Screen Shot 2020-04-21 at 5.24.37 PM
Screen Shot 2020-04-21 at 5.24.37 PM
أعمدة

امشِ... كي لا تصل

28 أبريل 2020
28 أبريل 2020

عادل محمود

لا تَخَفْ يا صغيري...

حلّق...فلن تقع.

المشي أقدم مهنة في التاريخ. إن هذه الأعضاء المهملة هي التي أوصلت الإنسان إلى القمر... الأقدام خالقة السهوب والجبال والغابات، المليئة بذاكرة المتاهات. والدامية بجراح العودة، مشياً على الأقدام، من منفى إلى وطن.

الأقدام أداة حرية. ونعمة وصول. وقاهرة الأزمنة السحيقة. والاتساع المهول لهذه الأرض المضيئة.

المشي في ظل منع التجول هذه الأيام، ومنع الذهاب بعيداً عن ساعة البيت والوصول النظامي المحدد... هو نوع من اختلاس الحرية في طرق لم تعد مأهولة، وحدائق لم تعد مفتوحة، ومطاعم عشش على أبوابها العنكبوت.

المشي أداة تذكّر ما دمّره النسيان. ومراجعة لتلك الدعايات القديمة لمختلف أنواع الأمل ، وإعادة الاعتبار للانتباه لما نمر به، ولأغاني الصمت المنشور على حبال الغسيل.

المشي في المدينة المغلقة المتوجسة الخائفة... هو محاولة للإيمان، مجدداً، بأن الحياة لا تنهيها الحرب، فكيف تقضي عليها وافدات الضرر الجانبي لاستهتار الإنسان... كورونا وخنازير ودجاج وخفافيش؟

إذا فتحت صفحة من كتاب يعينك، وأنت تمشي، على وعثاء الملل... وقرأت: "أعتقد أن التفاؤل يجب أن يكون مرتبطاً مع فكرة أن لا (شيء) سيكون جيداً في هذه الحياة. لكن يجب أن نعيش هذا (الشيء) و... معه أيضاً".

المشي أداة نسيان الفراق المرّ، والعلاقات الممزقة، والغيابات المؤلمة.

منذ ربع قرن... ألّفت نظرية لنسيان علاقة حب تصدعت وماتت... بأن تمشي مائة وواحد كيلومتر. بإيقاع يومي. وفي آخر متر من المشي المقرر من الكيلومتر الأخير، من المتر الأخير... اجلس على مقعد في حديقة، ودخن غيومك، وتأمل هذه السماء الزرقاء التي يوجد تحتها أقدام تمشي نحو غايات صعبة... أقدام وأحذية تنجز النسيان.

وفيما أنت تتهيأ للمشي مغادراً لتعيش منجزاً نسيانك... تأتي فتاة وتقول لك: أنا أيضاً أنهيت الآن المتر الأخير من نظرية النسيان، فتعال نحتسي نخب إنجازنا.

وفي المتر الأخير من الجلسة السعيدة كان يرن خافتا هاجس الكيلومترات الجديدة القادمة ... لامحالة!