٢٢٢٢٢
٢٢٢٢٢
مرايا

الكوفة عاصمة الخلافة في عهد الإمام علي.. من قاعدة عسكرية إلى مدينة العلم والأدب

28 أبريل 2020
28 أبريل 2020

سلسلة حلقات يكتبها – عماد البليك

نواصل اليوم سياحتنا مع المدن الإسلامية التي صنعت حضارة المسلمين، وبعد أن توقفنا مع مكة المكرمة ومن ثم المدينة المنورة، نحط هذه المرة الرحال في مدينة الكوفة، التي كان قد انتقل إليها الإمام علي بن إبي طالب حيث اتخذها مقرا لخلافته في العام الـ 36 من الهجرة، بعد أن غادر المدينة التي كان قد تلقى البيعة في مسجدها.

بالنسبة لمعنى الاسم، فالكُوفة بالضم تعني الرملة الحمراء المستديرة أو الرمل عامة، وقيل إن المواضع التي بها هذا الرمل المستدير تسمى كوفاني، وثمة من يطلق مسمى الكوفة على الأرض التي نجد فيها الحصباء مع الطين والرمل.

وهناك رواية ترى بأن الاسم جاء من تكوّفوا أي تجمعوا، وأن سعد بن إبي وقاص بعد أن حقق انتصاره في القادسية نزل بالجيش بالأنبار فلاقوا ما لقوا من أذى حشرات البقّ، فخرجوا يبحثون عن موضع أفضل فكانت الكوفة، التي تكوفوا عندها أو تجمعوا، كما أن "الكوفان" في اللغة تشير إلى اختلاط الناس واضطرابهم في الشدائد، وقد عرفت أيضا بـ "كوفة الجند" في إشارة إلى أنها كانت قاعدة عسكرية يقال إن الإعداد تم لها مبكرا من أيام عمر بن الخطاب.

تقع الكوفة في ما يعرف بمنطقة الفرات الأوسط جنوب بغداد حيث تبعد عنها حوالي 156 كيلومترا، وهي مدينة عرفت بالعلم والمعرفة الدينية والأدب، حيث شكلت قبلة للكثير من العلماء لاسيما بعد أن أصبحت عاصمة للخلافة الإسلامية.

وقبل وصول علي فقد كسبت صيتها من خلال الصحابي سعد بن إبي وقاص الذي كان قد اتخذها مستقرا له بعد حرب القادسية التي انتصر فيها المسلمون على الفرس كما رأينا في مسمى الكوفة، ويقدر بأن فترة بنائها كانت حوالي عام 17 هجرية الموافق 638م، حيث أصبحت مقرا للقيادة العسكرية لعموم العراق وفارس.

وقد أورد الطبري في تاريخه أسباب بناء الكوفة، إذ أشار إلى أن سعد بعد أن حقق انتصاراته في القادسية والمدائن وتغلب على الفرس وقد سيطر على الأراضي العراقية، لم يجد أفضل من هذا الموقع ليكون مقرا للقيادة، ويعود ذلك لعدد من الأسباب منها ما يشير إلى طبيعة الأرض ومنها ما يرتبط بالموقع الجغرافي.

ففي الجانب الأول فالكوفة منطقة مرتفعة حيث لا تتأثر بالفيضانات وهذا يشكل حماية لها.

أما في الجانب الثاني فهي قريبة من ماء نهر الفرات وتقع في منطقة تتلاقى فيها الطرق، ويمكن إضافة العامل الثالث المذكور سابقا في خلو المنطقة من الضواري والمؤذيات كالحشرات.

في التاريخ البعيد ترى بعض الروايات بأن الكوفة كانت مستقر النبي نوح، وثمة من يرى أيضا بأن مسجدها من أقدم المساجد في الأرض بعد بيت الله الحرام، وغيرها من الروايات التي تجمع بين الحقيقة والمتخيل.

بعد أن اتخذها علي عاصمة له فقد أصبح للكوفة مقاما وأصبحت مدينة صناعة القرار السياسي للمسلمين بالإضافة لدورها كقاعدة عسكرية، وهذا وضعها أمام أحداث عديدة منها العصيب، حيث وقعت موقعة كربلاء ليس بعيدا عن حدودها، وفيما بعد وعلى مدار التاريخ فالكوفة شهدت العديد من الثورات للعلويين والقرامطة وغيرهما.

ولئن ارتفع شأن الكوفة وزاد العمران فيها خلال الفترة الأموية، إلا أن ظهور بغداد على يد المنصور، على الواجهة فيما بعد في العصر العباسي سحب منها البساط، لتقل مكانتها وريادتها الأولى لاسيما في الجانب السياسي وأيضا حركة العلم والمعرفة، بيد أن ذلك لم يخصم ربما الكثير من وضعيتها مركز استراتيجي وتكتيكي عسكري بسبب موقعها، لكن ذلك انتهاء أهميتها التجارية والثقافية تماما، حيث ظلت عامرة بالعديد من المساجد ودور العلم.

كما تضم الكوفة العديد من المزارات والمراقد الدينية كمسجد الكوفة ومحراب علي حيث إنه قتل على يد عبد الرحمن بن ملجم بجوار الكوفة في التاسع عشر من شهر رمضان من سنة 21 هجرية، عند صلاة الفجر، أيضا يوجد فيها بيت علي والعديد من المساجد المهمة الأخرى كالمسجد الأعظم ومسجد السهلة.

وقد اشتهرت الكوفة بنسبة الخط العربي المعروف بالكوفي إليها، الذي تفرعت منه أنواع أخرى من الخطوط العربية، وهو قد نشأ في فترات مبكرة من الإسلام حيث ظهر في البدء في الحيرة بجوار الكوفة، إلا أنه بلغ أوجه في الكوفة ونسب إليها، وقد كانت أول تسمية لهذا الخط بالكوفي قد وردت في كتاب الفهرست لابن النديم.

لقد ظلت الكوفة تختزن تاريخا ثريا قد يتطلب المزيد من الاستكشاف إذ لا تحتويه مساحة صغيرة، ومن الإشارات أن الفيلسوف المشهور الكندي قد ولد بها، لكنها أبعد من ذلك هي مدينة النحاة والشعراء والوراقين وأهل العلم الذين عمروها لردح من الزمن وقد تركوا أثرهم باق فيها إلى اليوم، فرغم بروز بغداد إلا أن الكوفة حافظت على مركزها الأساسي لدراسة علوم النحو، والنقد، وعلوم اللغة، والآداب عامة.

ومن الأسماء التي تنسب لها في المعرفة، أبو الأسود الدؤلي عالم النحو العربي المعروف، هناك أيضا الشاعر أبو العتاهية والمتنبي الذي ولد فيها عام 915م والعالم رائد الكيمياء جابر بن حيان وقد توفي فيها سنة 813م.

وقد ورد ذكرها عند بعض رحالة العرب الذين زاروها ولكن بعد أن كسد حالها، فقد زارها ابن جبير الأندلسي سنة 580 هجرية لكنه وجدها آيلة للخراب، فكتب عنها "مدينة عتيقة البناء، قد استولى الخراب على أكثرها، فالغامر منها أكثر من العامر"، كذلك فقد زارها ابن بطوطة فكانت على الحال ذاته.