النفطُ الصخري مرَّة أخرى؟

05 مايو 2020
05 مايو 2020

 ترجمة: قاسم مكي

5 مايو/ لم يكن طلب دونالد ترامب من أوبك المساعدة في إنقاذ قطاع النفط الأمريكي جزءا من رؤيته عن (الهيمنة الأمريكية على موارد الطاقة). كان القصد من توسط رئيس الولايات المتحدة لعقد اتفاق بين السعودية وروسيا ينهي حرب الأسعار هو (تعزيز سعر النفط)، لكن بدلا عن ذلك سقط الاتفاق وعجز عن التغلب على الانهيار الذي شهده الطلب العالمي بسبب فيروس كورونا. وسقطت معه ثورة النفط الصخري التي حوَّلت الولايات المتحدة إلى أكبر منتج للنفط في العالم.

الاثنين الأسود

حلَّت اللحظة الفارقة في ما أسماه بعض المتداولين في سوق النفط (الأثنين الأسود) عندما هوت أسعار النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر لأول مرة وتركت حتى عتاة رؤساء شركات النفط يتساءلون كيف يمكن لشركة أن تتعافى بعد إجبارها على دفع أموال لشراء نفطها. فالصناعة، التي مكَّن نموها ترامب من أن يتباهى بإنهاء اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط وأطلقت يده لمعاقبة مصدري موارد الطاقة من إيران وإلى روسيا، تركع الآن على ركبتيها. والمنتجون في المنطقة (الولايات) النفطية بالولايات المتحدة الذين تزداد تكاليفهم الإنتاجية عن منافسيهم العالميين في كربة وعنت ويترجون من واشنطن التخفيف من مكابدتهم بخفض الواردات النفطية الأجنبية أو إدراجهم في تسهيلات الإنقاذ المالي الخاصة بتداعيات (كوفيد-19) لتجنب الإفلاس وفقدان الوظائف.

يقول رئيس شركة نفطية صغيرة: (إذا خرجْتَ من الإنتاج أو أغلقت الآبار لن أكون الخاسر لوحدي. سيكون هنالك عدة أشخاص من بينهم من يتولي خدمة البئر ومن يقود شاحنة النفط ومن يؤجرها وأيضًا المجتمع الذي يعتمد على دولارات ضرائبهم).

من جانبهم، يناشد أعضاء مجلس الشيوخ من الولايات المنتجة للنفط، ومنهم تيد كروز من ولاية تكساس، الحكومة الأمريكية بضم منتجي النفط المحليين إلى المستفيدين من البرامج الائتمانية المخصصة للشركات الفاشلة. وجاء في رسالة بعثوا بها يوم الثلاثاء الماضي أن ذلك قد يعني الفرق بين (المحافظة على إنتاجنا المحلي وخسارة المزيد من الوظائف الأمريكية والعودة إلى الاعتماد على المصادر الأجنبية للنفط).

دعم حكومي للنفط الصخري

ويبدو الآن أنه سيكون هنالك حتما دعمٌ من نوع ما، لكن مهما كان الشكل الذي سيتخذه هذا الدعم غالبا ما سيكون تقهقر قطاع النفط في الولايات المتحدة مذهلا مثل صعوده في السنوات الأخيرة. وصل الإنتاج الأمريكي إلى 13 مليون برميل تقريبا في اليوم بنهاية 2019. كان ذلك هوالعام الثالث لنموه الذي أتاح للولايات المتحدة الوفاء لوحدها بكامل الإحتياجات النفطية السنوية الإضافية للاقتصاد العالمي المتوسع. ومنذ عام 2008، زاد الإنتاج الأمريكي من النفط بأكثر من الضعف. لكنه سيهبط إلى 11 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2021، حسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وكان سكوت شيفيلد، رئيس شركة بايونير ناتشورال ريسورسِس وهي واحدة من أكبر الشركات المنتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة، قد ذكر لصحيفة الفاينانشال تايمز قبل الاتفاق السعودي-الروسي الأخير أن الإنتاج الأمريكي سيتدنى عند سعر 10 دولارات للبرميل إلى 7 ملايين برميل في اليوم.

وهو ما يعني هبوطا يزيد عن إجمالي إنتاج العراق ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك. بل حتى عند 35 دولارًا للبرميل سينخفض الإنتاج بحوالي 3 ملايين برميل في اليوم، بحسب شيفيلد. سيكون ذلك ضربة خطيرة لصناعة احتفى بها ترامب في خطابه عن حالة الاتحاد في يناير كونها جعلت الولايات المتحدة مستقلة (مكتفية ذاتيا) باحتياجاتها من موارد الطاقة.

أمريكا مستورد صافٍ للنفط

لكن بحلول أبريل ومع انهيار الأسعار توقعت إدارة معلومات الطاقة بأن تكون الولايات المتحدة مرة أخرى (مستوردا صافيا للنفط الخام والمنتجات البتروكيماوية في الربع الثالث من العام الحالي).

تقول ميغان أوسوليفان، رئيسة برنامج الجيولوليتيكا بمدرسة هارفارد كينيدي (كلية جون كينيدي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد)، أن ثورة النفط الصخري عززت مركز الولايات المتحدة دوليا (بتغيير البيئة الاستراتيجية العالمية على نحو جعلها أكثر ملاءمة للمصالح الأمريكية). وتضيف قائلة: إن (وفرة الطاقة العالمية التي تعود في جزء كبير منها إلى النفط الصخري ساعدت حلفاء الولايات المتحدة وبالجملة آذت خصومها من إيران إلى روسيا إلى فنزويلا).

من الممكن أن تضر التداعيات الاقتصادية لانهيار النفط بحظوظ ترامب في السنة الانتخابية الحالية. ويزعم معهد البترول الأمريكي، وهو مجموعة لوبي لشركات النفط الكبرى، أن القطاع النفطي مسؤول عن 10% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. لكن ثمة تقديرات أخرى أكثر تواضعا. وذكرت ورقة صدرت مؤخرا عن خدمة أبحاث الكونجرس أن حصة النفط من العجز التجاري تدنَّت من النصف تقريبا في ديسمبر 2010 إلى ناقص 0.1% في ديسمبر 2019. هذه المكاسب تحيط بها الشكوك الآن مع تقليص كبار المنتجين كشركة إكسون موبيل والشركات المتخصصة في النفط الصخري مثل كونتينينتال ريسورسيس إنفاقَها الرأسمالي أو تعهدِها بخفض الإنتاج.

وكان قد سبق للقطاع النفطي سحب 53 بليون دولار تقريبا من حوالي 130 بليون دولار كان من المخطط إنفاقها في العام الحالي، بحسب ريستاد إنيرجي. ووفقًا لشركة البيانات إينفيرَاس، هبط عدد الحفارات العاملة في حقول النفط الصخري بنسبة 40% في الأسابيع الأربعة الماضية. وتقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية: إن الإنتاج تراجع بحوالي 900 ألف برميل خلال الفترة نفسها.

أقل من نصف سعر التعادل

ارتفع سعر النفط مجددًا إلى ما يقرب من 20 دولارًا للبرميل في الأيام الأخيرة لكنه لا يزال أقل من نصف سعر التعادل المطلوب لمعظم منتجي النفط الصخري. لذلك ستكون الخسائر حتما أكبر.

يقول رايان دومان وهو محلل بشركة وود مكنزي للاستشارات: إن الولايات المتحدة قد تفقد ما بين مليوني برميل وثلاثة ملايين برميل في اليوم بنهاية العام الحالي. وهي كمية أكبر بكثير من تلك التي كانت قد خسرتها في أثناء فترة انهيار سعر النفط بين عامي 2015 و2016.

ويضيف: إن (الشركات دخلت هذه المرحلة من التراجع وهي تعاني من هشاشة بالغة). صارت شركة هوايتينج بتروليوم أول منتج كبير للنفط الصخري يطلب تفعيل الفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأمريكي (إشهار إفلاسها) في يوم 1 أبريل. لكن يقول المحامون في شركة هينز آند بوون المتخصصة في إعادة الهيكلة: إن حالات الإفلاس كانت أصلا في تصاعد قبل تراجع سعر النفط. ومن المرجح أن تزداد الآن.

ستشتد الوطأة مع تعطيل أجهزة الحفرعلى كامل سلسلة الإمداد من طواقم التكسير الهيدرولكي إلى شركات توريد الأغذية. إن ما يقرب من 90% من إنفاق المنتجين الرأسمالي يستخدم للصرف على شركات خدمات الحقول النفطية التي تتولى في الواقع القيام بالعمل. والآن تقلص إنفاقَها أكبرُ ثلاثة شركات تقدم الخدمات النفطية هي شلومبيرجر وبيكر هيوز وهاليبرتون. يقول ماثيو فيتزايمونس المحلل بشركة ريستاد: ربما يخسر هذا القطاع 220 ألف وظيفة. وتشمل المعاناة الشركات المتعددة الجنسية والمحلية على السواء. لقد أدرجت شركة هوايتينج في طلب إشهار أفلاسها 25 مقاولا لم تسدد لهم استحقاقاتهم. كذلك فإن شركة شلومبيرجر التي تبلغ قيمة شرائها 37 بليون دولار مدانة بحوالي 9 بلايين دولار. وعلى شركة سي إس ويلدينج بولاية داكوتا الشمالية ديون بمبلغ 1.5 مليون دولار.

انقسام بين حرية السوق وتدخل الحكومة

ينقسم القطاع النفطي حول كيفية التعامل مع الأزمة. فالمعهد الأمريكي للبترول الذي يمثل شركات النفط الكبرى يصر على أن قواعد حرية السوق هي التي يجب أن تسود. ولا يوافقه على ذلك رؤساء شركات النفط الصخري الصغيرة الذين يقولون إن منافسيهم الكبار يفرحون بتمدد المعاناة حتى يتمكنوا من اقتناص الأصول المتأثرة. ويستمر البعض في إلقاء اللوم على موردي النفط الأجانب.

ويشيرون إلى ناقلات النفط المحملة بشحنات النفط السعودي والمتجهة إلى الولايات المتحدة على الرغم من التخمة التي تهدد بإغراق مستودعات التخزين هناك. يريد هارولد هام، وهو أحد المقربين لترامب ويتولى إدارة شركة كونتينانتال ريسورسيس، فرض رسوم جمركية على الواردات النفطية.

هذا فيما يطالب منتجون آخرون بإعفاءات ضريبية أو شراء الحكومة لنفطهم. وتدرس الجهات التي تتولى تنظيم إنتاج النفط في ولاية تكساس إمكانية إحياء (آلية) تعود إلى عقود لفرض قيود إنتاجية. يقول مات بورتيلو من بنك الاستثمار تيودور بيكرينج هولت وشركاه: إن ما يحدث الآن (سيكون تحولا متطاولا وهيكليا). ويتوقع بقاء ما بين 10 و15 شركة فقط من بين عشرات الشركات العاملة في ولايات النفط الصخري الأمريكية.

مستقبل النفط الصخري

السؤال المتعلق بالتطورات في الأجل الطويل هو هل يمكن أن ينمو قطاع النفط الصخري بعد اندماج شركاته واستبعاد الضعيفة منها؟ في الفترة 2015-2016 تمكن منتجو النفط الصخري من البقاء بعد انتهاء حرب أسعار سابقة وذلك بتقليص ما يقرب من 50% من تكلفة عملياتهم الإنتاجية وإقناع المستثمرين بتمويل مرحلة جديدة ومثيرة من النمو في الإنتاج. وبعد شروع أوبك في خفض الإمدادات قفز الإنتاج الأمريكي بحوالي 4 ملايين برميل تقريبا في اليوم خلال 42 شهرا فقط. لكن ذلك النجاح أخفى تزايد خيبة أمل مؤسسات التمويل في وول ستريت من أداء قطاع النفط الصخري الذي بدا أنه يمنح الأولوية لنمو الإنتاج بدلا عن الربحية. ربما يحمِّل مسؤولو شركات النفط الصخري الجائحة وحرب الأسعار المسؤولية عن معاناتهم لكن المستثمرين مستاءون أصلا من ربحية صناعتهم.

كما أن خفض تكلفة الإنتاج سيكون هذه المرة أشد صعوبة. يقول بَدِي كلارك من (هينز آند بوون): إن منتجي النفط الصخري (ما عادوا يزيلون الشحم فقط بل اللحم والعظام أيضا). ويعتقد بعض المستثمرين أن اندماجات قاسية أخرى بين الشركات مطلوبة جدا. فإشهارات الإفلاس والاستحواذات ستضع صخور النفط في أيدي أقل لكنها قادرة على الوصول إلى جيوب عميقة (الحصول على مبالغ تمويلية كبيرة من المستثمرين- المترجم). إنها أيدي من شاكلة إكسون موبيل وشيفرون وقلة من الشركات المستقلة الكبيرة الأخرى التي تملك القدرة على الصمود في وجه تراجع الأسعار. ربما لن يتحقق أمل أولئك الذين يراهنون على أن اضمحلال صناعة النفط الصخري وانخفاض الإنتاج قد تدشِّن عهدا جديدا تتراوح فيه الأسعار عند 100 دولار للبرميل.

ستراقب الرياض وموسكو بدقة صراع النفط الصخري بعين تطمح إلى اقتناص حصة أكبر من السوق وتعافي الأسعار في نهاية المطاف. وستبهج مفارقة ظهور ترامب كوسيط مهم لاتفاق أوبك زائد هذا الشهر مسؤولي النفط الروس الذين شجعوا الكرملين على (تحجيم) منتجي النفط الأمريكي. إن جعل الولايات المتحدة تنخرط في ترتيب الاتفاق يخدم أيضا المصالح السعودية.

يقول أنس الحجي وهو مستشار نفطي: إن مشاركة ترامب (قضت أخيرا) على ما يسمى تشريع نوبِك (قانون حظر إنشاء تكتلات لمنتجي ومصدري النفط- المترجم) في الكونجرس والذي، في حال إجازته، سيتيح رفع قضايا تتعلق بمحاربة الاحتكار ضد منتجي أوبك في الولايات المتحدة. يقول (في الحقيقة كان احتفاء رئيس الولايات المتحدة باتفاق أوبك زائد المسمار الأخير في نعش نوبك).

لكن في حين أن السعودية وروسيا كلتيهما ستشهدان منافع لهما من انكماش إنتاج النفط الصخري إلا أن ذلك لا يخلو من أخطار يمكن أن يواجهانها. فواضعو السياسات في الولايات المتحدة يلومون أوبك وليس ترامب على انهيار النفط. وكلما طال الأمد بانخفاض سعره ترجح اتخاذ إجراءات ضد من يعتقدون أنه وراء ذلك. تقول أوسوليفان (لا أرى تغييرا كبيرا في مواقف الولايات المتحدة تجاه إمدادات النفط الأجنبية التي يريد الأمريكيون (بدءًا من الرئيس) التقليل منها). لقد هدد وتوعد أعضاءُ مجلسِ الشيوخ الناقمون من تدهور أوضاع النفط الصخري.

وربما تجد روسيا التي تخضع سلفًا لعقوبات أمريكية في مجال موارد الطاقة أن انخفاض الأسعار يجعل من الأسهل لواشنطن فرض المزيد من القيود. واقع الحال، لم ينجح كلا المنتجَين في إزاحة النفط الصخري تماما من المعادلة. فموازناتهما تعتمد بقدر كبير جدا على الإيرادات النفطية مقارنة بواشنطن. ربما من المستبعد أن تضخ المؤسسات المالية في وول ستريت أموالا في صناعة النفط الصخري هذه المرة إذا بدأت الأسعار في الارتفاع. لكن الوضع سيختلف إذا وصلت إلى سعر التعادل الذي تحتاجه الرياض (80 دولارًا للبرميل) لضبط موازنتها. فالنفط الصخري يمكن أن ينمو مرة أخرى عند السعر الصحيح.

ترى آمي ميرز جافي، الباحثة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن كبار منتجي النفط يخطئون إذا أعتقدوا أن باستطاعتهم القضاء على النفط الصخري. وتقول إن كل ما يمكنهم عمله هو (تغيير ملكيته). .