الاقتصادية

ينبغي لأولويات الخطة العاشرة أن تتضمن أنظمة التعليم والتدريب والابتكار وريادة الأعمال

18 أبريل 2020
18 أبريل 2020

مرتضى حسن: أزمة كورونا غير مسبوقة وتأثيراتها الاقتصادية واسعة المدى -

كتبت - أمل رجب -

قال الخبير الاقتصادي مرتضى حسن علي: إن التداعيات الحالية لجائحة كورونا أدت إلى أزمة هي الأشد من نوعها في مختلف أنحاء العالم بما خلّفته الأزمة من أعداد كبيرة من المصابين والوفيات، كما تعد التأثيرات الاقتصادية لهذه الأزمة غير مسبوقة على الإطلاق في تاريخ البشرية ، فصندوق النقد الدولي توقع مؤخرًا أن تصل خسائر الاقتصاد العالمي بسبب تفشي كورونا إلى نحو ٩ تريليونات دولار خلال العامين الحالي والمقبل، والاقتصاد العالمي انزلق الآن بالفعل نحو الركود مع التراجع الحاد في معدلات النمو في غالبية دول العالم، وبينما يكافح العالم بأكمله للتعامل مع التبعات الصحية لهذا الفيروس فإن الاقتصاد في حد ذاته هو من أكبر ضحايا الأزمة الحالية بما نشهده من إغلاق للأنشطة وفقدان للوظائف وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، وفي حوار مع (عمان) يقدم لنا الخبير الاقتصادي مرتضى حسن علي رؤيته لتأثيرات الأزمة على الاقتصاد المحلي وما يمكن القيام به على المدى القصير والمتوسط والطويل للتعامل مع تبعات هذه الأزمة.

الاستعداد للتعايش المدروس

وأكد مرتضى بن حسن بن علي على أن الأزمة الحقيقية هي أنه لا يمكن لأحد أن يتوقع متى وكيف قد تنتهي هذه الأزمة وحجم ما سينجم عنها من تأثيرات، وهو ما قد يتطلب البدء منذ الآن في الاستعداد للتعايش المدروس مع وضع تفشي الفيروس، وإيجاد آليات للتغلب على التداعيات، وتتزايد أهمية ذلك للسلطنة إذ أن هذه الأزمة تتزامن مع الانخفاض الحاد الثاني لأسعار النفط ، بينما ما زلنا تحت تأثير تداعيات تراجع الأسعار منذ عام ٢٠١٤..

وعلى المدى القصير فإن ما نعنيه بالتعايش المدروس هو الاستعداد تدريجيًا لإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية مع الاهتمام بالاشتراطات الصحية للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا، والتوسع في حصر الإصابات وفي حماية الفئات الأكثر تعرضًا للإصابة، وغير ذلك من الإجراءات المتعلقة بالجانب الصحي، وقد رأينا وعيًا كبيرًا من الأفراد في الالتزام بسياسة التباعد الجسدي خلال الفترة الماضية، وعبر مزيد من الجهود التوعوية يمكن تدريجيًا إعادة فتح بعض الأنشطة مع استمرار تطبيق الإجراءات الاحترازية الصحية والتباعد في أماكن العمل والأماكن العامة.

وأضاف: إن الجميع تابع خلال الفترة الماضية ما حققته اللجنة العليا المكلفة بآليات التعامل مع تفشي فيروس كورونا من نجاح في التعامل واحتواء التداعيات، وللتعامل مع الجانب الاقتصادي من الممكن الاستعانة بفريق عمل من الجهات الحكومية المعنية بالجانب الاقتصادي إضافة إلى ممثلين عن القطاع الخاص، تكون مهمته الأساسية إيجاد آليات للتعامل مع القطاعات المتأثرة والبدء في إعادة عجلة الاقتصاد للعمل مرة أخرى، وبأقل الخسائر الممكنة، من خلال آليات تنسجم مع مستهدفات الخطة الخمسية العاشرة الجاري العمل في مراحلها النهائية حاليا.

ويرى مرتضى بن حسن بن علي أنه على المديين المتوسط والطويل هناك العديد من الأولويات التي ينبغي وضعها في خطط التنمية لتعزيز نمو مختلف القطاعات، فتزامن الجائحة مع أزمة الانخفاض الحاد لأسعار النفط ، حول الأزمة من أزمة صحية إلى اقتصادية أيضا، ويمكن أن نستفيد من الأزمتين المتزامنتين - تراجع النفط وكورونا - عبر إيجاد إصلاحات شاملة في الجهاز الإداري للدولة وتقليل أعداد العاملين فيه بصورة متدرجة، إذ أن أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة لكل ألف من السكان تعتبر عالية جدًا مقارنة مع أعداد العاملين لكل ألف من السكان حسب المعدلات العالمية.

إصلاحات شاملة

وأكد على الحاجة إلى تبني إصلاحات كاملة وشاملة في كافة أنظمة التعليم والتدريب، القادرة على تشجيع الابتكار وزرع المهارات العالية وريادة الأعمال والاعتماد على النفس وزرع أخلاقيات عمل عالية، ومن المعروف أن عملية تنشيط وتنويع الاقتصاد تتطلب الاهتمام بتنمية القوى البشرية، وتزداد الطلبات على المحامين ومهندسي التكنولوجيا الحيوية والمحررين الاقتصاديين ومصممي برامج الحاسوب والمخططين الاستراتيجيين لأنهم يساهمون في توفير (قيمة مضافة) عالية في كل المجالات التي يعملون بها، وكل ذلك يتطلب كوادر بشرية تتمتع بمستويات عالية من التعليم وأعداد وافرة من خبراء في مجالات مختلفة وهياكل مالية متقدمة ونظم اتصالات متطورة باستمرار ومخزونات معرفية هائلة.

وفضلًا عمّا سبق لا بد من إعادة نظر في دور الدولة في الحياة الاقتصادية، وهو موضوع يتعرض دائمًا إلى النقاشات رغم أنه تم حسمه في عدد كبير من الدول، وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن دور الدولة يجب أن ينحصر في بناء البنى الأساسية والمحافظة على الحدود والأمن الداخلي والتعليم والصحة وقيادة الدولة للتغييرات المجتمعية.

وربما من أهم التوصيات التي ينبغي الأخذ بها مستقبلًا إنشاء هيئة لإدارة الأزمات المختلفة التي تظهر بين فترة واُخرى تكون مقدمة لإنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية لدعم القرار من أجل تخطيط منظم قائم على المعرفة والتنبؤ بالمستقبل واستشرافه وتوخي مفاجأته ورصد احتمالاته، ويتمكن من دراسة معمّقة للكثير من المشاكل التي تواجهنا ودراسة كل الجذور لتلك المشاكل والبحث في كل البدائل المتاحة وتقديم الدعم لأصحاب القرار، وتؤدي مراكز الدراسات الاستراتيجية المختلفة دورًا بارزًا من خلال وضع الخيارات والافتراضات والاقتراحات والحلول أمام صاحب القرار ناهيك عن تأهيل وتدريب وتخريج الخبرات الاستراتيجية المستقبلية للعمل في تلك المراكز أو غيرها من القطاعات، من تعليمية واجتماعية واقتصادية وتنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات المحلية والعالمية بشكل مطرد..

الدراسات الاستراتيجية

ومن أهم أدوار مراكز الدراسات الاستراتيجية هو تحويل الدراسات والبحوث والرؤى إلى أطر قابلة للتطبيق والتنفيذ تتسم بالاتساق والتكامل لأن ذلك يساهم في تعظيم دور الدولة والمواطن في عملية التنمية مع أخذ الدروس من الوضع الحالي الذي تعتمد فيه التنمية على النفط وعلى قوة العمل الوافدة في حين نحتاج لزيادة فرص العمل وخاصة المجدية منها.

من جانب آخر وفيما يتعلق بدور قطاع النفط في المرحلة الحالية أكد مرتضي بن حسن على الاحتياج لخطة طموحة وشاملة لتقليل الاعتماد على النفط تمهيدًا لتنويع مصادر الدخل من مصادر متعددة تساهم في إيجاد فرص عمل كبيرة للوظائف المختلفة.

فالنفط يفقد قيمته باستمرار أمام مصادر الطاقة الجديدة النظيفة والمتجددة، ولدينا العديد من المصادر الأخرى للموارد، وأولها النفط نفسه حيث يمكن استخراج مواد عديدة من النفط واستعمالها في صناعات مختلفة مثل صناعة الملابس والأدوية والأسمدة ومواد التجميل والعطور والكيماويات والآلات الرياضية الخ... كلها تضيف قيمة مضافة وإيجاد ثروات جديدة وتوفر الآلاف من فرص العمل، وهذه المواد ذات القيمة المضافة ليست حساسة جدًا لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية.

وأضاف: إن الإمكانيات الكبيرة التي تتمتع بها السلطنة تتيح أيضًا المضي بشكل أوسع في خطط التنويع الاقتصادي، فلدينا البحر وسواحله بما فيه من خيرات ضخمة بدءًا من الأمواج التي يمكن استغلالها في إنتاج الكهرباء، وحتى الأسماك التي تتيح مجالا واسعا من الأنشطة منها الصيد الاحترافي والتقطيع والتعليب والتصنيع والتصدير واستخراج زيوت نباتية والسماد ، والصناعة تدر دخلًا جيدًا وتعزز الثروة وتوفر فرص العمل ، وهناك الجزر الرائعة والقرى التاريخية الأثرية ، وكلها صالحة لصناعة سياحة ضخمة تكون مصدرا من مصادر العملة الأجنبية لتحسين ميزان المدفوعات وتحويل الخدمات المحلية إلى خدمات قابلة للتصدير وتوفير فرص عمل هائلة وبعشرات الألوف وفي جميع مناطق عمان، والسياحة تعتبر قاطرة للتنمية وهي تحفز على جذب الاستثمارات الأجنبية ونقل الخبرات وحسب منظمة السياحة الدولية فإن صناعة السياحة في البلدان المتقدمة توفر فرص عمل هائلة ، وكل مليون شخص يأتي إلى تلك البلدان يوفر ١٠٠ ألف فرصة عمل، نصفها مباشر والنصف الثاني غير مباشر، فإذا افترضنا أن كل مليون سائح لعمان يوفر ٢٥ ألف فرصة عمل وليست ١٠٠ ألف، فذلك يعني أن ١٠ ملايينن سائح سيوفرون ٢٥٠ ألف فرصة عمل، عدد كبير منها فرص عمل ذات قيمة مضافة، وعلى الرغم من قدرة السياحة الهائلة لإيجاد الثروة وتوليد الألوف من فرص العمل فإن القطاع ما زال محدود المساهمة في الاقتصاد الوطني.

الزراعة والثروة الحيوانية

وأشار إلى أن في صدارة الأولويات التنموية يأتي قطاع الزراعة والثروة الحيوانية كركيزة للأمن الغذائي الذي أصبح الجانب الأهم منذ اندلاع أزمة كورونا، ونعرف أن عمان تعاني من نضوب في الموارد الزراعية المحلية بسبب قلة المياه وقلة الأراضي الزراعية الخصبة ، بينما هي في أمس الحاجة إلى زيادة المحاصيل الزراعية.

وأدى تآكل التربة وتعريتها إلى التخلي عن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية مثلما نجم ذلك عن العمران العشوائي، كما أن أساليب الري البدائية أدت إلى زيادة كبيرة في ملوحة التربة وملوحة المياه.

وتضافرت كل هذه العوامل لتجعل من رفع مستوى إنتاجية ما تبقى من الأراضي الزراعية الصالحة، أمرًا في غاية الأهمية ، موضحًا أن الحصاد العالمي من الحبوب تصاعد ٣٠٠ مرة في العقود الماضية، متخطيا معدلات النمو السكاني لتلك الفترة وشهد إنتاج المحاصيل الجذرية واللحوم والحليب والأسماك والفواكه والخضروات نموا هائلا تلبية للطلب العالمي المتزايد على الغذاء نتيجة للنمو السكاني وارتفاع مستويات المعيشة ، كما تم استصلاح ملايين الهكتارات من الأراضي الجديدة واستخدمت آلات أكثر تطورًا وازداد استعمال الأسمدة الكيمياوية ووسائل الري الحديثة، ونتيجة للتقدم الكبير في مجال التكنولوجيا الحيوية والذي تمخض عنه إنتاج سلالات زراعية جديدة أكثر تطورا، تم إنتاج أنواع جديدة من الأرز المهجن الذي يتمتع بقدرات أعلى على مقاومة الأمراض والحشرات، ولم يرتق المحصول الزراعي من حيث النوع فقط بل ناحية الكم أيضا حتى وصل أحيانًا إلى أربعة أضعاف مستويات الإنتاج السابقة.

وتستطيع الإنجازات العلمية الكبرى أن تقدم المساعدة لنا في حل المشاكل المرتبطة بانخفاض وتدني جودة التربة إضافة إلى عدم كفاية الأراضي الصالحة.