ضضضض
ضضضض
كورونا

د. محمد بن سيف الحوسني في حوار مع "عمان": صعود المنحنى إلى القمة بطيء نتيجة الإجراءات الاحترازية.. ولا خيار إلا الالتزام

27 أبريل 2020
27 أبريل 2020

لا يمكن معرفة مرحلة ذروة الجائحة إلا بعد تجاوزها

د. محمد بن سيف الحوسني في حوار مع "عمان":

أخطر مؤشرات النماذج العددية: 1500 إصابة يوميًا تدخل منها 184 حالة للعناية

تسبب شخص في نقل العدوى لـ17 آخرين ونجا منه اثنين كانوا يشاركونه نفس الغرفة

وفرنا فحوصات جزيئية سريعة لكل المستشفيات المرجعية والخاصة

الفحص السريع يحتاج 45 دقيقة والبطيء 3 ساعات ونصف

ما زال لدينا الكثير من حالات العدوى غير معلومة المصدر

حاوره ـ عاصم الشيدي

طوال مدة إجراء هذا الحوار التي استمرت لأكثر من ساعة عبر الهاتف كان سعادة الدكتور محمد بن سيف الحوسني وكيل وزارة الصحة للشؤون الصحية لا يمل التحذير من الفيروس المسبب لمرض "كوفيد19" ويؤكد في أغلب ردوده أنه خطير جدًا، ولا يمكن التقليل من ضرره أبدًا، مؤكد أننا ما زلنا نتعامل مع فيروس مجهولاته كثيرة. ورغم أنني حاولت الحصول على ما يمكن أن يطمئننا أن الفيروس يمكن أن يتلاشى سريعًا أو يمكن لحرارة الصيف أن تكفينا همه وقتاله إلا أنني لم أستطع فالرجل لا يريد أن يطلق أي حكم إلا بالاستناد إلى الدراسات العلمية، بل إن رؤيته المستقبلية بدت منطلقة من التأثيرات التي يصنعها الفيروس في واقعنا الحالي. وهذا نص الحوار.

• إلى أي مدى تشعر أن التباعد الاجتماعي أتى بنتائج جيدة؟

لا شك أنه ساهم في تباطؤ صعود المنحنى هو والإجراءات الاحترازية الأخرى. ولكن رغم ذلك لي عتب كبير على إخوتي المواطنين جراء بعض التراخي الذي بدأ منهم أخيرًا تجاه التباعد الاجتماعي والجسدي. أقدر كثيرًا صبرهم وتباعدهم خلال الفترة الماضية ولكن أملي أن يكون لديهم نفس أطول.

لدينا مؤشرات تؤكد أن التباعد الاجتماعي أدى إلى انخفاض المؤشر بين المواطنين العمانيين، وأدى إلى تباطؤ في صعود المنحنى إلى الذروة التي لم نصلها بعد، وهذا أمر طيب جدًا يجب الحفاظ عليه؛ إذ من المهم جدًا ألا نعطي الفيروس فرصةً للتكاثر؛ لأن مع إصابته للآخرين يجد فرصة أكبر للتكاثر واحتمالية تحوره تكون واردة نظريًا ولا توجد أي وسيلة أخرى إلا التباعد.

• ماذا تقصد دكتور بتحور الفيروس؟

التحور خطر محتمل، ولكن لا يوجد حتى الآن دليل أنه حدث. التحور يحدث في الإنفلونزا ولذلك نحتاج كل عام لتغيير اللقاح، حيث تطرأ تغييرات على غشاء الفيروس.

• أين وصل المنحنى الوبائي في السلطنة؟

النماذج التي أعدت في وزارة الصحة هي عبارة عن برامج إحصائية، تدخل عليها معطيات تخص المنطقة التي تريد عمل المنحنى لها وهذه المعطيات تتمثل في عدد السكان، والفئات العمرية، وعوامل الاختطار مثل: الأمراض المعدية وغيرها، وبناء على ذلك تعطيك هذه البرامج نتائجها على شكل منحنيات وأعداد. وقد أعددنا نموذجين: النموذج الأول بدلالة مدينة ووهان الصينية، والنموذج الثاني بدلالة مدينة بيرجامو في إقليم لومبارديا شمال إيطاليا. والنموذج الأخير أعطانا قراءات عددية كبيرة للمصابين، لكن نحن الآن أقل من ذلك والسبب يعود إلى أن الصعود إلى قمة المنحنى متباطئ نتيجة الإجراءات التي اتخذتها الدولة، وعمومًا لا نتوقع أن تكون لدينا تلك الأعداد الكبيرة شرط أن تستمر الإجراءات الاحترازية الحالية، ويستمر التزام الناس بها، أما إذا حدث أي تراخ فإننا يمكن أن نصل إليها لا قدر الله.

• ما أخطر ما تقوله تلك النماذج؟

يكفي أن تعرف أننا سنحتاج إلى 184 سريرًا في العناية المركزة في اليوم الواحد في ذروة الحالة، وهذا عبئ كبير على القطاع الصحي، وفي بعض أيام الذروة سنسجل في اليوم في حدود 1500 حالة، لكن نحن لا نتوقع أن نصل لذلك شرط استمرار الإجراءات والتزام المواطنين بالتباعد الجسدي.

• في حالة حدوث ذلك كم من المقدر أن يستمر الأمر؟

ذروة أي وباء في الغالب تتراوح بين 4 أسابيع إلى 12 أسبوعًا ولا تتجاوز هذه المدة وهذا ما رأيناه في الصين على سبيل المثال.

• كثر الحديث هذه الأيام عن فترة الذروة.. ماذا تعني بهذا المصطلح وما محددات الوصول لهذه المرحلة؟

فعلا الجميع يتحدث عن فترة الذروة. فترة الذروة تعني أكبر عدد من الحالات التي تسجل في اليوم الواحد على مدى أيام الوباء الذي يستغرق كما أسلفت من 4 إلى 12 أسبوعًا. ولكن لا يمكن معرفة أننا وصلنا إلى مرحلة الذروة إلا بعد تجاوزها. يعني عندما تقل الحالات ويكون النظام الصحي مطمئنًا أنه أجرى فحوصات كافية، وفي الوقت نفسه يرى انخفاضًا في عدد الحالات مقارنة بالأيام السابقة نستطيع حينها القول إننا تعدينا فترة الذروة.

• كم يبلغ معدل RT في السلطنة الآن؟

منذ بداية الوباء ما زال المعدل يتراوح بين 1.2 و1.4 ما يعني أن كل 10 أشخاص يمكن أن يتسببوا في نقل العدوى إلى 12-14 شخصًا تقريبًا وهذا قريب من واقع الأرقام التي ننشرها وتوجد مؤشرات للأسف تؤكد أن التباعد الاجتماعي والجسدي كان فعالًا جدًا بين العمانيين دون الوافدين.

• الناس تسأل إلى متى يمكن أن تسمر هذه القيود وهذه الإجراءات؟

القيود تستمر إلى أن تبدو مؤشرات إلى انخفاض عدد الحالات شريطة ارتفاع عدد الفحوصات. والأخبار المفرحة أن لدينا الآن عددا لا بأس به من أجهزة الفحص، وجميع الفحوصات التي لدينا هي فحوصات جزيئية حسب إرشادات منظمة الصحة العالمية ومركز مراقبة ومكافحة الأمراض الأمريكي، بينما تستخدم بعض الدول الفحوصات المصلية. ومن الأخبار المفرحة أيضًا أننا استطعنا أخيرًا توفير الفحوصات الجزيئية السريعة التي كنا ننتظرها منذ فترة طويلة في كل المستشفيات المرجعية في السلطنة وكذلك مستشفيات القطاع الخاص، وبدأ فعلا استخدام هذا النوع من الفحص في كل من مستشفى الرستاق ومستشفى إبراء.

• كم المدة التي تحتاجها الفحوصات الجزيئية السريعة؟

تحتاج من نصف ساعة إلى 45 دقيقة. فيما يحتاج الفحص المعياري البطيء حوالي 3 ساعات ونصف.

• هل صار لدينا كمية كافية من هذه المحاليل سواء للفحص البطيء أو السريع؟

نستطيع القول إن لدينا كميات جيدة.

• تقولون الآن إن نسبة الإيجابية من بين عدد الفحوصات التي تجرى كل يوم لا تزيد عن 5%، ما هي النسبة التي لو وصلنا لها نستطيع القول إننا مهيئين لإنهاء القيود؟

هذا يعتمد على الكثافة السكانية، ويختلف بين محافظة وأخرى، في الوسطى مثلا يختلف عن مسقط ويختلف عن شمال الباطنة. ولكن عندما نرى أن عدد الحالات بدأ في الانخفاض في ظل وجود فحوصات كافية للسكان والتي تقدرها بعض المصادر بـ30% من مجمل السكان، يمكن أن نشعر أن ذلك ممكن، ولم نصل بعد لذلك رغم تجاوزنا 36 ألف فحص خلال الفترة الماضية. كذلك يمكن الاطمئنان حين تكون معظم الحالات معلومة المصدر، لكن ما زالت الكثير من الحالات للأسف غير معلومة المصدر وتتركز في تجمعات في بعض الولايات.

• هل تفكرون في مرحلة من المراحل لإجراء اختبارات عشوائية لمعرفة ما إذا تشكلت لدى المجتمع مناعة في ظل اعتقاد البعض أن هناك حالات كثيرة مصابة ولكن غير معروفة وقد تساهم في تشكل "مناعة القطيع"؟

هذا وارد، ولابد منه في مرحلة التعافي، ولكن الفحوصات المصلية تحتاج إلى انتشار واسع للمرض لتكون حساسيتها مقبولة، والآن ما زال انتشار المرض قليلا.

• ما هي أكبر المجهولات في المرض حتى الآن؟

هناك الكثير من الأمور مجهولة عن هذا المرض حتى الآن. من بين الأمور المجهولة معدل الهجوم وسط العوائل، آخر دراسة أتت من الصين تقول إن معدل هجوم هذا الفيروس وسط العوائل يصل إلى 18%.

• ماذا تقصد بمعدل الهجوم؟

هو نسبة الإصابة بالفيروس إلى عدد الأشخاص المعرضين للإصابة وحتى أقرب الصورة فإن الحصبة، على سبيل المثال، لو دخلت قرية فلن تترك أحدا في القرية معرض للإصابة إلا أصابته، بمعدل الهجوم فوق 90%، بينما كوفيد19 فمعدل هجومه 18% وهي نسبة عالية لمرض تنفسي. ولكن الغريب أن شخصًا تسبب في عدوى 17 شخصًا إلا اثنين رغم أنهم كانوا يشاركونه الغرفة نفسها ولم ينقل لهم العدوى، وهذه النسبة عالية جدا ولذلك لا بد من الحذر من هذا الفيروس. وثاني الأمور المجهولة عن هذا الفيروس: الطيف المرضي الذي يؤدي له هذا الفيروس، فهو يؤدي إلى نوع غريب من التهاب الرئتين، ورأينا أنه يؤدي إلى تخثر في الأوعية الدموية. وإلى الآن لا توجد دراسات تشريحية كافية تبين أثر الفيروس على بقية أجهزة الجسم. وهناك مجهولات من حيث العلاج، فلم تثبت حتى الآن نجاعة للأدوية التي تستخدم للمرضى، وكلها لها فوائد وعليها مآخذ. ومن المجهولات أيضًا موضوع المناعة من الفيروس، فلا أحد يستطيع أن يؤكد حتى الآن أن الشخص يمكن أن يكتسب مناعةً منه، كما لا يستطيع أحد أن يؤكد أن التحصين ضده يمكن أن يكون ناجحًا بدرجة كبيرة.

• هل تعتقدون، فعلا، أن الفيروس جاء ليبقى؟

نعم، هناك انطباعات أن الفيروس جاء ليبقى فترة، ولا بد أن نحتفظ بأسلحتنا ضده لفترة طويلة.

• أي أسلحة تقصد؟

لا نملك الآن إلا سلاح التباعد الجسدي، والنظافة المتمثلة في المقام الأول في غسل اليدين وعدم ملامسة الوجه والعادات الصحية عند السعال والعطس، وعدم المخالطة في الأماكن المزدحمة وعدم ترك البيت إلا في حالة الضرورة وعدم التأخر عن استشارة الطبيب في حالة الشعور بأعراض المرض.

• كثر الحديث هذه الفترة عن تأثر الفيروس بارتفاع درجات الحرارة حتى أن البعض صار يقول إن عمر الفيروس يكون قصيرًا جدًا على الأسطح الخارجية بسبب الحرارة؟

لا توجد دراسات علمية حتى الآن يمكن الاستناد إليها، وقد تظهر دراسات تحدد مدة بقائه على الأسطح، ولكن لا يمكن أن نسقط ذلك على موضوع العدوى فهذا أمر مختلف. لكن هذا لا يعني أن شخصًا تحدث أمامك أو عطس أو سعل وهو مصاب لا يمكن أن يصيبك بالعدوى أم لا، وهناك فرق بين كم يعيش على الأسطح وكم يعيش في الحلق.

• في هذا السياق أسأل أيضًا عن كمية الفيروس التي يمكن أن تتسبب بالعدوى سواء المباشرة أو من الأسطح؟

هذا سؤال مهم جدًا، ولكن إلى الآن لا توجد دراسات موثوقة عن كمية الجرعة الممرضة، وهو يمكن أن ينتقل عن طريق الملامسة، ثم ملامسة الوجه فربما تكون الجرعة الممرضة قليلة جدًا، وهذا يحتم الحذر الشديد من هذا الفيروس.

• بعض الدول فتك بها الفيروس فيما دول أخرى تعامل معها بكثير من اللطف وربما اللين، هل للأمر علاقة بالجينات أو بالأعراق؟

من فضل الله أن جميع الدول تتساوى أمام هذا الفيروس سواء كانت دولًا غنيةً أم فقيرةً، ولا يفرق بين عرق وآخر. والسلاح الذي يستخدم ضده يجده الجميع ألا وهو التباعد الجسدي والاجتماعي.

• لماذا إذن عدد الوفيات في ألمانيا بسيطة جدًا مقارنة بعدد الوفيات في إيطاليا أو إسبانيا؟

يعود السبب فقط إلى التراخي في تطبيق الإجراءات، هناك دول طبقت الإجراءات بحزم مثل الصين على سبيل المثال، فيما تراخت دول أخرى. وفي ألمانيا حيث الوعي مرتفع جدا أدى التباعد الجسدي والاجتماعي إلى ضغط المنحنى الوبائي إلى أقل من 1 خلال شهر أو أقل وألمانيا من الدول التي أجرت فحوصات كثيرة في وقت مبكر، وقامت بعزل المصابين. وهناك تجارب جديرة بالاهتمام مثل تجربة نيوزيلندا وكذلك تجربة اليونان، حيث نجحوا في تسطيح المنحنى الوبائي رغم أن اليونان ليست في غنى عن الدول المجاورة لها.

• كيف ترى الطريق نحو المستقبل في ظل هذا الفيروس؟

أعتقد أن علينا أن نتسلح جيدًا لمحاربة الفيروس لفترة طويلة وبنفس الأسلحة التي اكتسبناها خلال الأسابيع الماضية والمتمثلة في التباعد الجسدي والعادات الصحية السليمة، وربما سنكون في غنى عن العودة لبعض العادات الاجتماعية الموجودة معنا في عُمان التي بها اختلاط كبير بين الناس، خاصة المناشط الاجتماعية، ويجب أن نطور أساليبنا بحيث يكون العمل والدراسة ممكنة عن بعد قدر الإمكان.

• هذا كثير جدا وصعب!

هذه رؤية للمستقبل، صدقني هذا الفيروس قد يعود مرارًا، ونحن لسنا في منأى عن الفيروسات الأخرى، هناك فيروسات متربصة بالبشر. وعلى القطاع الصحي أن يكون جاهزًا من حيث أنظمة الترصد الوبائي والفحص المخبري لرصد الحالات المصابة وعزلها وتتبع المخالطين، كما يجب أن يكون جاهزًا بأعداد كافية من غرف العزل وغرف العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي.

• البعض يعتقد أن قلة عدد الإصابات في بعض المحافظات أو الولايات مرده إلى قلة الفحوصات وهؤلاء يعتقدون أن هناك انتشارًا للمرض رغم قلة الحالات المكتشفة؟

لا، لدينا نظام ترصد وبائي فعّال. وهناك برنامج وطني لترصد الأمراض الصدرية يشمل الالتهابات التنفسية، فكل حالة التهاب تنفسي يتم ترقيدها في أي عناية مركزة في أي محافظة لن يفوت نظام الترصد الوبائي. ورغم ذلك نحن نعمل على تكثيف الفحوصات بدرجة كبيرة كي نستطيع التعرف على الحالات المصابة وعزلها مبكرًا وكذلك نتتبع المخالطين.