Screen Shot 2020-04-04 at 8.02.12 PM
Screen Shot 2020-04-04 at 8.02.12 PM
أعمدة

نوافذ:عُمان ما بعد كورونا!

25 أبريل 2020
25 أبريل 2020

عاصم الشيدي

[email protected]

كثر الحديث هذه الأيام عن شكل العالم بعد انتهاء جائحة "كورونا"، في وقت يكاد يجمع فيه الكثيرون على أن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها. وهذا ربما طبيعي جدا، فالعالم بعد الحرب العالمية الأولى اختلف كثيرا عما كان قبل تلك الحرب الطاحنة، وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب الباردة وبعد أحداث 11 سبتمبر. الحوادث العظمى التي تحدث في هذا الكون تغير شكله وموازين القوى فيه وشكل تحالفاته الجديدة.

ما يحدث اليوم ينبئ أن نظاما عالميا جديدا في طور التشكل، فالكارثة التي يشهدها العالم في هذه اللحظة من عمر الزمن بمقدورها أن تغير الكثير في عمق النظام العالمي وتصنع منه نظاما جديدا، لكن ليس شرطا أن يكون نظاما أفضل من النظام الحالي. والتغيير المتوقع في ضوء الأحداث الحالية لا يذهب باتجاه تغيير القوى العسكرية فقط، وإنما باتجاه تغيرات بنيوية في الثقافة والاقتصاد والجوانب الحقوقية والاجتماعية وهذا هو التغير المتوقع الأكبر.

وإذا كان ما نمر به اليوم هو حدث تاريخي استثنائي، وهو كذلك، فإن المنتصر في هذا الحدث هو الذي يخرج بأقل الإضرار والخسائر سواء كانت بشرية أو اقتصادية، ويبقى نظامه السياسي محل ثقة كبيرة من شعبه لأنه استطاع الخروج بهم إلى بر الأمان في واحدة من أكبر الكوارث التاريخية خلال قرن من الزمن، أما النظام السياسي الذي لا يستطيع أن يحتفظ بثقة شعبه به أو لا يستعيدها في هذا الظرف فإنه لن يستطيع فعل ذلك قريبا.

الكثير من المؤشرات الآن تؤكد تراجع العولمة ذات المركزية الواحدة التي تسود العالم في وقت تبرز فيه فكرة الدولة الوطنية أكثر وأكثر، بل إن أمر الدولة الوطنية صار واضحا الآن ونحن في بدايات الجائحة وخير مثال على ذلك ما حدث في أوروبا التي لم يكن يعرف أي خطوط حدود بين دولها ولكن في لحظة ظهرت الحدود وأغلقت أمام حركة الناس. وانكفأت كل دولة بأمر نفسها ولم تلتفت إلى جارتها، والأمر نفسه حدث في دول الخليج حيث أوقف التنقل بالبطاقة الشخصية التي كانت تشكل ربما الملمح الوحيد "للمواطنة الخليجية". صحيح أن المرحلة القادمة في العالم ربما تشهد تقاربا أكثر بين الدول "الوطنية" فيما يتعلق بتبادل المعلومات على خلفية أن الكوارث لا تأتي فردية وإنما تعم الجميع.

الأمر المهم الذي يمكن أن نخرج به من هذه الأزمة في العالم هو فقدان الشعوب لثقتها بالحكومات الشعبوية؛ لأنها أثبتت في هذه اللحظة من التاريخ عدم أهليتها لإدارة الأزمات الحقيقية وليست أفضل من يستطيع مواجهة مثل هذا الوباء، ويمكن أن نرى ما يحدث في أمريكا على سبيل المثال أو فرنسا ودول أوروبية أخرى، وهذا في حد ذاته ليس سيئا، ولكن السيء أن مساحة الحريات ربما تقل في العالم خاصة بعد نجاح بعض الدول التي استخدمت الشدة المفرطة مع شعوبها في إبطاء الوباء ومحاصرته تماما.

في بلادي عُمان نحن أمام منعطف تاريخي كبير، شعاره نكون أو لا نكون في نظام عالمي جديد يتشكل. وما زالت الدولة تمسك بزمام الأمور، وما زالت تثبت يوما بعد آخر أنها تدير الأزمة بكفاءة عالية وأن لديها كفاءة في التخطيط والقيادة. والثقة بين المواطن وبين الحكومة هي في أفضل حالاتها اليوم رغم المشهد الاقتصادي القاتم جدا بسبب الهبوط التاريخي لأسعار النفط. لكن الثقة التي أتحدث عنها تتشكل بالنظر إلى الإجراءات التي اتخذتها الدولة لحماية الناس من الانتشار الكبير للفيروس، وهي تنجح حتى اليوم في إبطاء الانتشار وفي ترقية المؤسسات الصحية لتكون قادرة على استيعاب أي طفرة في الوباء. وتتشكل الثقة فيما قامت به الدولة من إجلاء موطنيها من كل بقاع الأرض ولم تتركهم وحدهم في مواجهة الجائحة رغم الظروف العالمية المعروفة وإيقاف حركة الطيران في العالم، كذلك تتشكل الثقة من التغيرات التي أجبرتنا الظروف عليها والمتعلقة بتفعيل جوانب اقتصادية كانت في حكم المغيبة مثل: تفعيل موانئ السلطنة للاستيراد المباشر عوضا عن الاستيراد عبر وسيط آخر. وكذلك عبر تبني المبادرات والابتكارات الشبابية التي قدمت حلولا معقولة للكثير من الأزمات المتوقعة سواء كان ذلك في نقص أجهزة التنفس الصناعي التي يتنافس عليها العالم أم في بعض المستلزمات الطبية الوقائية باستخدام تقنية الطابعات ثلاثية الأبعاد. ونستطيع القول إن الشباب العماني نجح بامتياز، رغم الوقت المبكر، في إثبات قدراته وأنه أهل لإدارة المرحلة في لحظة تاريخية فاصلة من عمر الوطن ومن عمر العالم. كذلك أثبتت عُمان أنها ملتزمة بمبادئها عندما قررت تقديم الرعاية الصحية المجانية للجميع عمانيين وأجانب رغم التكلفة الباهظة وفي لحظة اقتصادية صعبة.

هذه فرصة لا تتكرر لنستطيع كتابة التاريخ، فما زالت إدارة الأزمة قادرة على تقديم نماذج جيدة في احتواء الخطر والحد منه، وهذه فرصتنا لنستطيع بناء اقتصاد عماني غير قائم على النفط. وما زال الأمل كبير في الشعب العماني ليثبت للعالم أنه شعب حضاري واع يستطيع تجاوز المنعطفات التاريخية.