١٢٣٤٥
١٢٣٤٥
آخر الأخبار

ممرضات المستشفى السلطاني يكتبن يومياتهن توثيقا للجائحة وتفكيكا لرعبها

21 أبريل 2020
21 أبريل 2020

قلق وخوف وترقب.. وإيمان بالمهنة

الزميل عاصم الشيدي في نقاش مع مجموعة من ممرضي العناية المركزة في المستشفى السلطاني[/caption]

كتب ـ عاصم الشيدي

تصوير: محمد المحجوب

عزيزة الشرجية خلال عملها على جهاز البلازما[/caption]

تنهمك عزيزة الشرجية على جهاز spectra optia في غرفة العناية المركزة الخاصة بمرضى كوفيد19 بالمستشفى السلطاني، حيث تقوم باستخراج المضادات المناعية من دم مريض واستبدالها بأخرى مأخوذة من مريض شفي من المرض على أمل أن تساهم المناعة التي اكتسبها في حماية مريض العناية المركزة الذي يزيد عمره عن 60 عاما. ويعوّل العالم اليوم كثيرا على العلاج "بالبلازما المناعية"، فيما يعتبره البعض إنه ليس أكثر من التشبث بقشة وسط الجائحة.

تؤدي عزيزة، وهي ممرضة متخصصة في وحدة الفصادة الطبية بالمستشفى السلطاني، عملها بهدوء تام وبإتقان بعد أن استطاعت تجاوز حالة "الفوبيا" التي أصابتها في الأيام الأولى لبدء عملها في قسم العناية المركزة لمرضى كورونا. "كانت أياما صعبة" كما تقول، لم تستطع فيها حتى النوم.

ترتدي عزيزة طقم ملابس خاص جدا يعزلها عن المحيط الخارجي في العناية المركزة حيث يتواجد 7 مرضى بالفيروس حالة بعضهم صعبة جدا. أكملت عزيزة أكثر من ثلاث ساعات منذ أن ارتدت هذه الملابس، وستتبعها بثلاث ساعات ونصف أخرى حتى ينتهي عملها، وخلال هذه المدة لا تستطيع حتى شرب الماء؛ لأن خلع هذه الملابس الخاصة وارتدائها يحتاج وقتا طويلا لا تملكه الآن، ولا بد أن ترتدي طقما جديدا لو اضطرت لخلع الحالي، فكل قطم يُخلع لا يمكن إعادة ارتدائه مرة أخرى. ويضغط الطقم بشدة على جسم مرتديه، لدرجة أنه يتسبب بدرجة حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية وتعرق كثير جدا.

حالة فوبيا

تقول عزيزة: نعم شعرت بالخوف في اليوم الثالث لبدء عملي، أصبت بحالة فوبيا، كنت أفكر في عائلتي وأنا أستمع إلى الكثير من الأخبار التي تأتي من دول أخرى تفشّى فيها الوباء، ولم يكن سهلا أن نعزل أنفسنا عن تلك الأخبار، خاصة أن الفيروس جديد وليست لدينا خبرة في التعامل مع المصابين به، ولذلك كان لا بد أن نحصل على أكبر قدر من المعلومات والخبرة.

تصمت عزيزة قليلا وهي تستجمع قواها للحديث عن تلك الأيام: ربما كان خوفي بسبب عائلتي! أما أنا فقدت اعتدت على خطر العناية المركزة، وعلى العموم مرّ الخوف ومرّ القلق واعتدنا الأمر.

وعندما سألتها كيف تجاوزت الأمر؟ قالت: الأمر بسيط جدا، عندما ندخل إلى غرفة العناية لا تكون لدينا إلا مهمة واحدة، فقط، وهي أن نساعد المريض على تجاوز مرضه، ومنذ البداية كنا نؤمن أن عملنا: أطباء وممرضين مرتبط بفكرة التضحية، ولذلك سرعان ما نتجاوز الخوف والقلق ولا يكون لدينا وقت للتفكير في خوفنا، ربما يكون ذلك في رحلة العودة للبيت أو عندما نختلي بأنفسنا لاحقا.

بعد مضي أكثر من 5 ساعات من عمل عزيزة ستبدأ في الشعور بالغثيان، والأمر يعود إلى طقم الملابس الذي ترتديه ومن الكمامة الضاغطة بشدة على وجهها.. ولكنه شر لا بد منه في هذه الظروف العصيبة.

بروتوكول الحماية

استعداد وجاهزية من الجميع[/caption]

يتخذ المستشفى السلطاني بروتوكولا صارما لحماية الأطقم الطبية والطبية المساعدة، ويعتبر المستشفى أن سلامتهم أولوية، ولذلك لا يتهاون في نوعية الملابس والاحتياطات التي لا بد من اتخاذها في كل اقتراب من المرضى. وخلال زيارتنا لوحدة العناية المركزة حيث مرضى "كوفيد19" لم يسمح لنا بالاقتراب كثيرا رغم الاحتياطات، وارتدى الزميل المصور محمد المحجوب الكثير من الملابس الطبية المعقمة والكمامات حتى يستطيع الاقتراب عن بُعد من الممرضات داخل غرفة العناية وهن يمارسن عملهن في خدمة ورعاية المرضى.

وتواجه الأطقم الطبية على مستوى العالم الكثير من التحديات في رحلة التعامل مع مرضى الوباء، ولقي المئات من الأطباء والممرضين حتفهم في أكثر الدول تقدما في المؤسسات الصحية. وتصف الأدبيات الطواقم الطبية والطبية المساعدة بأنهم "جنود" المعركة الطاحنة من أجل حماية البشرية من الفناء، رغم ذلك فإن هؤلاء الجنود بشر يشعرون بالخوف والقلق والتوتر وتخامرهم الكثير من المشاعر في لحظات الصفاء والهدوء، وهذا كله مبرر، خاصة أن لديهم عائلات وأطفالا يخافون من نقل العدوى لهم.

حماس تلهمه للآخرين

لوح في جناح العناية لكتابة انطباعات الأطباء والممرضين[/caption]

أمينة البلوشية[/caption]

وتدور هذه الفكرة في ذهن أمينة بنت ياسر البلوشية، ممرضة العناية المركزة للكبار، والتي انتدبت للعمل في عناية "كوفيد19" التي تقول إنها تشعر بالفخر لأنها تشارك في جهود القضاء على المرض. لكن رغم هذا الحماس لا تنفي البلوشية القلق والخوف اللذين ينتاباها لمجرد التفكير أنها يمكن أن تصاب بالعدوى وتنقلها للآخرين.

وتحاول أمينة أن تلهم زملاءها بعضا من حماسها لتجاوز تخوفاتهم وقلقهم من العدوى.

تقول البلوشية: لا بدّ للممرض قبل أن يلم بالمهارات السريرية خلال تعامله مع مرضى كوفيد19 أن يكون لديه إيمان قوي بالعمل الذي يقوم به، أما الخوف فهو موجود ومبرر ولكن بالوعي بالطرق والأساليب التي يمكن أن نقي بها أنفسنا من العدوى والإصابة يمكن أن نتجاوز الأمر بأقل الخسائر.

ويقدم المستشفى السلطاني وغيره من مستشفيات السلطنة دعما نفسيا للطواقم الطبية والتمريضية لتجاوز التحديات التي تواجههم. بل إن إحدى الممرضات اللاتي تحدثنا معهن تقول إن الطريق إلى الطبيبة النفسية هذه الأيام صار مفتوحا للجميع ومواعيد الدخول عليها ميسرة!

رعب في الممر

وتتحدث أمينة البلوشية عن أصعب المواقف التي مرت بها خلال هذه الجائحة، كان عليها أن تأخذ مريضا مصابا بالفيروس إلى غرفة الأشعة. تطلّب تجهيز المريض لأخذه للأشعة قرابة ساعتين، كانت فيهما أمينة ترتدي طقم الملابس الذي يعزلها عن المحيط الخارجي، وبدأت درجة الحرارة ترتفع، وبدأت تشعر بالدوار بسبب الملابس والكمامة الضاغطة، رغم ذلك كانت تفكر بأنها ربما تصاب بالعدوى، أو أنها في رحلة الذهاب للأشعة يمكن أن تتسبب في نقل العدوى لآخرين.

لم يكن الطريق طويلا، ولكن أمينة حسبته كذلك، فأخذت تفكر في كل التفاصيل وتبني تخيلات كثيرة حتى وصلت إلى مرحلة رأت فيها زر المصعد مصدرا للرعب.

كان المستشفى قد عمد إلى إخلاء تام للممرات التي سيمر بها المريض في رحلته إلى غرفة الأشعة، فيما كان فريق التعقيم يسير خلفه مباشرة، ليعقم المكان تعقيما دقيقا.

تروي أمينة التفاصيل الآن بشيء من المرح رغم أن مثل هذا الموقف قابل لأن يتكرر معها وزميلاتها كل يوم ولكنها اعتادت الأمر، كما اعتادت يوميا عملية تعقيم أغراضها وسياراتها عند عودتها إلى المنزل وذلك وفق البروتوكول المتبع في المستشفى.

إدارة الأزمات

سلمى البلوشية[/caption]

إدارة الأزمات ليست غريبة على مدربة التمريض سلمى بنت علي البلوشية العضو في لجنة الجائحة فسبق أن عملت خلال أزمة فيروس سارس وعملت في أزمات أخرى مثل إعصار "مكونو" وعادت قبل شهر من بريطانيا بعد أن أنهت دراسة الماجستير في إدارة الأزمات أيضا. لا تشعر سلمى بالكثير من الخوف وتعتمد في حديثها كثيرا على البراهين العلمية التي على الجميع اتباعها من أجل حماية نفسه.

تقول سلمى: لا بد أن نعرف الطريقة التي ينتشر بها الفيروس من أجل أن نحمي أنفسنا من الإصابة به. وعندما سألتها عن الممرضين الذين تدربهم إن كانوا متخوفين كثيرا قالت: نعم. الأخبار التي انتشرت عن الفيروس وانتشاره السريع كانت مخيفة، خاصة عندما نقرأ عن أعداد الوفيات في العالم، ولذلك من الطبيعي أن تتخوف أطقم التمريض بشكل خاص؛ لأنهم يرون مقدار تعرضهم للخطر، وهذا جعل البعض يتحدث "أننا لن نعيش طويلا". تقول سلمى: هذا الأمر دفع الممرضين للإصرار على ارتداء الأطقم الخاصة جدا طوال عملهم حتى في الأماكن التي لا تستدعي، وهذا ما تسبب في حالات إغماء في البدايات. أيضا لا بد أن نتذكر أن الناس كانوا يرفضون التعامل معنا بمجرد أن يروا أننا نعمل في العناية المركزة الخاصة بكوفيد19 وهذا ما يمكن أن تجده لاحقا في يومياتنا التي نكتبها.

نجدد خططنا

تضيف سلمى: نجدد الآن طرق الوقاية بشكل أسبوعي مستفيدين بآخر ما تتخذه الدول المتقدمة علينا في الوباء. وهناك خطط حسب نوع المريض، وحسب مقدار الاقتراب منه.

لكن الحقائق تتطور الآن مع تقدم المرض وتوفر بعض الدراسات حتى أننا وصلنا إلى مرحلة إعادة استخدام الكمامة الطبية N95 مرة أخرى بعد إعادة تعقيمها، هذا يحدث في ظل التنافس العالمي على هذه النوعية من الكمامات وبعد أن أثبتت الدراسات جدوى الأمر.

ابتسامة وأمل

فسحة بسيطة لالتقاط صورة سيلفي[/caption]

الحركة أمام جناح العناية المركزة لمرضى "كوفيد19" نشطة، ويمكن للمتأمل أن يقرأ الكثير من التفاصيل في وجوه الداخلين والخارجين.

ناصر السليمي[/caption]

ناصر السليمي أخصائي علاج طبيعي وتأهيل كان خارجا من جناح العناية المركزة بابتسامة مميزة. سألتُه عمّا كان يفعله في جناح العناية المركزة ويجعله يبتسم بهذه الطريقة! قال السليمي: مهمتي تقديم العناية لمرضى كورونا عبر المساعدة في تنظيف القصبة الهوائية لتسهيل عملية التنفس على المرضى، وعندما أنجح في هذا الأمر أشعر بالسعادة لأنني قدمت خدمة لمريض قد تنقذ حياته وهذا يدعو للسعادة. ويضيف: الفيروس يتسبب في تكوين طبقة من البلغم وأشياء أخرى في القصبة الهوائية، وأقدم المساعدة للتخلص من تلك الطبقة. كما أساعد المرضى عبر التقنيات المتوفرة ليستطيعوا الحركة بأنفسهم من خلال الكثير من التمارين الحركية.

أما القلق والخوف "فهو موجود وهذا طبيعي" هكذا يقول السليمي والابتسامة ما زالت لا تفارق وجهه، لكنّه يؤكد أن خوفه كان على أسرته أكثر من خوفه على نفسه. وناصر السليمي لديه طفلة عمرها 3 سنوات، لا يستطيع منع نفسه من حملها واللعب معها لو كان يعود للبيت بشكل يومي، ولكن إدارة المستشفى وفرت له سكنا خاصا هذه الفترة يعود إليه بشكل يومي خاصة أنه ليس من سكان محافظة مسقط، ويبقى في اتصال مع عائلته عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الخوف حافز

متابعة ودقة رغم الخوف والترقب[/caption]

سالمة الوهيبية[/caption]

الأمر نفسه تقوم به زميلته سالمة الوهيبية أخصائية تأهيل وعلاج طبيعي التي تركت الشرقية واستقرت في مسقط خلال هذه الجائحة. تتحدث سالمة عن القلق الذي ينتابها أحيانا وهي داخلة في غرفة العناية المركزة، حيث مرضى كوفيد19. تقول سالمة: أنا موظفة جديدة، وربما هذا مصدر بعض الخوف الذي ينتابني، لكنّ الخوف يمكن التغلب عليه عندما نستطيع توجيهه التوجيه الأمثل، كأن يكون حافزا لنتخذ الكثير من الاحتياطات، لكن لا يمكن أن ندع الخوف يمنعنا من أداء واجبنا لأن في أداء واجبنا على نحو كامل وجيد مساهمة في سلامة مجتمعنا والخروج من هذا الوباء بخسائر قليلة.

كن قوس قزح

تحمل بعض الممرضات اللاتي يعملنا بالقرب من مرضى "كوفيد19" دفاتر خاصة لكتابة يومياتهن. كان الأمر مثير جدا. سلمى كانت تحمل دفترا كتب على غلافه "كن قوس قزح في حياة الناس" تقول: تكثر الغيوم السوداء بين الناس، أريد أنا وزميلاتي أن نكون قوس قزح ينثر الجمال على الجميع. وتكتب سلمى يومياتها والمواقف التي تمر بها، لتوثيق اللحظات الاستثنائية لها ولتفاصيل المشهد العام، ودراسة المواقف لاحقا للخروج بحقائق أخرى قد تفيد في الأيام القادمة. مشيرة إلى أنها ليست الوحيدة التي تكتب يومياتها ولكن زملاءها يفعلون ذلك أيضا، كما وُضِعت بعض الألواح في غرف العمل ليكتب كل شخص عليها ما يدور في ذهنه في لحظة عمله أو لحظة انفعاله.

أما أمينة فتكتب يومياتها بطريقة مختلفة وذلك عبر صفحتها على الانستجرام. تقول: كان هذا مناسبا لي، وأجد الكثير من التفاعل من زملائي في المستشفى وكذلك من المتابعين سواء من عمان أو حتى من الخارج ولذلك أجد كل يوم طلبات إضافة. تصمت قليلا ثم تواصل حديثها: سأعود يوما إلى هذه التفاصيل وهذه اليوميات وربما أصنع منها شيئا مختلفا. أما عزيزة فتقول: إنها لا تجد حتى الآن الوقت الكافي لكتابة يومياتها، فهي منهمكة جدا في عملها على أمل أن تجد الوقت للكتابة يوما ما.

تدوين للملاحظات أولا بأول[/caption]

ممرضات يتابعن حالة المرضى في العناية المركزة[/caption]