يوسف البلوشي
يوسف البلوشي
أعمدة

عمان التاريخ الاقتصادي

20 أبريل 2020
20 أبريل 2020

يوسف بن حمد البلوشي

[email protected]

أكتب هذه السطور عن التاريخ الاقتصادي الضارب في العمق، ليس بغرض التفاخر وإنما لاستنهاض الهمم وتنشيط وإعادة إحياء الجينات التجارية العمانية.

هناك محطات عديدة في تاريخ عمان لا يتسع هذا المقال لسردها، ولا يخفى الدور التجاري والاقتصادي الذي لعبته الموانئ العمانية على مر العصور فهي مركز ثقل دولي يشهد له القاصي والداني بتفرد السلطنة بتاريخ تجاري ضارب في العمق وتراث حضاري وتاريخي. ولعبت عمان دورًا مهمًا في نشر الإسلام وحماية المسلمين على مر التاريخ.

وقد قيل قديما إن عمان دهليز الصين وخزانة الشرق والعراق ومغوثة اليمن، وقيل أيضا من أراد التجارة عليه بعدن أو عمان أو مصر، وقيل عمان سيدة المحيط الهندي.

وكان من بين أوائل الاتفاقيات التجاريه للسلطنة مع البريطانيين في عام 1640م فيما يخص حركة الصادرات والواردات بين الهند وشبه الجزيرة العربية وتأمين السفن التجارية وحمايتها تلتها اتفاقية أخرى مع البريطانيين 1798م ثم اتفاقية السلم البحري مع بريطانيا كذلك في عام 1820م.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد وقعت مع السلطنة اتفاقية في عام 1833م وكان أهم بنود الاتفاقية التجارية السماح للسفن العمانية بزيارة الموانئ الأمريكية والبيع والشراء وتقديم الدعم والمساندة والحماية لها والمعاملة بالمثل للسفن الأمريكية في الموانئ التي كانت تحت إدارة عمان.

وفيما يتعلق بأهم البضائع والسلع التي كان يتاجر بها أهل عمان ومضرب المثل في الجزيرة العربية فهي كثيرة على سبيل المثال وليس الحصر النسيج العماني ، العنبر واللبان العماني يقصر عنه الوصف، الحلي واللؤلؤ، ومختلف المحاصيل الزراعية من تمور وليمون وموز وغيرها. وفي فترة من فترات التاريخ كانت عمان تملك نفوذًا وأراضي في أكثر من إحدى عشرة دولة من بينها إيران وباكستان واليمن والصومال وتنزانيا وكينيا وغيرها.

وحديثا إذا نظرنا إلى تاريخ السلطنة في الستينيات وأوائل السبعينيات، يمكننا أن نرى بوضوح كيف أصبح حلم التنمية حقيقة وواقعا ملموسا في عُمان.

لقد كانت التحديات والصعاب جسيمة، إلا أن العزم والإصرار طوّع تلك التحديات وأمّن الانتقال إلى طور جديد من التنمية بقيادة باني عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه - فقد بنى في غضون خمسة عقود نهضة تنعم بكل مقومات وعناصر الدولة الحديثة وتتمتع بجاهزية كبيرة في مختلف الأصعدة ولكن كمثيلاتها من النهضات العمانية المتجددة ستحتاج إلى إعادة الانبثاق ونسق جديد من التنمية قادر على قطف ثمار منجزات المراحل السابقة ويأتي على رأسها القدرة على ربط عناصر القوة والمقومات والموارد والفرص معًا للانطلاق من الداخل إلى العالمية لاستجلاب ما ينقصنا من رؤس أموال وتكنولوجيا ومعرفة وأسواق تمكنها العلاقات الدولية والمكانة الرفيعة للسلطنة بين الأمم وذلك بغرض إكمال العناصر المفقودة في معادلة التنمية الداخلية.

والسر من وجهة نظري في هذه النهضات المتجددة يرجع بعد توفيق الله إلى العمانيين أنفسهم فهم يمثلون المعدن النفيس والمورد الذي لا ينضب، وسماتهم الإرادة والعزيمة والإصرار على مواجهة التحديات. وأنا على يقين وجميع العمانيين يتفقون معي بأننا على أبواب نهضة جديدة. فعمان دولة شابة ويجب أن نفخر بشبابنا ونستثمر فيهم ونمكّنهم من الإنجاز، وهذه قوة حقيقية يجب البناء عليها وتنميتها واستغلالها للعبور للمستقبل. فالإبحار بالسفينة العمانية الأصيلة في بحر تتلاطم أمواجه وتشتد رياحه يستوجب تنظيم الصفوف وتسوية الأشرعة بالشكل الملائم والعمل على إيجاد سبل لإعادة توجيه الطاقات المختلفة وعلى رأسها الشباب العماني المكدس حاليا في القطاعات الحكومية إلى القطاعات الإنتاجية.

فالدول لا تقاس بما تملكه من ثروات طبيعية ومالية، بل بمدى جودة مواردها البشرية وكفاءة مؤسساتها. فكل إنسان يمتلك مجموعة من المهارات والملكات والقدرات، وتظل هذه القدرات حبيسة لحين إتاحة الفرصة لها للانطلاق.

فالتحدي هنا يكمن في كيفية إطلاق وتوظيف قدرات الإنسان لصالح المجتمع والتنمية. فكلما كان الفرد مُنتجًا كان المجتمع يتمتع بقاعدة إنتاجية وكل ما كان الفرد مُستهلكًا كان المجتمع مُستهلكًا وغير قادر على بناء رأسمال جديد.

إن المرحلة القادمة تحتّم علينا تبني قيم سلوكية مرتبطة بقيم العمل والإنتاج والاستثمار والادخار والترشيد والمسؤولية وغيرها، فمعادلة بناء الإنسان المُنتج المُبدع ليست سهلة وتحتاج إلى العديد من العوامل ومسؤولية مشتركة بين حكومة ومؤسسات أعمال وأفراد بالمجتمع للعمل معًا لتعزيز القيم المذكورة ونشر الوعي الكافي وبشفافية تامة بين أفراد المجتمع بأهمية وحتمية التغيير ومدى الفوائد التي يمكن أن تجنى، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، وكذلك إدراك مخاطر عدم التغيير.

إننا نحتاج إلى إيقاظ المارد الذي بداخلنا، ونغير بعض القناعات والأساليب للتعظيم من الموارد المحلية والدولية، فعماننا تمتلك كل الإمكانيات والجاهزية والكرة في ملعب الجيل الحالي.