Screen Shot 2020-04-12 at 4.38.06 PM
Screen Shot 2020-04-12 at 4.38.06 PM
أعمدة

نوافذ: لا أريد لهذا الفيروس أن ينتهي

26 أبريل 2020
26 أبريل 2020

عبدالله بن سالم الشعيلي

@ashouily

ليسامحني الشاعر الكبير محمود درويش فاستعير منه عنوان آخر دواوينه الشعرية " لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" فأنا لا أريد لهذا الفيروس أن ينتهي فقد تعلمت منه كثير من الحكم والدروس والفوائد العظيمة التي لولاه لما تسنى لي أن أتعلم كل هذا الكم من العلوم والمعارف في كافة جوانب الحياة منها ما يتعلق بالنفس البشرية وضرورة التباعد بين البشر ومنها ما يتعلق منها باكتساب العلوم البشرية المختلفة في التقنية والاقتصاد والطب والتعليم وكثير غيرها.

تعلمت في هذه المحنة ما لم أتعلمه في دهر كامل، تعلمت الاصغاء والصمت أكثر من الكلام الذي لا طائل منه، تعلمت من صمتي قراءة ما يثرثره كثير من الناس وما يمكن أن تقودهم اليه ثرثرتهم، تعلمت أن الصمت فضيلة لا يتقنها كثير من الناس وأن الحديث قد يكون رذيلة يتسابق إليه كثير من الناس، تعلمت أن العزلة والانطواء والتباعد والخلوة هي من أفضل حالات الإنسان كي يعرف ذاته ليسألها عما بها وما تشتكي وما تعانيه من آلام ذاتيه وأوجاع خارجية، تعلمت أن النظر الطويل الى الأشياء يمنحك التفكر فيما خلق الله من مخلوقات لم نكن لنجد الوقت لمعرفتها والتعرف عليها لو لا هذا الفيروس الذي باغتنا وانقض علينا وفرض على البشرية عزلة إجبارية.

تعلمت أن المحن تأتي بالخير دائما كما قال خوسيه ساراماغو "انه حتى في أسوأ المحن قد تجد خيرا كافيا يمكنك من احتمال المحنة" وهذا الخير جاء في أشكال وصور كثيرة تمثلت في تكاتف وتعاضد المجتمع، في تعلم مهن وحرف وصناعات جديدة، في اختراعات واكتشافات حسنت حياة الإنسان في حاضره ومستقبله، في تقليب الأرض للبحث عما تختزنه من كنوز ومعادن نفيسة، في الإنسان وما يمكن أن يصنعه أن أعطي الثقة والتمكين في ذاته، في تحسس معاناة فقير أو مسكين أو عابر سبيل، من الإحسان الى الحيوان، في الأرض حين ترتاح من مخربها وتشتم الهواء النقي وتنعم بالماء الصافي، في السماء الصافية من الدخان والملوثات في الخير ذاته حين يكون من الإنسان الى الإنسان.

لا أريد لهذا الفيروس أن ينتهي، فبانتهائه ستعود الى الحياة الى همجيتها ويعود الإنسان ليقتل ويشرد أخاه في الحروب، سيعود البشر الى طبيعتهم في التشكي والتذمر من الحياة وصعوبتها ومآسيها وسرد مصائبهم المالية والاقتصادية والعسكرية، ستعود الأرض الى الشكوى مع عودة الإنسان الى طبعه في تدمير وتلويث وتقليع الأرض، وستعود السماء الى الأنين بمجرد عودة الإنسان الى حياته السابقة وسباقه مع ذاته ونفسه، وسيعود الإنسان للشكوى من أخيه الإنسان بسبب التقارب بينهما وكثرة الكلام وقلة الانصات.

ستعود الحياة الى طبيعتها ويعود السياسي الى ممارسة غطرسته وجبروته، ويعود العسكري الى آلته ومعداته ليدمر الآخر، ويعود الغني ليزيد رصيده المتأثر بأموال أنفقها خوفا على مصيره، وسيعود الفنان والرياضي والمهرج كلا الى طبيعته لاستغلال الموقف وزيادة رصيده، وتعود الحياة طبيعية ليعود بعدها من كان في الصف الأمامي في خط المواجهة من أطباء وممرضين وشرطة وحماة الأمن الى الظل لا يلتفت اليهم أحد وليتسلق على أكتافهم بعضا ممن يجيد استغلال المواقف وسينتهي المشهد أخيرا ليأتي الرواي كي يروي لنا قصة فيروس صغير تحول الى وباء عالمي استطاع أن ينشر الأمن والسلام والاستقرار على الأرض لفترة قصيرة من الزمن.

لا أريد لهذا الفيروس أن ينتهي كي لا تعود الحياة طبيعية كما كانت عليه.