ثثثثث
ثثثثث
أعمدة

المدارس بعد زمن الكورونا: إلى غير رجعة؟

01 مايو 2020
01 مايو 2020

ديانا محمود

واقع اليوم لطالما كان حلم البارحة لدى كل التلاميذ. عطلة مفتوحة إلى أجلٍ غير مسمى. لا استيقاظ من الصباح الباكر ولا نظام ولا صفوف ولا حتى دروس في بعض الحالات. فجميعنا يعلم أن التعليم الإلكتروني اقتصر على بعض المدارس وفي بعض الفئات المجتمعية. حيث تعتبر هذه الطريقة، رفاهية لا يستطيع الاستفادة منها فعلياً إلا التلاميذ ميسورو الحال. فشبكات الإنترنت الضعيفة، انقطاع التيار الكهربائي، عدم توفر الأجهزة الذكية وتعدد الأولاد في الأسرة الواحدة، بالإضافة إلى عدم جهوزية المدارس، كلها مشاكل حالت دون نجاح التعليم عن بعد أو ما يعرف بال- E-learning بنسبة كبيرة. لا شك في أن الحصار الذي فرضه انتشار فيروس كورونا، محكم وخانق. فقد فرض معه سلسلة تغييرات وانقلابات لم تكن في الحسبان، كما أسفر النقاب عن عدم جهوزيتنا كعالمٍ عربي بشكل عام (باستثناء بعض الدول المتقدمة) للتكيف مع هذا الطارئ، ليس فقط على المستوى الصحي أو الخدماتي، بل على المستوى التعليمي أيضاً. ليس هناك بنى تحتية قادرة على تأمين الخدمة التي بقيت في الصدارة خلال هذه الأزمة: الإنترنت والاتصالات، والتي تعتبر "خشبة الخلاص" اليوم لاستمرارية الكثير من القطاعات. كما وليس هناك منظومة تربوية قادرة على النهوض بالعام الدراسي الذي نسف بالكامل. منذ ظهور مفهوم المدرسة في الحضارات القديمة، لم تكن محيطاً للتعلم واكتساب المهارات والمعارف، فإذا عدنا إلى عام 1369 حين أسس "هاري ب. سكول" منظومة للتربية، لم يكن الهدف منها التعلم بمفهومه اليوم، بل كانت المدرسة مكاناً لعقاب الأطفال الذين يسيئون التصرف. لست أترحم على "هاري ب. سكول"! لكن فلنفكر ملياً بسلوكيات أولادنا، وأهمية دور المدرسة في تشكيلها ونحتها، بما تمليه المبادئ والأخلاق المثلى. فلطالما كانت المدرسة أكثر من مجرد مؤسسة أكاديمية يقتصر نطاق تدخلها على تعليم مواد محددة، واختباراتٍ وفروض. بل تتخطى ذلك لكونها منظومة فكرية سلوكية تنشئ الأولاد تنشئة نفسية مدنية ووطنية ليكونوا مواطنين أفضل في المجتمع. تنمي لديهم، فضلاً عن المهارات المعرفية، مهارات سلوكية شخصية مثل تنمية حس المسؤولية، النشاط، المثابرة، الإصرار، التصميم والتخطيط، كما تجعل منه إنساناً طموحاً خلاقاً، فهي توسع آفاق تفكيره. لا يمكن لهذه المؤسسة، مهما اختلفت الآراء حولها، أن تلغى أو تستبدل بالتعليم عن بعد أو ال-E-learning . مع كامل التسليم بوجوب إدخاله في المناهج واعتماده، كتقنية مساهمة في العملية التعليمية، وليست بديلة عن المدرسة. إذا نظرنا إلى واقعنا اليوم، حيث الكورونا كان بمثابة فترةٍ تجريبية لحياة أولادنا بلا مدرسة، لا شك في أن الذي سوف نراه هو كفرناحوم! فليس هناك نظام، ولا حس بالوقت، ولا سلوكيات شخصية منتظمة (الاستيقاظ باكراً، تنظيم مهام النهار، الحركة خلال النهار، الالتزام بدوام الدراسة والفرصة، التقيد بالقوانين الإدارية...) كلها عادات، حتى لو اعتقدتم أنها غير أساسية أو مهمة، لكنها تشكل العامل الأبرز في بناء شخصية أولادكم وأخلاقهم وسلوكهم. إليكم مثل بسيط: الاستيقاظ باكراً، فضلاً عن فوائده الصحية حيث يحفز عمل الدماغ ويساعد على ضبط ساعة الجسم البيولوجية، هو قيمة سلوكية نفسية بحد ذاته، يكسب الأولاد منذ نعومة أظافرهم عادات أهم من القراءة والكتابة وهي: النشاط، الالتزام، الإصرار والمسؤولية. فميكانيكية السلوك الصباحي، من النهوض من الفراش في ساعةٍ مبكرة، توضيب الحقيبة والكتب والفراش، ارتداء الملابس، تناول الفطور والخروج من المنزل، كلها ضمن جدول زمني محدد، تنمي احترام الوقت وعدم التخاذل تعزيز الإحساس بالمسؤولية. فهي تنبه الحواس وتجعلها مجندة في خدمة الدماغ والجسد للانطلاق في رحلة اكتساب الخبرات والمعارف المتعددة وإنجاز المهام المطلوبة خلال النهار المدرسي، حيث تقبع القيم السلوكية الجمة التي تبني أفراداً ذوي شخصيات قوية، مستقيمة صحياً، نفسياً وذهنياً من خلال نظامها وقوانينها وروتينها. إن الكورونا غيمة سوداء اعتمت على طبيعة سير حياتنا ولا بد من زاولها، لكن لا تدعونها تأخذ معها، ما استغرقت البشرية عصراً لبنائه بعد الدراسات والخبرات والتجارب في بناء إنسان أفضل.