أفكار وآراء

خطورة التسييس على التعاون الدولي في مواجهة كورونا

26 أبريل 2020
26 أبريل 2020

فتحي مصطفى -

ما بين هلع بعض دول العالم خشية انتشار فيروس «كورونا» بصورة أكبر لا يمكن السيطرة عليها، وبين دول أخرى تعاني ويلات انتشاره فيها، وتبذل الغالي والنفيس لوقف ارتفاع عدد الضحايا، وفي الوقت الذي يجب على العالم فيه الوقوف في صف واحد لمواجهة هذه الجائحة والقضاء عليها كلية أو كبح جماحها، تخرج علينا أصوات من أنحاء مختلفة في محاولات لتسييس الأزمة بغية الاستفادة منها، سواء للحصول على مكاسب كان من الصعب في السابق الوصول إليها، أو كفرصة لتصفية حسابات، أو الإطاحة بمنافسين بعيدا عن الساحة أو لأغراض أخرى.

ولعل الأبرز في هذا النطاق هو محاولات الولايات المتحدة الأمريكية تسييس أزمة «كورونا» عبر توجيه عدد من الاتهامات إلى الصين، تمثلت في تعمد الأخيرة إخفاء بيانات أولية مهمة حول الفيروس وماهية انتشاره، وكذلك الحديث عن تقارير استخباراتية تشير إلى تسرب عدوى فيروس كوفيد من «مختبر ووهان» الذي لا يتمتع بالتدابير الأمنية المناسبة، واتهمتها أيضا بتعمد عدم إحصاء 1300 حالة وفاة لم تدرج في بياناتها ولم تبلغ عنها، وبررت الصين ذلك بأن هؤلاء المتوفين قضوا وهم في منازلهم، ولم يتم إحصاؤهم وقتها.

لوحت أيضا الولايات المتحدة بعقوبات على الصين في حالة إدانتها، وكذلك اتهام ترامب لمنظمة الصحة العالمية بتحيزها إلى الصين ومساعدتها في إخفاء الحقائق، وتقصيرها في إرسال خبراء إلى الصين لتقييم الأوضاع على الأرض بمهنية، وتهديده للمنظمة بوقف التمويل الأمريكي لها والذي يتراوح ما بين 400 إلى 500 مليون دولار.

وفي الواقع فإنه من غير المناسب أو المنطقي في هذا الوقت الصعب والعصيب توجيه مثل هذه الاتهامات إذ ينشغل الجميع بمحاولات احتواء الجائحة، إلا أن ثمة أسبابا قد تكون ملحة تدفع بالجانب الأمريكي إلى خوض معركة الاتهامات هذه، أولها هو محاولة الولايات المتحدة الأمريكية هز صورة «الصين» أمام العالم، باعتبارها منافسا تجاريا قويا لها، وهو أمر واضح وجلي يعرفه القاصي والداني، إذ خاض الطرفان معركة اقتصادية كبيرة، أبرزها ما دار حول فرض كل طرف رسوما جمركية على بضائع الآخر وصلت إلى مليارات الدولارات، فضلا عن اتهام الولايات المتحدة الأمريكية متمثلة في رئيسها «دونالد ترامب» للصين بقيامها بممارسات تجارية غير عادلة وسرقات في مجال حقوق الملكية الفكرية، كما أن الجانب الصيني يتصور أن أمريكا قلقة من نهوض الصين المتسارع وتحاول تعطيل أو التأثير على نهوضها.

والسبب الثاني هو قرب موعد الانتخابات الأمريكية المقرر عقدها في الثالث من شهر نوفمبر من العام الجاري 2020، إذ ربما يساعده ذلك ترامب في تحسين صورته أمام أصوات أمريكية داخلية اتهمته بالتقاعس وعدم تقدير حجم الكارثة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية من انتشار واسع وسقوط ضحايا كثيرة لفيروس كورونا، أبرزها ما قاله المرشح الديمقراطي «جو بايدن» من خلال مقطع مصور بثه على الإنترنت، متهما ترامب بأنه ترك أمريكا مكشوفة ومعرضة لوباء «كورونا»، وأنه تجاهل تحذيرات خبراء الصحة ووكالات المخابرات، وبدلا من أن يتعامل معها بمحمل الجد، وضع ثقته في زعماء الصين.

وقد انضمت استراليا أخيراً إلى ركب تسييس أزمة كورونا، إذ وجهت اتهامها بمسؤولية الصين عن انتشار الفيروس، وربما كان ذلك نوعاً من ممارسة الضغط على الصين، إذ شهدت العلاقات بين الطرفين تدهوراً بسبب اتهامات استراليا للصين بالتدخل في شؤونها الداخلية، مع تصاعد القلق من نفوذ صيني متنام في منطقة المحيط الهادي.

وبرغم خطورة الأزمة التي لا تزال قائمة وسط تكهنات من البعض أنه يتعين التعايش معها، أي مع فيروس «كورونا» لاسيما في ظل عدم اكتشاف دواء أو مصل ناجع له حتى الآن، ما يعكس مدى تأثر اقتصادات الدول المصابة لدرجة قد تصل إلى الانهيار، فإنه حري على الجميع شعوباً وقيادات، عدم القفز على الأزمة واستثمارها لصالح أغراض شخصية أو سياسية وتحقيق مكاسب من ورائها، والتكاتف وتضافر الجهود وتقديم المساعدات للدول التي فشلت في مواجهة «الوباء» لأن الأمر لو خرج عن السيطرة كليا، فسيأكل الأخضر واليابس ولن يبقي ولا يذر ما كانوا يطمعون في الوصول إليه.